مواقف نتنياهو لم تأتِ نِتاج خشية استخدام طهران سلاحها النووي تجاه “إسرائيل” فقط، بل لأن حصول إيران على سلاح نووي، قد يوفر لحلفائها في المنطقة مظلّة دفاعية، تحد من قدرة “إسرائيل” على مهاجمتهم واستهدافهم بشكل واسع ومؤثر.
مقدمة
في 27 أيلول/سبتمبر 2012، ألقى بنيامين نتنياهو -رئيس الوزراء الإسرائيلي- خطابه الشهير، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أطلق عليه البعض “خطاب القنبلة”، إذ رفع فيه رسماً كرتونياً يحوي “قنبلة وفتيلاً”، في إشارة إلى جهود إيران الساعية لإنتاج قنبلة نووية، على حد زعمه، قائلاً: “هذه قنبلة، وهذا فتيل!”، وأضاف: “القنبلة نفسها انقسمت إلى 3 مراحل من التجهيز، ويتوجّب رسم خط أحمر؛ من أجل وقف تقدم إيران المباشر إلى المرحلة الثالثة، ويجب منعها من الوصول إلى المرحلة الثانية كذلك، والتي تتمكّن فيها من تخصيب اليورانيوم اللازم لصنع القنبلة”.
بعد “خطاب القنبلة” بـ 6 أعوام تقريباً، عاد نتنياهو من جديد، وأمام المنبر الأممي ذاته، ليدّعي اكتشاف “إسرائيل” منشأة نووية سرية في العاصمة الإيرانية طهران، وأن تلك المنشأة تحتوي على ما يقارب الـ 15 كلغ من المواد الإشعاعية، داعياً الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تفتيش المستودع الإيراني السري المزعوم على الفور.
آخر مواقف نتنياهو المحرّضة تجاه البرنامج النووي الإيراني جاءت خلال الكلمة التي ألقاها، عشية أداء أعضاء حكومته اليمينية المتطرفة اليمين القانونية، أمام الكنيست قبل أسابيع، حيث قال: “إن التصدي لبرنامج إيران النووي، وضمان حرمانها من تطوير سلاح ذري، سيكون على رأس أولويات ائتلافه الحاكم”.
لماذا نتنياهو تحديداً؟
ورغم أن الحكومات الصهيونية المتعاقبة في “إسرائيل”، كانت تنظر إلى الملف النووي الإيراني، ومجمل الوجود الإيراني في المنطقة بعين الريبة والشك والتخوّف، وحرصت على توجيه الأنظار إليه، عبر مختلف المؤسسات الدولية والأممية، ومارست كل أشكال التحريض ضده، ودعت إلى إيقافه ولو بالقوة، لكن أكثرهم وضوحاً، وأطولهم استمرارية في هذا الطرح، كان “بنيامين نتنياهو”، الذي حرص دوماً على شيطنة الدور الإيراني في المنطقة، ووضعه في خانة الخطر الشديد، الذي يهدد الجميع من دون استثناء.
وهذا الأمر يرجع -حسب البعض- إلى عدة عوامل، بعضها يتعلق بحماية “الدولة”، من مخاطر ذلك المشروع، حسب وجهة النظر الإسرائيلية، وأخرى تتعلق بأهداف شخصية لنتنياهو بصفة خاصة، ويرى بعض الخبراء والمختصين الإسرائيليين، أن مواقف نتنياهو وبعض الساسة والجنرالات الصهاينة الآخرين، لم تأتِ نِتاج خشية استخدام طهران سلاحها النووي تجاه “إسرائيل” فقط، بل لأن حصول إيران على سلاح نووي، قد يوفر لحلفائها في المنطقة مظلّة دفاعية، تحد من قدرة “إسرائيل” على مهاجمتهم واستهدافهم بشكل واسع ومؤثر.
من جانب آخر، يرى نتنياهو وحلفاؤه، أن تمكّن إيران من تطوير سلاح نووي سيفتح المجال أمام سباق نووي في كل الإقليم، وسيدفع دولاً أخرى في المنطقة إلى القيام بخطوات مماثلة، ما قد يساهم في فقدان الكيان الصهيوني لواحدة من أهم ركائز تفوّقه النوعي والاستراتيجي.
