شهد مقر الاستخبارات الأمريكية بأفغانستان، الذي اشتهر بعمليات التعذيب، نشاطاً مختلفاً عما عرفه في السنوات السابقة.
ففي الأسابيع التي سبقت الموعد النهائي الذي حدَّده الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 31 أغسطس/آب، لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، خضع مقر الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان لعمليات تدمير واسعة النطاق لإخفاء الأسرار الأمريكية ومنعها من الوقوع في يد طالبان، وفقاً لتحقيقٍ أجرته صحيفة New York Times الأمريكية.
يقع مقر الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان في مجمَّع سري وآمن للغاية، وأصبح في الأسابيع الأخيرة مركزاً لعمليات الإجلاء السرية قبل تدمير أجزاء منه عمداً.
حفرة الملح التي كانت تتم فيها عمليات التعذيب
استخدمت وكالة الاستخبارات المركزية جزءاً من المجمَّع يسمَّى قاعدة النسر لتدريب وحدات مكافحة الإرهاب الأفغانية. وكان قسمٌ آخر -أول مركز احتجاز تابع للوكالة في أفغانستان ويُعرَف باسم حفرة الملح- هو المكان الذي وَجَدَ فيه تقرير حكومي أمريكي أن الوكالة مارست التعذيب فيه على المعتقلين. وهُدِمَت الهياكل في كلٍّ من قاعدة النسر وحفرة الملح لمنع طالبان من الاستيلاء على المواد الحسَّاسة في المجمَّع.
وحتى مع حدوث العديد من هذه التفجيرات المُخطَّط لها، ظل مهبط الطائرات في المجمَّع يُستخدَم لإجراء عمليات إجلاء سرية، وفقاً لعميلٍ سابق لدى الوكالة.
حلَّلَت الصحيفة الأمريكية صور الأقمار الصناعية وسجلات الشركات والبيانات ومسارات الطيران لتقييم كيفية تنفيذ عمليات الإجلاء والهدم المُخطَّط، وأيضاً كيف تمكَّنَت طالبان من الوصول بسهولةٍ إلى المجمَّع.
الكونغرس يفضح الحفرة المخفية في مقر الاستخبارات الأمريكية بأفغانستان
يقع المجمَّع بين الضواحي الصناعية لكابول وسلسلة جبال، ويبعد أقل من ثلاثة أميال عن مطار حامد كرزاي الدولي. يمتد المجمَّع على حوالي ميلين مربعين، ويمكن رؤيته في صور الأقمار الصناعية، ولكن لا توجد صورٌ له على الأرض تقريباً.
على ما يبدو، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية في تدمير المباني في حفرة الملح طوال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، بعد إعلان بايدن أن القوات الأمريكية ستغادر البلاد بحلول سبتمبر/أيلول، حسب تقرير الصحيفة الأمريكية.
بدأ بناء هذه المباني بين عامي 2002 و2004، وهي السنوات التي قال المشرِّعون الأمريكيون عنها إن وكالة الاستخبارات المركزية بدأت فيها استخدام “تقنيات الاستجواب المُعزَّزة” في الموقع.
ويبدو أن المزيد من الدمار قد حدث في 27 أغسطس/آب، وهو اليوم الذي قالت فيه وزارة الدفاع الأمريكية إن القوات الأمريكية نفَّذَت فيه عمليات تدمير مُخطَّطة لمعدَّاتها الخاصة. وتُظهِر البيانات المتاحة للجمهور من أجهزة الاستشعار التابعة لوكالة ناسا بصماتٍ حرارية في الموقع ربما تكون ناجمةً عن حرائق وانفجاراتٍ نشطة. وتُظهِر صور الأقمار الصناعية التي التُقِطَت في اليوم التالي أيضاً مستودعين بهما أضرار نيران واضحة.
أسرار حساسة في القاعدة التي كان يتم فيها تدريب الاستخبارات الأفغانية
هي القاعدة التي درَّبَت فيها وكالة الاستخبارات المركزية القوات الأفغانية، وأُنشِئت بالأساس في موقع مصنعٍ سابق للطوب. وقال مسؤولون أمريكيون سابقون وحاليون لصحيفة New York Times إن القاعدة جرى توسيعها لاحقاً لتصبح مجمَّعاً أكبر يتألَّف من المباني المُشيَّدة حديثاً.
