ربما تُعد الأزمة الروسية- الأوكرانية الراهنة، التي انتهت بدخول القوات الروسية حدود أوكرانيا في 24 فبراير الجاري (2022)، وتدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، هي الأهم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، سواء لجهة المسرح الذي تجري فيه الأزمة، بالنظر لما تمثله أوكرانيا من “منطقة تماس” بين روسيا وأوروبا، بما يحمله ذلك من استحضار مسرح الحرب الباردة، حيث مثلت أوروبا الشرقية أحد أهم مسارح هذه الحرب بين المعسكرين الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفيتي وحلف “وارسو”، والغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (ناتو)، أو لجهة طبيعة المرحلة التي يمر بها النظام العالمي، من حيث عمق وسرعة التحولات الجارية في موازين القوى، وصعود قوتين مهمتين، هما الصين وروسيا، وتزايد التنسيق بينهما بشأن حالة النظام العالمي الراهن والسعي إلى بناء نظام متعدد الأقطاب، أو لجهة طبيعة الأدوات المستخدمة في إدارة الأزمة، بدءاً من الأداة الإعلامية، وانتهاءً بالأداة العسكرية، ومروراً بالأداة الاقتصادية.
وعلى الرغم من أن الصين ليست ضمن الأطراف المباشرة في الأزمة، لكن هذا لا ينفي أهمية هذه الأزمة بالنسبة للصين، سواء لجهة طبيعة المرحلة التي يمر بها النظام العالمي- كما سبق القول- أو لطبيعة ما حملته من دلالات مهمة بالنسبة لتطور هذا النظام، وما سيترتب على هذه الأزمة من تداعيات استراتيجية مهمة وعديدة على طبيعة هذا النظام. بمعنى آخر، يمكن النظر إلى الأزمة الروسية- الأوكرانية الراهنة باعتبارها حلقة مهمة، تُضاف إلى حلقات سابقة، في إطار عملية تراكمية في تحول النظام العالمي.
الأزمة بسماتها السابقة، تطرح أسئلة مهمة حول طبيعة إدراك الصين للأزمة الروسية- الأوكرانية، باعتبار الصين واحدة من القوى الدولية الرئيسة في النظام العالمي، وطبيعة الحسابات الصينية في التعامل معها، وموقع الأزمة في إدارة عملية الصعود الصيني داخل النظام العالمي، وإدارة العلاقة مع القوة المهيمنة على النظام (الولايات المتحدة) والتي توسعت خلال السنوات الأخيرة في سياسات احتواء الصعود الصيني، سواء داخل أقاليم الجوار المباشر للصين أو خارج هذه الأقاليم، وما إذا كانت الحسابات الصينية في الأزمة تنطوي على تكاليف محتملة بالنسبة للصين.
السياق الدولي للأزمة
تجري الأزمة الروسية- الأوكرانية الراهنة في مرحلة شديدة الأهمية فيما يتعلق بتطور النظام العالمي. هناك تحول عميق ومتسارع في هيكل توزيع القدرات الاقتصادية والعسكرية، وأنماط التفاعلات الجارية بين القوى الرئيسة داخل النظام. وبشكل عام، يمكن تحديد الملامح الأساسية للمرحلة الراهنة في النظام العالمي فيما يلي:
1- تراجع الفجوة بين القوى المهيمنة على النظام العالمي منذ انتهاء الحرب الباردة، ممثلة في الولايات المتحدة، من ناحية، والقوى الصاعدة داخل النظام، من ناحية أخرى، ممثلة في الصين وروسيا. التراجع في حجم هذه الفجوة يجرى ليس فقط على مستوى القدرات الاقتصادية، لكنه يجرى أيضاً على مستوى توزيع القدرات العسكرية وأنظمة التسليح. تراجع الفجوة بين القوى الثلاث الكبرى داخل النظام يفتح المجال للحديث- وفقاً للعديد من نظريات العلاقات الدولية خاصة داخل المدرسة الواقية- عن قرب انتهاء النظام أحادي القطبية والانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب.