إضافة إلى ذلك، فإن نتنياهو يحاول الظهور أمام “المجتمع” الإسرائيلي بأنه القائد المخلّص، وأنه سيقوم بكل ما في وسعه لتجنيب “الشعب اليهودي” خطر المشروع النووي الإيراني، محاولاً استلهام تجربة رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، الذي جنّب أوروبا خطر “النازية” كما يقول أنصاره.
كذلك، يحرص نتنياهو خلال الفترة الحالية من حكمه، على توجيه الرأي العام في “إسرائيل” بعيداً من قضايا الفساد المتهم بها، والتي ما زالت منظورة أمام المحاكم الصهيونية حتى الآن، ويُتوقع في حال إدانته فيها، أو في بعضٍ منها، أن يودّع السجن لفترات طويلة، وهو ما سيترك من دون شك تبعات كارثية على حياته السياسية.
إيران في العقل الإسرائيلي
وتُعدّ إيران من وجهة نظر إسرائيلية الخطر الخارجي الأبرز على مستقبل الكيان الصهيوني، ويتم تصنيفها على الدوام بأنها تمثل تهديداً وجودياً لـ”الدولة اليهودية”، لا سيما في حال حصولها على “القنبلة النووية”، ويمكن لنا أن نلحظ الاهتمام الإسرائيلي بالملف الإيراني، من خلال التقديرات الاستراتيجية، التي تُعدها مراكز الدراسات والبحوث المتخصصة في “إسرائيل”، والتي يعتمد عليها الساسة والجنرالات الصهاينة في وضع خططهم المستقبلية، ولتحديد الأخطار التي يجب عليهم التعامل معها، سواء محلياً أو إقليمياً.
ولو استعرضنا النسخ الـ 10 الأخيرة من التقدير الاستراتيجي الذي يصدره “مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” في جامعة “تل أبيب”، لوجدنا أن ما يُوصف بالتهديد الإيراني، يأتي في مقدّمة التهديدات والمخاطر التي تواجه “إسرائيل”، والتي ترتقي في بعض الأحيان إلى تهديدات تمس باستقرار “الدولة”، ووجودها، وأمنها، وحياة المستوطنين فيها.
ففي العام 2012 على سبيل المثال، دعا واضعو التقدير السنوي إلى تعزيز الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وتعميقه، بهدف التوصّل إلى تفاهم واضح بين الدولتين في ما يتعلق بالتحدّي الإيراني، وإلى تقديم إجابات مشتركة من الجانبين على سؤال محوري يقول: “متى يتم استنفاد الخيارات “غير العسكرية” في مواجهة إيران؟ ومتى يقتضي منع إيران من التحوّل إلى دولة نووية من خلال عمل عسكري؟
وفي العام 2020، الذي تلا انسحاب الولايات المتحدة وبتحريض إسرائيلي مكشوف، من الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، دعا التقدير الاستراتيجي إلى التوصل لما سمّاه “اتفاق مواز”، حول سياسة عالمية مشتركة ضد ما سمّاه “الزحف الإيراني”، نحو الحصول على سلاح نووي، في ظل تضاؤل الآمال في ذلك الوقت بالعودة من جديد إلى اتفاق 2015، لا سيما بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني، وحذّر التقدير من بقاء “إسرائيل” وحدها في مواجهة إيران، لأنها ستتحمل كلفة عالية جداً في حال اشتعال مواجهة بين الطرفين.
في العام 2022، وضع تقدير الموقف الاستراتيجي 4 سيناريوهات محتملة، لتطور المشروع النووي الإيراني في ضوء المفاوضات التي وصلت، حسب مصادر غربية وأميركية، إلى طريق مسدود، عادّاً جميع السيناريوهات أنها لا تناسب المصلحة الإسرائيلية ولكن، وحسب التقدير الإسرائيلي، فإن أخطرها هو عدم التوصل إلى اتفاق جديد، أو العودة إلى الاتفاق القديم، وهذا ما سيدفع إيران إلى مواصلة التقدم في برنامجها النووي، في ظل انخفاض تأثير العقوبات الأميركية عليها. وبناءً عليه، فإن أفضل خيار متاح لـ”إسرائيل”، هو العودة مجدداً إلى الاتفاق النووي، بشرط أن يسحب من إيران كل الإنجازات التكنولوجية، التي حققتها منذ الانسحاب الأميركي منه.
