لم يكن مفاجئًا كلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي والاقتراب أكثر من أي وقت مضى من التطبيع معه، إذ لم يعد “العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين”، وهذا الكلام بحد ذاته تشييع للقضية الفلسطينية وتضييع حقوق شعبها.
وبالرغم من وقاحته، إلا أن ولي العهد السعودي كان صادقًا أكثر من أي وقت مضى، فالتطبيع بين نظام آل سعود والكيان الإسرائيلي ليس جديدًا، وهو قائم منذ عقود، ترعاه المصالح الأميركية وعلاقة واشنطن بالطرفين والدور الوظيفي لكل من السعودية و”إسرائيل” وما تمثلانه من مصالح غربية مشتركة في خانة المعسكر الأميركي.
وكما أن “إسرائيل” هي قاعدة متقدمة لحماية المصالح الغربية في قلب الشرق الأوسط بموقع استراتيجي على البحر المتوسط بين آسيا وأفريقيا مقابل شواطئ أوروبا الغربية، كذلك للسعودية دور منوط بها في قلب الجزيرة العربية حيث ثروات النفط وحقوله في صحراء قبائل وشعوب دعمت أميركا حكمها بنظام لا مثيل له في العالم، ملكي مطلق بلا دستور يرأسه ملك بحاشية وعائلة حاكمة يملك الأرض وما عليها، حتى ما في باطنها، والبحار وما في جوفها. وقد أغدقت عليه أميركا دعمها ليكون ضمانتها ليبقى إحدى دعائم اقتصادها وركائز دولارها بربطه بسعر النفط.
ولم يقف الدعم الأميركي لآل سعود عند حدود اقتصادية أو سياسية منذ تأسيس المملكة حتى يومنا هذا، بل تعداه الى تجيير الدين لخدمة القضايا الأميركية، وفي مقدمها قضية الأفغان العرب وتجنيد المتطرفين الإسلاميين وتدريبهم لمواجهة الاتحاد السوفياتي، وفي حربي الخليج الأولى والثانية، وكذلك في غزو العراق كان الدور السعودي واضحًا لخدمة المصالح الأميركية كما في الحرب الإيرانية العراقية وقبلها العدوان الثلاثي على مصر ومحاربة السعودية للرئيس جمال عبد الناصر.
كل هذا يضاف إلى كثير من الأحداث في بلدان عربية وإسلامية شهدت ويلات بقرارات أميركية نفذتها السعودية لا تنفصل عن مصالح الكيان الإسرائيلي، بل تصب في حماية أمنه وتفوّقه العسكري، وتدخل في إطار دعمه السياسي على حساب دول المنطقة كلها، وتحديدًا العربية التي تلزمها أميركا السير بركب التطبيع والتسليم بالمشروع الأميركي – الشرق الأوسط الجديد – الذي تختار توقيته وفق مصالحها، وحاليًا تستخدم التطبيع داخليًا بتسجيل نقاط على طريق الانتخابات الرئاسية الأميركية وتنافس الأحزاب التي يجمعها دعم “إسرائيل” وضرورة تفوقها واستمرار قوتها في الشرق الأوسط، وهذا قدر الإدارات الأميركية المتعاقبة من جمهوريين وديمقراطيين في انتخابات تعتبر الأصعب بتاريخ الولايات المتحدة منذ تأسيسها، داخليًا وخارجيًا وصولًا إلى الأزمة السياسية التي عصفت بالكيان الإسرائيلي في مرحلة فقد فيها قوة الردع وأصبح عاجزًا عن مواجهة فصيل مقاوم، وقلق من وجود خيمة على الحدود، فكيف إذا كان ميزان القوى العالمي يتبدل في ظل تراجع الدور الأميركي وتقدُّم خصومها على ثلاثة محاور: روسيا عسكريًا، الصين اقتصاديًا، والجمهورية الإسلامية الإيرانية سياسيًا وهي ترسم معالم حدودها من طهران حتى بيروت وصولًا إلى صنعاء وأبعد، ما شكل نقاط ضعف تضاف إلى ضعف البنية الفعلية لكيان العدو بمجتمعه المعلّب لوطن مصطنع غير قابل للاستمرار وفق السياسة القديمة.
يأتي كل ذلك في ظل الواقع العالمي المستجد وتنامي الدور الإيراني وعودة الروسي كقوة عظمى إلى الساحة الدولية، ما فرض على الأميركي إعادة النظر في آلية عمله السياسية لتعود “إسرائيل” قلب الشرق الأوسط وتكون قوته الاقتصادية والسياسية تدور الأنظمة في فلكلها وهي الولاية الواحدة والخمسين الأميركية، وشكلت رافعة لابن سلمان أمام انتقال المُلك عموديًا في الجيل الثالث من العائلة المالكة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.