وبعيداً عن الاختلافات النظرية القائمة، وما إذا كان هذا الانتقال سيتم عبر مواجهات عسكرية مباشرة بين هذه القوى، أو عبر مواجهات غير مباشرة، لكن الثابت أن سلسلة من الأزمات الإقليمية تلعب دوراً في “تسريع هذا الانتقال”، كما تكون في بعض الحالات “كاشفة” عن حدوث هذا الانتقال. هناك أمثلة عديدة في هذا الشأن؛ منها أزمة السويس 1956 التي كانت “كاشفة” لأفول “المرحلة الأوروبية” في النظام العالمي، وانتقال النظام إلى مرحلة الثنائية القطبية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. من ذلك أيضاً أزمة الغزو العراقي للكويت وما تبعها من نجاح الولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي لتحرير الكويت عسكرياً، والتي أكدت الانتقال من نظام عالمي ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة. الأمر نفسه يمكن استنتاجه في المرحلة الراهنة في تطور النظام العالمي، بدءاً من الأزمة الأكرانية في عام 2014 وما تبعها من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ثم الأزمة السورية وما تبعها من تدخل وحضور عسكري روسي بدءاً من عام 2015. وأخيراً، وليس آخراً، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بنهاية أغسطس 2021، وما تبعه من انكشاف حدود القوة الأمريكية في بناء أنظمة أو دول حليفة…إلخ.
خلاصة القول هنا، إن الأزمة الروسية- الأوكرانية الراهنة هي حلقة جديدة في تكريس وتسريع عملية التحول في موازين القوى الدولية، وهي، من ناحية أخرى، أزمة كاشفة عن عمق هذا التحول.
2- عودة سياسة الأحلاف الدولية، حيث اتسمت فترة الحرب الباردة بانتشار ظاهرة التحالفات العسكرية والأمنية، خاصة حلف “الناتو” (تأسس سنة 1949) وحلف “وارسو” (تأسس سنة 1955)، كحلفين عسكريين رئيسيين في قلب النظام العالمي آنذاك، وفي قلب المسرح الأهم للحرب الباردة، بالإضافة إلى بعض الأحلاف ذات الطابع الإقليمي؛ مثل حلف “جنوب شرق آسيا” Southeast Asia Treaty Organization المعروف أيضاً باسم حلف “مانيلا” (تأسس سنة 1954بهدف الوقوف ضد المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا)، وحلف “المعاهدة المركزية” (حلف بغداد، تأسس سنة 1955 بهدف محاصرة المد الشيوعي في الشرق الأوسط). لكن سياسة الأحلاف فقدت الكثير من أهميتها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، ما أدى إلى تفككها باستثناء حلف “الناتو”، الذي اضطر هو الآخر تحت تأثير هذه التحولات إلى إعادة تعريف دوره ومجاله الحيوي.
لكن السنوات الخمس الأخيرة، شهدت عودة سياسة الأحلاف مرة أخرى. كان أهم مؤشرات هذه العودة إحياء “الحوار الأمني الرباعي”The Quadrilateral Security Dialogue (QUAD) في عام 2017 بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، والذي شهد تطورات مهمة خلال العام الماضي (2021) مع تحوله إلى الانعقاد على مستوى القمة. ورغم أنه لم يتحول بعد إلى حلف عسكري بالمعنى الدقيق، لكنه يصنف باعتباره “إطاراً استراتيجياً” لتنسيق السياسات والاستراتيجيات بين الدول الأربع داخل منطقة الإندوباسيفيك. وتأكدت عودة سياسة الأحلاف مع تأسيس تحالف “أوكوس” AUKUS في سبتمبر 2021 بين كل من الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة. كما كشفت موجة الاضطرابات الداخلية التي شهدتها كازخستان خلال شهر يناير 2022 عن الدور المهم لمنظمة “معاهدة الأمن الجماعي” التي يعود تأسيسها إلى بداية تسعينات القرن العشرين، لكن الدور المهم الذي لعبته في سرعة القضاء على هذه الإضرابات فتح المجال أمام “المعاهدة” كتحالف أمني جماعي في منطقة وسط آسيا، بقيادة روسية.
