لم تمرّ زيارة الرئيس ميشال عون إلى سوريا واجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد، مرور الكرام، حيث أعطي اللقاء أبعادًا مختلفة، خصوصًا وأن توقيت الزيارة كان مفاجئًا حتى لأوساط التيار الوطني الحر، بعد أصداء جلسة تبني ترشيح وزير المال الأسبق جهاد أزعور التي وصلت إلى الجمهور المتململ.
وتشكّل الحالة الشعبية للتيار الشريحة الأوسع والرافعة الانتخابية له، إيمانًا منها بمشروع الدولة وشعار الإصلاح والتغيير، الذي قام على أساسه التيار، الذي يحمّل مسؤولية الفساد لمكونات السلطة، وقد وثّق ارتكاباتهم بـ«الإبراء المستحيل»، وخصّص جزءًا كبيرًا منه لوزير مالية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، جهاد أزعور، الذي تبنى ترشيحه التيار مخالفًا مبادئه وشعاراته، متقاطعًا مع خصوم الأمس، منقلبًا على الحلفاء اليوم بكيدية هدفها قطع الطريق على ترشيح سليمان فرنجية، الذي تبنى الثنائي الوطني ترشيحه، ولاقى دعمًا فرنسيًا واحترامًا سعوديًا، ما أحرج رئيس التيار جبران باسيل حتى داخل تياره، فاستعان بالرئيس ميشال عون في جلسة صاخبة أراد منها فرض أزعور مرشحًا قويًا، لكن أصداء الجلسة تجاوزت حدود ميرنا شالوحي، وانسحبت الى الشارع، رغم تهديد مؤسس التيار بطرد من يخالف القرار.
هذا الواقع، معطوفًا على ما قبله، أدخل التيار في حالة من الارتباك، فالثنائي لم يتزحزح قيد أنملة عن دعم ترشيح فرنجية، ورأس الكنيسة عاد من فرنسا خالي الوفاض، وتقاطُع المصالح شكّل جبهة عاجزة عن إيصال أزعور صاحب التاريخ الذي لا يوحي بالثقة، فضلًا عن أنه لا يملك أي مشروع أو رؤية، إلا شبهات فساد أضيف إليها دعم باسيل.
باسيل نفسه، سبق أن حاول الاستعانة بسوريا بعد لقائه مستشارة الرئيس الأسد، بثينة شعبان، منتصف الشهر الماضي، وطلب منها مقابلة الرئيس الأسد، وعاد وكرر طلبه الأسبوع الماضي، إلا أنه لم يلقَ استجابة سورية، فقرر على أثر ذلك الاستعانة بعمّه العماد عون، مرّة جديدة.
استجاب عون لطلب باسيل، فطلب لنفسه موعدًا من الرئيس الأسد بواسطة شخصية دينية كاثوليكية كان عون التقاها بداية الأسبوع الماضي، فانتقلت تلك الشخصية إلى سوريا وأبلغت الرئيس الأسد رغبة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون في لقاء عاجل، إذ إنه يحمل في جعبته أمورًا تهم البلدين.
نهار السبت الماضي تم تحديد الموعد بالتنسيق بين الوزير بيار رفول والسفير السوري السابق في لبنان علي عبد الكريم علي، الذي استقبل العماد عون على الحدود ورافقه حتى قصر المهاجرين في دمشق، حيث استقبله الرئيس الأسد مقدرًا له دوره الوطني ومواقفه، مؤكدًا احترام سوريا وشعبها للبنان وشعبه، شاكرًا له الزيارة التي سادها الطابع الاجتماعي، إلا ما حمله عون من رغبة أوروبيين بالتواصل مع سوريا وفتح صفحة جديدة معها، مبديًا استعداده للمساعدة في كل ما يخدم سوريا.
بدوره، تلقّف الرئيس الأسد كلام عون، وأكد أن سوريا أبوابها مفتوحة ضمن المؤسسات الرسمية، ناصحًا الرئيس عون بالتنسيق مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، نظرًا لما لهذا الرجل من موقع ورؤية واحترام شعبي، ولما للعماد عون من احترام عنده، مؤكدّا أن على اللبنانيين أن يتوصّلوا لاتفاق بأنفسهم، يتناسب مع دور لبنان في هذه المرحلة الجديدة. وبخصوص اللاجئين السوريين، أكّد الأسد لعون، دعوة دمشق كافة المواطنين السوريين إلى العودة إلى بلدهم الذي يحتاج جميع أبنائه.
انتهى لقاء الأسد – عون بكثير من الودّ والاحترام. وأربكت أصداء الزيارة فريق المعارضة، ومعهم نواب «الاشتراكي» الذين تردّدوا في حسم خيار ترشيح جهاد أزعور، بانتظار أن تتضح الظروف، بعدما كانوا أول الداعمين له.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.