تقدير الموقف الأخير للعام 2023، لم يتغير كثيراً عن سابقه في العام المنصرم، إذ وضع من جديد المشروع النووي الإيراني على رأس قائمة التهديدات الخارجية “للدولة العبرية “، ووصف إيران بأنها على عتبة الوصول لتصبح دولة نووية، وأنها ستتمكن خلال عامين من الحصول على رأس حربي نووي، داعياً إلى الحفاظ على التعاون والتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة في هذا الشأن، والعمل على توسيع العقوبات الاقتصادية على إيران، طالما لم يتم الوصول إلى اتفاق يسمح بالعودة إلى خطة العمل المشتركة من جديد.
ولكن، رغم تلك الدعوات والاستراتيجيات التي يتم تحديثها كل عام، فإن خيار الضربات المحدودة والسرية، لم يتوقف خلال السنوات الـ 12 الماضية، واعتمد بشكل أساسي على الهجمات السيبرانية، والإلكترونية، وهجمات الطائرات المسيّرة الانتحارية، إضافة إلى عمليات الاغتيال التي تستهدف العلماء النوويين الإيرانيين بشكل خاص.
نجاحات تكتيكية وإخفاقات استراتيجية
في ضوء النظرة الإسرائيلية العدوانية، تجاه أي شكل من أشكال التقدم الإيراني النوعي، والذي شمل الكثير من المجالات، سواء على المستوى العلمي، أو البحثي، أو العسكري والذي، رغم سنوات طويلة من الحصار والتضييق، تمكن من إحداث قفزات هائلة في مختلف المجالات، ما وضع إيران في مرتبة متقدّمة عالمياً، متفوقة في ذلك على عدد من الدول القريبة والبعيدة.
لجأت “إسرائيل” على تنفيذ الكثير من العمليات التخريبية، التي استهدفت منشآت علمية وبحثية وعسكرية إيرانية، واغتالت أيضاً عدداً من العلماء الإيرانيين، لا سيما العاملين في المجال النووي، ويمكن لنا أن نلحظ تحقيق الكيان الصهيوني عدداً من النجاحات في هذا المجال، بما يمكن أن نطلق عليه “نجاحات تكتيكية “، وموضعية، ففي أيلول/سبتمبر 2010، نفذت “إسرائيل” هجوماً إلكترونياً بفيروس يدعى “ستاكسنت”، أصاب آلاف الحواسيب في منشآت ومصانع نووية إيرانية، من بينها مفاعل بوشهر ومنشأة نطنز.
بعد ذلك الهجوم بعامين، تعرض البرنامج النووي الإيراني لهجوم آخر بواسطة فيروس يسمى “فلايم”، تسبب في تعطيل الكثير من المنظومات المتحكمة في عدد من المنشآت النووية، وفي نيسان/أبريل 2021 كانت منشأة نطنز النووية هدفاً من جديد للهجمات الإلكترونية، حيث تعرضت لحريق كبير، خلّف أضراراً جسيمة، حسب بعض التقارير الاستخبارية الأميركية. إضافة إلى هذه العمليات التخريبية، قامت أجهزة الاستخبارات الصهيونية، بمساعدة من عملائها وجواسيسها بتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال، التي استهدفت علماء إيرانيين، إذ اغتيل مسعود علي محمدي أستاذ الفيزياء النووية في جامعة طهران عام 2010، بانفجار دراجة مفخخة وُضعت قرب منزله، وفي العام نفسه، تم اغتيال مجيد شهرياري، العالم في الفيزياء النووية أمام إحدى الجامعات الإيرانية، وفي العام 2012 تم اغتيال مصطفى أحمدي روشان، نائب المدير التجاري في موقع نطنز النووي، بتفجير عبوة لاصقة في سيارته في العاصمة طهران.