في هذا السياق، فإن الأزمة الروسية-الأوكرانية، هي جزء من سلسلة من الأزمات المتراكمة في سياق عملية التحول الجارية في النظام العالمي. وكلما اقترب اكتمال عملية الانتقال والتحول كلما كان تأثير مثل هذه الأزمات أكثر وضوحاً، وهو ما قد ينطبق على حالة الأزمة الروسية- الأكرانية الراهنة، التي ستفتح أسئلة كبيرة بعد انتهائها. من بين هذه الأسئلة، على سبيل المثال، ما هو مستقبل حلف “الناتو”؟ ومدى فعالية الحلف والشراكة الأوروبية- الأمريكية في حماية الأمن الأوروبي، وماهية العلاقة الأوروبية الأمثل (في غرب وشرق أوروبا) مع روسيا.
المصالح الصينية في الأزمة
يمكن تصور مجموعة من المصالح الصينية المهمة، التي مثّلت بدورها محددات رئيسة في الحسابات الصينية في الأزمة الروسية- الأوكرانية الراهنة.
المصلحة الأولى، تتعلق بالعمل على تعزيز دور الأزمة في تسريع عملية الانتقال داخل النظام العالمي وفي اتجاه بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو هدف صيني- روسي مشترك تم التعبير عنه في مناسبات مختلفة، كان آخرها وأهمها البيان الصادر عن قمة “بوتين- شي جينبينج” في 4 فبراير الجاري على هامش دورة الألعاب الشتوية الأوليمبية في بكين (4-20 فبراير الحالي). فقد وجه البيان انتقادات شديدة للولايات المتحدة، وحملها مسئوليات تدهور الأمن العالمي في أوروبا وفي آسيا- المحيط الهادي. كما تحدث البيان عن شراكة استراتيجية “بلا حدود” بين البلدين، اللذين عارضا فيه بشكل صريح توسع “الناتو” شرقاً واعتبروه جزءاً من نهج “حقبة الحرب الباردة”.
لقد جاءت الأزمة الروسية- الأوكرانية الراهنة لتؤكد هذا التوافق الروسي- الصيني، وفرصة للعمل على تعزيز النتائج والتداعيات الاستراتيجية للأزمة على المديين القريب والمتوسط. في هذا السياق أيضاً، جاء الموقف الصيني عقب بدء العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا ليعبر عن “تفهم” الصين للمخاوف الأمنية الروسية على حدودها الغربية، وهو ما دفع الصين إلى رفض تكييف العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا على أنها “غزو”، أو “اعتداء” على السيادة الأوكرانية، على نحو ما ذهبت إليه المواقف الأمريكية والأوروبية.
الصين هنا لديها مصلحة واضحة في تأكيد انكشاف الأمن الأوروبي، وانكشاف فعالية العلاقات الأمنية والدفاعية الأمريكية- الأوروبية، ليس فقط أمام دول أوروبا الشرقية ولكن أمام حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الغربية، وانكشاف فعالية حلف “الناتو” كإطار للأمن الجماعي الأوروبي. صحيح أن أوكرانيا ليست عضواً في “الناتو”، ومن ثم فإن العمليات العسكرية الروسية لا تؤسس لتفعيل نظام الأمن الجماعي وفقاً لنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف، لكن الأزمة كشفت سريعاً للنخبة الحاكمة في أوكرانيا وقت التدخل العسكري الروسي عدم فعالية ارتباطاتها الخارجية أو مراهناتها على الارتباط بمنظومة الأمن الأوروبي. وقد عكست تصريحات الرئيس الأوكراني نفسه سرعة الوصول إلى هذه الاستنتاجات على مستوى أوكرانيا. هذا الانكشاف ليس وليد الأزمة الروسية- الأكرانية الراهنة، فقد سبق الأزمة مناسبات أكدت هذا الانكشاف، كان أهمها خبرة الولايات المتحدة و”الناتو” في أفغانستان.
