قطاع التعليم الرسمي بين الانهيار المتسارع والوعود الوهمية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بات من الواضح والمعلوم أن قطاع التعليم الرسمي في لبنان يمر حاليًا بمراحل معقدة للغاية وتحديات كبيرة جدًا، وأن تداعيات هذا الواقع المرير للقطاع خطيرة جدًا على مستوى جودة ومستوى التعليم لطلاب لبنان من جهة، وعلى المستوى الحياتي والمعيشي لأستاذ التعليم الرسمي من جهة أخرى.

هذا العام لم يكن أفضل حالًا عن غيره من الأعوام التالية للأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، لا سيما في ظل وجود فراغ رئاسي وتقاعس حكومي إلى حد كبير، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء على الواقع الفعلي لهذا القطاع مع بداية العام الدراسي وعن كيفية سير الأمور خلال هذا العام.

العام الدراسي الحالي: استياء وضبابية
لم تنجح كل محاولات “الترقيع” والتجميل التي حمّلت للعام الدراسي في التعتيم على الواقع المرير الذي يعيشه هذا القطاع، ولم تفلح وزارة التربية والتعليم العالي عبر وزيرها بإقناع معلمي القطاع الرسمي بسياسة تسديد الحقوق والحوافز “الوهمية” الي ترددت على مسامعهم لسنوات.

بداية هذا العام تقرأ من عناوينها المختلفة، وأبرز أوجهها كان انتظار حوالي 400 أستاذ اليوم الأول من العام الدراسي الذي انطلقت أعماله التحضيرية، إبلاغ إداراتهم وعبرها وزارة التربية، “برغبتهم بالحصول على إجازة من دون راتب، أو استيداع، أو حتى الاستقالة”، بحسب مصادر في وزارة التربية. فيما أبلغ آخرون إدارات مدارسهم “بعدم الالتحاق”، من دون تقديم أي مستندات رسمية لقرب سفرهم إلى الخارج، ومنهم من غادر فعلًا.

فتحت المدارس والثانويات الرسمية أبوابها، بدأت إجتماعاتها التحضيرية وسط قاعات مظلمة وبصناديق مالية فارغة، إقبال خجول على التسجيل وأجواء من الاستياء العام السائد بين الأساتذة لا سيما في التعليم الثانوي، والذين لم يتقاضوا رواتب الصيف المضاعفة (4 رواتب إضافية عن كل شهر) لتقاعس وزارة التربية عن إرسال الجداول إلى وزارة المالية.

عاد المعلمون وكان مطلبهم الوحيد هو “العودة إلى التصعيد”، والسبب في ذلك يعود إلى أن كل وعود الروابط لم تجد نفعًا، وتشير المصادر إلى أن هذه الأخيرة “بعدما وعدت بعدم فتح التسجيل قبل تقاضي المكسورات، عادت وسجّلت، والآن تتوعّد بـ”عدم العودة إلى الصفوف قبل إعلان وزير التربية آلية دفع الحوافز”، في حين تؤكّد مصادر كل المكاتب التربوية أنّ “الإضراب ممنوع هذه السنة مهما كانت الظروف”، وهو ما أكّده أحد أعضاء رابطة التعليم الثانوي الذي طالب الأساتذة بـ”عدم التعويل على الروابط أبدًا، لأن قرارها ليس بيدها”.

من جهة أخرى فإن المصادر تشير أيضًا إلى أنه وفي حال عدم إصدار الوزير آلية دفع الحوافز قد تتعثّر انطلاقة التدريس، وفي الوقت ذاته فإن “أموال الحوافز الموعودة لا تكفي لدفعها حتى نهاية العام الجاري، ما يهدّد بسيناريو أسود للعام الدراسي، بالتالي قد يدفع الوزير الحلبي الأساتذة نحو التصعيد ليتمكّن من استعادة أموال الجهات المانحة لتعليم اللبنانيين في الدوام الصباحي، بعد أن خصّصت الأخيرة دعمها لتعليم السوريين فقط” .

كيف تعاطت الوزارة مع هذا الواقع؟
أطلق وزير التربية اللبناني عباس الحلبي العام الدراسي الجديد بلغة التهديد والترهيب، لا سيما بعدما “أصدر قرارًا تحت مسمى تأديبي يقضي بحسم راتب 61 أستاذًا في التعليم الثانوي، لمدة 15 يومًا، بسبب امتناعهم عن التعليم بعد فك روابط المعلمين الإضراب العام الماضي، حيث اعتبرهم محرّضين”.

وقّع الوزير قراره التأديبي في 27 يوليو، لكن أعلن عنه في 5 سبتمبر، ما يدل بحسب متابعين أن “هدفه تخويف الأساتذة الذين يستعدون لتنظيم تحركات جديدة مع بداية السنة الدراسية، وليس كما أشار إلى أنه يطبّق قانون منع الإضراب والتحريض عليه”.

وزير التربية كان قد أشار إلى أن كلفة العودة الآمنة للأساتذة وتمكينهم من الذهاب إلى المدارس هذه السنة هي 150 مليون دولار، وأن هذا الرقم – بحسب كلام الوزير- مدروس يغطي الحوافز والشق الصحي وصناديق المدارس والمهنيات، معلنًا أن مجلس الوزراء أقر سلفة بقيمة 5 آلاف مليار ليرة كدفعة أولى من المبلغ المطالب به.

بالمقابل يشير الأساتذة عبر مسؤولي الروابط إلى أنهم لم ينالوا من مطالبهم سوى الوعود، أما مبلغ الـ 5 آلاف مليار ليرة الذي أقرته الحكومة لوزارة التربية لإعطائه للأساتذة كحوافز إنتاجية “فلا يزال حبرًا على ورق ولم يتم تحويله إلى مرسوم حتى، وأنهم يريدون بدء العام الدراسي على أكتاف المعلمين الذين لم يعد باستطاعتهم التضحية”.

هذا التقاعس في منح المعلمين في القطاع الرسمي حقوقهم يعني افتعال المواجهة بينهم وبين الوزارة، وهذا الأمر كفيل بجعل مستقبل العام الدراسي مجهولًا تمامًا وعلى المحك، مما يعني أن مصير جيل بأكمله ضبابي ومجهول، تمامًا كما هو مصير هذا البلد، وعلى الدولة اللا مسؤولة وكل الجهات المعنية أن تدرك فعلًا أن هذا القطاع لا يشبه غيره من القطاعات الحياتية الأخرى، والتي يكون توقف العمل بها أقل خسارة، بل على العكس من ذلك، لأن خسارة هذا القطاع تعني خسارة قطاعات الدولة بأكملها.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد