في السادس والعشرين من أيلول – سبتمبر من العام 1962 قامت ثورة ضد المملكة المتوكلية اليمنية والتي أقيمت في شمال اليمن عقب انقلاب المشير عبد الله السلّال وهرب من يسمى الإمام محمد البدر حميد الدين إلى السعودية حيث دعمته بالمال والسلاح للعودة والقيام بثورة مضادة على قيام الجمهورية في اليمن.
تَشكَّلَ في ذلك الوقت محور يدعم تلك الثورة المضادة من المملكة السعودية والأردن وبريطانيا و”إسرائيل”. وما أشبه تلك الأيام بيومنا الحاضر، في حين تلقى أنصار الجمهورية الدعم والمؤازرة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يشكّل أنموذجًا وأيقونةً للحركات التحررية العربية في ذلك الزمن. دعمت مصر بالسلاح والرجال وبأعدادٍ فاقت عشرات الآلاف من ضباط وجنود الجيش المصري في تلك الحرب التي دارت رحاها على مدى ثماني سنوات ووصلت الأمور في البلاد إلى عقدة مستعصيةٍ على الحل وفي تحقيق الأهداف وكانت من نتائجها سيطرة الجمهوريين على الشطر الشمالي من اليمن واندحار بريطانيا عن الشطر الجنوبي منه ومن مدينة عدن ومينائها الإستراتيجي والذي كان تحت سيطرتها بعد سقوط معظم ما يسمى بـــ “المحميَّات الغربية” في الجنوب بيد الجبهة القومية للتحرير والتي كانت أيضًا مدعومة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ومن ثم قيام جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية ذات التوجه الماركسي والموالية للاتحاد السوفياتي حتى تاريخ انحلاله وانتهاء الحرب الباردة في العام 1990م وما جرى بعد ذلك من قيام الوحدة بين اليمنيين ومحاولات الانفصال الدامية لاحقًا.
مع دخول الحرب الحالية المفروضة على اليمن عامها التاسع وعجز التحالف عن كسر إرادة الثورة الشعبية اليمنية التي أطاحت بــ “حكومة” عبد ربه منصور هادي، هذا التحالف الذي قادته السعودية وقدم وعودًا للأمريكيين بأنهم في غضون ستة أسابيع سيعيدون “الحكومة الشرعية” إلى صنعاء وباء بفشلٍ وخيبة بفضل صمود وبسالة الشعب اليمني.
وتوالت سنين الحرب الظالمة حتى طالعنا أخيرًا النظام السعودي رأس الحربة في هذا العدوان بضرورة إنهاء التقاتل في ما بين اليمنيين ومقولة رعاية المصالحة الوطنية اليمنية ما بين السلطة الشرعية في صنعاء وما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي (اختير أعضاؤه الثمانية بين السعودية والإمارات) والذي أنيطت به صلاحيات “الرئيس هادي” والعمل على وقفٍ لإطلاق النار والتوصل إلى حلٍ سياسي ينهي حالة الاقتتال في اليمن. وقد فاتهم أنَّ الشعب اليمني بقواه الوطنية والشعبية الحيَّة يخوضُ حربًا ضروسًا بوجه تحالفٍ دوليٍّ إجرامي بقناعٍ مزيّفٍ ومكشوف نسجته ووفرته قوى محلية متآمرة على وحدة الوطن اليمني وسيادته واستقلاله، حيث ساروا بركب المعتدين كفصيلة سبَّاقة أمام القوات الغازية واستُنزِفوا واستُهلِكوا حتى النهاية في مشروع الإخضاع والتآمر وما لبثوا أن انقلبوا على بعضهم البعض في اقتتال دامٍ وتقاسم للنفوذ على المناطق والمدن الجنوبية ومرافقها وخيراتها والتي يسيطر عليها ما يسمى بالمجلس الانتقالي المدعوم والممول والمدار من قبل السعوديين والإماراتيين، هؤلاء الذين هُزموا وبان عجزهم وقلة حيلتهم أمام الصمود الأسطوري والإعجازي للشعب اليمني وجيشه الوطني وقيادته في صنعاء وقواه الشعبية الذين سطروا الملاحم والبطولات في رد كيد المعتدي الأثيم.