المصلحة الصينية الثانية، تتمثل في استغلال الأزمة لتوصيل رسائل واضحة للولايات المتحدة، وحلفائها وللنخبة الحاكمة في تايوان، بأنه عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن القومي فإن حسابات الدول لا تتسم بالمرونة، ولا تخضع للمقايضات أو المساومات. ومن ثم، فإن ما يصدق على الحسابات الروسية في قضية توسع “الناتو” في اتجاه الحدود الروسية، والحسابات غير الدقيقة للنخبة الحاكمة في أوكرانيا، يصدق أيضاً على قضية تايوان باعتبارها قضية أمن قومي بالنسبة للصين، وأن الحسابات الصينية في هذه القضية لا يمكن أن تخضع هي الأخرى لأية مساومات أو مقايضات. ومن ثم، لا يمكن استبعاد استخدام الصين القوة العسكرية في حالة إقدام النخبة الحاكمة في تايوان على إعلان الاستقلال من جانب واحد أو بدعم من الولايات المتحدة. وإذا كان بمقدور الاقتصاد الروسي -الأقل بكثير من حجم الاقتصاد الصيني- تحمل التكاليف الاقتصادية المتوقعة لقرار استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا، فإن الصين بإمكانها أيضاً تحمل مثل هذه التكاليف، في حالة اضطرارها إلى استخدام القوة العسكرية ضد تايوان لإجبارها على الالتزام بالسيادة الصينية والأمن القومي الصيني.
المصلحة الثالثة، تنصرف إلى كشف خطورة التحالفات الأمنية في المرحلة الراهنة في النظام العالمي، وخطورة التفكير بعقلية الحرب الباردة، خاصة على خلفية اتجاه الولايات المتحدة إلى إحياء “كواد”، ثم تأسيس تحالف “أوكوس”. إن انكشاف حدود فعالية حلف “الناتو” في تحقيق الأمن الأوروبي، بل كيف تحول مشروع توسيع الحلف إلى مصدر لعدم الاستقرار الإقليمي والعالمي، يمكن سحبه -وفقاً للرؤية الصينية- على شبكة التحالفات الأمريكية في الإندوباسيفيك والتي تستهدف بالأساس احتواء الصين وإجهاض مشروع الصعود الصيني. وقد عبرت الصين عن هذه الفرضية أكثر من مرة، خاصة عندما حاولت الولايات المتحدة تحويل “كواد” إلى “ناتو آسيوي”.
وحتى فيما يتعلق بالعلاقة الصينية المباشرة مع حلف “الناتو”، فإن هذه العلاقة لا تخلو من مشكلات، خاصة بعد أن اتجه الأخير لأول مرة إلى وصف الصين (أثناء اجتماع الحلف في 14 يونيو 2021) بأنها “تحدي خطير” “Serious Challenges”، وهو ما أكده البيان الختامي الصادر عن الاجتماع، والذي أشار إلى الصين بشكل سلبي أكثر من مرة. من ذلك إشارة البيان إلى أنه “يمكن لنفوذ الصين المتزايد وسياساتها الدولية أن تطرح تحديات نحتاج إلى معالجتها معاً كحلف. سوف نتواصل مع الصين بهدف الدفاع عن المصالح الأمنية للحلف”. وفي موضع آخر يقول البيان: “تطرح طموحات الصين المعلنة وسلوكها الحازم تحديات منهجية للنظام الدولي القائم على القواعد وللمجالات ذات الصلة بأمن الحلف. نحن قلقون من تلك السياسات القسرية التي تتعارض مع القيم الأساسية المنصوص عليها في معاهدة واشنطن. تعمل الصين على توسيع ترسانتها النووية بسرعة بمزيد من الرؤوس الحربية وعدد أكبر من أنظمة الإطلاق المتطورة. كما تتعاون عسكرياً مع روسيا، بما في ذلك من خلال المشاركة في التدريبات الروسية في المنطقة الأوروبية الأطلسية. ما زلنا نشعر بالقلق إزاء افتقار الصين للشفافية”.[1]