وقد دُمِّرَت هذه الهياكل الجديدة، التي يقول محلِّلٌ استخباراتي حكومي سابق إنها تشمل على ما يبدو مستودعاً للذخيرة وموقعاً للتدريب المتطوِّر، إلى حدٍّ كبيرٍ في 27 أغسطس/آب.
ومن المُحتَمَل للغاية أن تكون هذه المباني قد احتوت على وثائق وأقراص صلبة ومعلوماتٍ حسَّاسة أخرى، وفقاً لعميلٍ سابق للوكالة. وأكَّد المسؤولون تدمير قاعدة النسر.
لماذا استخدمت مروحيات روسية في عملية الإجلاء؟
على مدار عدة أسابيع في أغسطس/آب، بينما كانت الولايات المتحدة تسرع في إغلاق بعثاتها الدبلوماسية في أفغانستان، أُجلِيَ المواطنون الأمريكيون والأفغان الذين كانوا من المُحتَمَل أن تستهدفهم طالبان من المجمَّع.
وتُظهِر صورةٌ بالقمر الصناعي التقطتها شركة بلانيت لابز لصحيفة New York Times في 24 أغسطس/آب، عشرات المركبات مصطفَّةً داخل المجمَّع -وهو عددٌ يتجاوز كثيراً العدد الذي يُرى عادةً في الموقع. ويبدو أن العديد من المركبات قد أُضرِمَت فيها النيران عن عمد.
نُقِلَ من تم إجلاؤهم بطائرةٍ مروحية إلى مطار حامد كرزاي الدولي لتجنُّب نقاط تفتيش طالبان. وتكشف بيانات الرحلة أن ثلاث طائرات مروحية من طراز Mi-17 قامت بما لا يقل عن 35 رحلة جوية من وإلى المجمَّع منذ سيطرة طالبان على كابول في 15 أغسطس/آب. أُجلِيَ المئات من الموقع منذ ذلك اليوم، وفقاً لأشخاصٍ مُطَّلِعين على العمليات.
وتوفِّر أنواع الطائرات المستخدمة أدلةً على أن هذه الرحلات كانت مُصمَّمةً على الأرجح لتكون سريةً وتشارك في مهماتٍ حسَّاسة. وهذه الطائرات المروحية روسية الصنع، وعادةً ما يستخدمها الجيش الأفغاني، ولا تجذب الانتباه غير المُحبَّذ في سماء كابول.
ووجدت الصحيفة الأمريكية أن إحدى الرحلات التُقِطَت عن غير قصد في بثٍّ مباشر بواسطة محطة MarcaTV الإسبانية، أثناء توجُّهها نحو المجمَّع في 20 أغسطس/آب.
وأقرَّت وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً أنها أطلقت طائرات Mi-17، واستخدمت واحدةً لدخول أفغانستان في سبتمبر/أيلول 2001 لبدء الحرب.
ووفقاً لبيانات تتبُّع الرحلات، تعمل المروحيات في الغالب من جزءٍ منعزلٍ من مطار كابول. وتشمل الطائرات الأخرى الموجودة في المكان نفسه تلك المرتبطة بشركة Tepper Aviation، ذات الصلة سابقاً بوكالة الاستخبارات المركزية.
ماذا فعل مقاتلو طالبان عندما وصلوا لهذا المكان المرعب؟
بدا أن عمليات الإجلاء وهدم مجمَّع وكالة الاستخبارات المركزية قد اكتملت بحلول 28 أغسطس/آب. وأظهرت مقاطع الفيديو التي شورِكَت عبر الإنترنت في 30 أغسطس/آب أن مقاتلي طالبان قد شقوا طريقهم بالفعل إلى الموقع.
وحتى مع تدمير أجزاء من المجمَّع، بدا واضحاً أن المقاتلين كانوا يعرفون ما عثروا عليه. وقال أحد أعضاء طالبان، بينما كانت كاميرته تتنقَّل عبر الحطام: “كان هذا مكاناً مهماً للغاية”.
عربي بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.