ولكن أخطر تلك العمليات وأهمها، تمثّل باغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده، في كانون الأول/ديسمبر من العام 2020، وهو الذي كان يُتهم من قبل أميركا و”إسرائيل”، بأنه العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني.
ولكن، بالرغم من كل تلك العمليات، لم تستطع “إسرائيل”، ومن خلفها الحليف الأميركي، إيقاف المشروع النووي الإيراني أو تدميره، ولم تستطع كذلك القضاء على العقول الإيرانية، التي تقف خلف النهضة الإيرانية الملحوظة في العديد من المجالات، وهذا الأمر أكدته تقارير استخبارية أميركية، أشارت في أكثر من مناسبة إلى أن نتائج العمليات الإسرائيلية محدودة ومتواضعة، وأنها جاءت في كثير من الأحيان برد فعل عكسي، وأن إيران تمكنت وبسرعة قياسية من تجاوز آثارها، والحد من تداعياتها، وهذا التقييم من الجانب الأميركي، أدى في بعض الأحيان إلى تباين واضح في الموقف مع حليفة الإسرائيلي، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى توجيه انتقادات علنية للتصرفات الإسرائيلية، التي وُصفت في بعض الأحيان بأنها متهورة، وأنها يمكن أن تعرّض استمرار المفاوضات التي استؤنفت في العامين الأخيرين، بين إيران ومجموع 5+1 للخطر.
موقف أميركي “مرتبك”
بالرغم من العداء التاريخي بين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، والذي تصاعد بشكل كبير، بعد أحداث الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني في العام 1979، وما رافق ذلك من احتلال المتظاهرين الإيرانيين للسفارة الأميركية في طهران، فإن الموقف الأميركي الرسمي، ظل متحفّظاً تجاه القيام بعمل عسكري واسع، وعلني، ضد المنشآت النووية الإيرانية، أو مراكز الحكم ومؤسسات الدولة في طهران، ورغم أن التوتّرات بين الجانبين بلغت ذروتها، بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في صباح 3 كانون الثاني/يناير 2020، بالقرب من مطار بغداد الدولي، وما تبع ذلك من رد صاروخي إيراني، استهدف قاعدة “عين الأسد” في محافظة الأنبار العراقية، فإنه لم يتم تجاوز الخطوط الحمر المعمول بها بين الجانبين منذ أكثر من 43 عاماً من عمر الثورة الإسلامية، والتي اعتمدت في الأساس على فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران.
فبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 أيار/مايو 2018، أعيد فرض جميع العقوبات الأميركية، التي رُفعت بموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة”، التي تم التوصل إليها في العام 2015، تبع ذلك تشديد تلك العقوبات تدريجياً، في إطار استراتيجية “الضغوط القصوى” التي اعتمدها ترامب. في مقابل ذلك، ورداً على الموقف الأميركي، اتخذت إيران “تدابير نووية”، تجاوزت من خلالها “التزاماتها النووية” المنصوص عليها في الاتفاق النووي، إذ أدّت هذه التدابير إلى تقويض مزايا هذا الاتفاق، في ما يخص عدم الانتشار النووي، كما قلّصت على نحو واضح إمكانية معاينة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآتها النووية، إضافة إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60%.
ولكن، بعد وصول إدارة أميركية جديدة إلى سدّة الحكم في كانون الثاني/يناير2021، حاولت أميركا من جديد إعادة الحياة للاتفاق النووي، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الأميركي جو بايدن، مشترطاً التزام طهران أولاً بتنفيذ التزاماتها النووية، بموجب اتفاق 2015 على نحو تام وكامل، وهو الأمر الذي ردت عليه إيران بمطالبة الولايات المتحدة بالعودة إلى الاتفاق، ورفع العقوبات، لأنها هي التي انسحبت منه أولاً وليس إيران.
ومنذ 2 نيسان/أبريل 2021، عادت عجلة المفاوضات لتدور من جديد، وانتقلت من دولة إلى أخرى على أمل فكفكة بعض المعيقات التي حالت دون العودة إلى الاتفاق الأصلي لكنها، حتى هذه اللحظة، لم تصل إلى النتائج المرجوّة، وهذا ما أرجعه البعض إلى الضغوطات الإسرائيلية، وبعض المواقف الخليجية لا سيما السعودية، التي عطّلت أكثر من مرة وما زالت توقيع الاتفاق النهائي، وهذا ما يجعل الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، والتي من ضمنها توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية، أو إسرائيلية-أميركية مشتركة للمنشآت النووية الإيرانية.