هذا التطور السلبي من وجهة نظر الصين، دفع بالأخيرة، من خلال بعثة الصين لدى الاتحاد الأوروبي، إلى إصدار بيان في 15 يونيو 2021، حذر “الناتو” من أن الصين لن تقف “مكتوفة الأيدي” إزاء “أية تحديات تواجهها من جانب الحلف”، مؤكداً أن الصين لا تمثل “تحدياً نظامياً” “systemic challenge” لأي دولة، ولا يجب على “الناتو” المبالغة في القوة العسكرية الصينية، ويجب أن يلعب بدلاً من ذلك دوراً في الاستقرار العالمي والإقليمي.[2]
تكاليف الموقف الصيني
الموقف الصيني من الأزمة الروسية- الأوكرانية بأبعاده السابقة لا يخلو من بعض التكاليف أو المخاطر. أول تلك التكاليف يتعلق بما تنطوي عليه العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، وما سبقها من اعتراف روسي بجمهورتي دونيتسك ولوغانسك، استناداً إلى أغلبية ناطقة باللغة الروسية في الإقليمين، حيث يكرس ذلك لمبدأ حق الأقليات والمجموعات القومية واللغوية في الانفصال وتكوين دولها الخاصة. إقرار هذا المبدأ في النظام العالمي الراهن يمثل خطراً شديداً بالنسبة للصين، وذلك بالنظر إلى حالة التعددية القومية واللغوية الشديدة.
من ناحية ثانية، فإنه في حالة توسع الأهداف الروسية داخل أوكرانيا وامتدادها إلى تغيير النظام القائم وبناء/ أو تنصيب نظام جديد “حليف” أو “صديق” لروسيا، فإن ذلك يفتح المجال أمام إحياء سياسة عارضتها الصين بقوة، وهي تغيير الأنظمة الداخلية بالقوة العسكرية الخارجية، وذلك بالنظر إلى الحساسية الصينية الشديدة لكافة أشكال التدخل الخارجي، خاصة التدخل العسكري.
من ناحية ثالثة، فإن انحياز الصين بجانب روسيا في الأزمة سوف يقوض السرديات الصينية حول ضرورة التمسك بمبدأ السيادة بمعناها التقليدي، واحترام مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية، وحقيقة التزامها بـ”النظام القائم على القواعد” rule-based order. كما سيقوي ذلك من حجج المعسكر الذي يجادل بتحول الصين بالفعل -مع روسيا- إلى قوى “مراجعة” revisionist في النظام العالمي، وأنها تمثل تهديداً حقيقياً للنظام “القائم على القواعد”، خاصة في منطقة الإندوباسيفيك. وسيؤدي وقوقها بجانب روسيا إلى تقوية الاتجاه الدولي المؤيد لفكرة انقسام العالم بين معسكر ديمقراطي، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، ومعسكر سلطوي بقيادة روسيا والصين، وهو توجه تصاعد خلال العامين الأخيرين، عبر عنه عقد الولايات المتحدة “قمة من أجل الديمقراطية” في ديسمبر 2021، وعكسته أيضاً تصريحات الأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرج في 15 فبراير 2022، التي قال فيها: “ما نراه في الأساس هو أن قوتين سلطويتين، روسيا والصين، تعملان معاً”.[3]
[1] “Brussels Summit Communiqué”, issued by the Heads of State and Government participating in the meeting of the North Atlantic Council in Brussels, 14 June 2021.
[2] انظر:
“China Warns NATO It Won’t ‘Sit Back’ If Challenged by the Bloc”, Bloomberg, 14 June 2021.
[3] “We See Two Authoritarians Coming Together’: NATO Chief On Growing Russia-China Ties”, Republic World, 15 Feb. 2022.
د. محمد فايز فرحات – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.