نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً عن المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، يبيّن دوافعهم، ويكشف خلفياتهم، ويقيّم تضحياتهم ومدى إسهاماتهم في الحرب، ويسّلط الضوء على المخاطر التي يشكلونها على دولهم.
الهروب للحرب
واجه ضابط بريطاني سابق، يبلغ من العمر 30 عاماً، مفترق طرق شخصياً قبل أشهر عدة من غزو روسيا لأوكرانيا، حيث كان يفكر في وظيفةٍ مكتبية في شركة أمنية، ومستقبل يقضيه في مناقشة تفاهات مع أسرته في مسقط رأسهم في جنوب شرق إنجلترا. وفي الوقت الذي كان لا يزال يكافح روتين الحياة المدنية، وفَّرت له فرصة التطوع للدفاع عن أوكرانيا مساراً بديلاً.
والآن، وبعد أن كاد أن يُقتل في قصفٍ مدفعي في مدينة باخموت، يقول “أنا أكثر سعادة مما كنت عليه في أي وقت مضى”. لقد أعطته المعركة الأوكرانية هدفاً، وهو سعيد بالشعور بالخطر. وأضاف: “الأشهر التسعة الماضية كانت الأفضل.. هناك جزء مني يفعل ذلك للأسباب الصحيحة، وهناك جزء مني يفعل ذلك من أجل العنف.. إنه نوع من الاثنين معاً”.
إلى ذلك، قال متطوع آخر في أوكرانيا: “المتطوعون هنا رومانسيون بطريقةٍ ما، الكثير منهم كانت قلوبهم مكسورة. لكنهم جميعا مثاليين أيضاً أرادوا أن يكونوا جزءاً من شيء أكبر من أنفسهم”.
الدوافع المعقدة التي سحبته إلى الخنادق الغارقة في الدماء في أوكرانيا تعكس تجارب الآلاف الذين استجابوا لنداء الرئيس الأوكراني زيلينسكي للمقاتلين المتطوعين بعد غزو روسيا في فبراير الماضي. ذهب البعض للدفاع عن الديمقراطية، والبعض الآخر للهروب من حياتهم الكئيبة أو الرتيبة.
في السياق ذاته، تشير الصحيفة إلى أن ما يُقدَّر بنحو 1,000 إلى 3,000 من هؤلاء المقاتلين الأجانب نشطون، ويخدم معظمهم في ثلاث كتائب في “الفيلق الدولي”. وتقول إن استعداد عشرات الآلاف لتلبية نداء زيلينسكي يوضح أهمية قضية أوكرانيا: دولة تطمح إلى أن تكون عضواً حراً وديمقراطياً في الاتحاد الأوروبي يُقاتل من أجل البقاء ضد نظامٍ شمولي له تاريخ من الانتهاك العنيف للسيادة الإقليمية لجيرانه.
المتطوعون يشكلون مخاطر لدولهم
من ناحيةٍ أخرى، يلفت التقرير الانتباه إلى أن بعض المقاتلين المتطوعين يخالفون قوانين دولهم الأصلية للقتال في أوكرانيا، وقد لاحظ الخبراء خطر أن المتطوعين الأمريكيين قد ينتهكون “قانون الحياد”، قانون سُنّ في عام 1794 يهدف إلى منع المواطنين الأمريكيين من توريط الدولة في حروب أجنبية.
وحتى لو كان وجود المقاتلين الغربيين في أوكرانيا قانونياً، فإنه يتعارض مع الجهود المتضافرة التي تبذلها إدارة بايدن وحلفاؤها في الناتو لتجنب التورط المباشر في حرب روسيا.
وقال خبراء إن اختيار العديد من قدامى المحاربين المضطربين نفسيا للتطوع في أوكرانيا يشير أيضاً إلى فشل حكوماتهم في معالجة صدمات الماضي، وإعادة دمجهم في الحياة المدنية.
من جانبٍ آخر، يشكّل المتطوعون غير المحترفين تحديات للجيش الأوكراني الذي وجد أن بعض المقاتلين يمثلون عبئاً أكثر من كونهم مفيدين.
حب الظهور والإجرام
بدا الكثيرون أكثر اهتماماً بالظهور على “إنستجرام” من الالتزام بالكدح في حرب الخنادق. وبدا آخرون حريصين على عيش الأوهام من لعبة فيديو “كول أوف ديوتي”. وواجه بعضهم مزاعم أكثر خطورة تتعلق بارتكاب جرائم السرقة أو الاعتداء الجنسي، أو تبيّن أنهم يفرون من قضايا جنائية في بلادهم.
تضحيات حقيقية
لكن بالنسبة للعديد من المقاتلين، خاصة قدامى المحاربين الذين يكافحون من أجل الاندماج مرة أخرى في الحياة المدنية، فإن أهوال إراقة الدماء في الخارج في أوكرانيا لا تزال أكثر جاذبية من شعور “السلام” في بلدانه. ومهما كانت دوافعهم، فإن خدمة وتضحيات المقاتلين الأجانب حقيقية: فقد لقي قرابة 100 شخص حتفهم، وأصيب أكثر من 1,000 آخرين، وفقا لكاسبر ريكاويك، الباحث في مركز أبحاث التطرف في جامعة أوسلو.
ومع دخول الحرب الآن شهرها الـ 11، يغلب على هؤلاء المتطوعين طابع الالتزام الشديد، والاستعداد لتحمل ظروف الشتاء، والتغلب على حواجز اللغة والتوترات الثقافية.
واشنطن بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.