أين تتجه الأمور في الوقت الحالي؟
في ظل تعثّر المفاوضات النووية خلال الأشهر الأخيرة، وفشلها في الوصول إلى اتفاق جديد، وبعد تصريح الرئيس الأميركي بايدن في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي بأن المفاوضات قد ماتت، بدأت الأمور تأخذ منحى تصاعدياً أكثر من ذي قبل، وعادت فرضية العمل العسكري ضد المشروع النووي الإيراني إلى الواجهة من جديد. وما زاد من إمكانية حدوث هذا الأمر، تكثيف “إسرائيل” في الأشهر الأخيرة مناوراتها العسكرية البحرية مع حلفائها الإقليميين، الذين كان ضمنهم دول عربية وإسلامية، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، آخر هذه المناورات كانت مشتركة مع الأسطول الأميركي الخامس في شهر آب/أغسطس من العام الماضي.
صحيح أن البعض يعتقد أن الهدف من وراء هذه المناورات هو الضغط على إيران لتقديم تنازلات، وأنها لا ترتقِي إلى مستوى التجهيز لهجوم عسكري واسع ومؤثر، يرى البعض الآخر عكس ذلك، وأن الأحلاف “الاستراتيجية” التي نشأت بين “إسرائيل” ودول إقليمية عديدة، قد تساهم، بطريقة أو بأخرى، في تسهيل الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران.
ولدى “إسرائيل” تجربة كبيرة في هذا المجال، إذ إنها اتخذت في وقت سابق قرارين لتدمير مفاعلات نووية لأعدائها، أولهما في العراق عام 1981، والثاني في سوريا عام 2007، لكن العديد من الخبراء يتساءلون، عما إذا كانت “إسرائيل” قادرة على تكرار الأمر نفسه مع إيران، التي تتميز مواقعها النووية بحماية متعددة المستويات، وتملك منظومات دفاع جوي حديثة ومتطورة وفعالة، ولديها حلفاء كُثر في المنطقة، لن يكونوا بعيدين من مجريات الأحداث، في حال نفذت “إسرائيل” تهديدها.
الخاتمة
ربما يشير الهجوم الأخير على المنشأة العسكرية الإيرانية في أصفهان، والذي استخدمت فيه ثلاث “مسيّرات انتحارية”، إلى عودة “إسرائيل” لتنفيذ هجمات محدودة كالتي أشرنا إلى بعضها آنفاً، لا سيما أنه الهجوم الأول في عهد حكومة نتنياهو الجديدة، وربما تشير الهجمات الجوية التي استهدفت قافلة الشاحنات الإيرانية، على الحدود العراقية- السورية، إلى رغبة إسرائيلية في توتير الأجواء في الإقليم من جديد، خصوصاً أن كل ذلك جاء في ظل زيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة، التي سبقه إليها مدير CIA وليام بيرنز، لكن رغم ذلك، لا يستطيع أحد التنبؤ بما هو قادم من تطورات خلال الفترة القادمة، فالأمور معقّدة إلى درجة كبيرة، ولن يكون بمقدور الكيان الصهيوني، وحلفائه في المنطقة وخارجها، السيطرة على الأمور في حال اشتعلت شرارة الحرب، التي لن تنحصر تداعياتها في جغرافيا معينة، بل ستشمل كل المنطقة، ويمكن أن ينطبق عليها وصف “أم المعارك “، وستكون مرشحة بقوة لتصبح حرباً “متعددة الجبهات”، تواجه فيها “الدولة العبرية” محوراً قوياً ومتماسكاً، لم تجرّب مثله من قبل، محوراً يملك من الإمكانيات العسكرية والبشرية، والعقيدة القتالية، ما يستطيع من خلاله تحويل المدن الصهيونية إلى مدن أشباح.
أحمد عبد الرحمن – حضارات
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.