في القرن الماضي شهدنا حول العالم العديد من مشاريع التقسيم والشرذمة للدول وضمن الوطن الواحد نتيجة الاستعمار والاحتلال والحروب والتدخل الأجنبي وشن العدوان ودعم الإرهاب منذ سايكس – بيكو وتقسيم بلاد الشام في أيار – مايو من العام 1916م وقيام الكيان الغاصب في فلسطين أيضًا في الخامس عشر من أيار من العام 1948م وصولًا إلى كوريا شمالها وجنوبها وإلى فيتنام مرورًا بشبه الجزيرة الهندية وباكستان والقارة السمراء وما جرى حديثًا في السودان وجنوبه وفي العراق وشماله والكانتون الكردي المشبوه المرتبط بالأمريكي والإسرائيلي وما يجري حاليًا في سوريا من دعمٍ للإرهاب والإرهابيين ومحاولات التقسيم للوطن السوري واللائحة تطول وستطول ما طالت أعمار الطغاة وأذنابهم.
إنَّ ما يحاك في الغرف المظلمة وخلف الكواليس هو مشروعٌ تآمري مشترك عربي ودولي وواحدة من خطوات الشرذمة والتقسيم للوطن اليمني هدفه الإبقاء على الوضع القائم دون تغيير في محاكاة لسنوات الانقسام والانشطار الماضية وما نشهده من دعوات انفصالية في جنوب البلاد مظهرٌ من مظاهر هذا المشروع على الرغم من رفض قوىً ومجاميع سياسية وشعبية لهذه الدعوات المشبوهة، وأنَّ هذا الوضع إن بقي على حاله هو مشابه إلى حدٍّ ما ما كان قائمًا قبل العام 1990م بما يشبه خط الفصل والمواجهة بين اليمن الشمالي وجنوبه والذي تنتشر فيه حاليًّا قوى المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى المتحالفة معه المدعومة إماراتيًّا وجبهة الإنقاذ الوطني ومن معها والمدعومة سعوديًّا خدمةً لأهداف السعودية والإمارات ومن خلفهم وللإبقاء على النفوذ والسيطرة والتحكم بواقع هذه البلد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وموارده الطبيعية.
إنَّ ما ذكر أعلاه من مشروع مشبوه وتآمري يحاك على وحدة اليمن وأرضه وشعبه أكّده رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن السيد مهدي المشَّاط في كلمة له ألقاها بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للوحدة اليمنية المباركة حيث أوضح “أنَّ بيان القمة العربية في جدّة جدد دعم مجلس العار المُعيّنِ من دول العدوان على حساب أربعين مليون يمني محاصر وكأن الحرب القائمة حرب أهليّة بحتة لم تعلن واشنطن، في قفز معيب على الواقع”. وأضاف المشَّاط “من الصادم للغاية أن خصومنا ومرتزقتهم لا يستشعرون كارثية الإصرار والاستمرار على ما هم عليه من الصَّلفِ نحو شعبنا المحاصر منذ تسع سنين على التوالي”، وأنَّ “من المؤسف للغاية أننا ما زلنا نرى أخوةً عربًا لا همَّ لهم الا كيف يُفتِّتون ويُمزقونَ وحدة اليمن، ويَتفنَّنونَ في حصار وتجويع شعبنا المظلوم”.
هذا الموقف الواضح والصريح زاد من حساسيته ودقته وتأكيد أبعاد ما يحاك من مؤامرات ونتائجها الخطيرة على وحدة الوطن اليمني قول قائد حركة “أنصار الله” في اليمن السيِّد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين إنّ “السعودي أتى ليتحدّث عن نفسه كوسيط”، واصفًا هذا القول بـ “النكتة” وإنَّ كُلَّ العالم يعرف أنّ الذي أعلن نفسه قائدًا للتحالف في الحرب على اليمن هو السعودي” وأنَّ “العدوان على اليمن فشل، ولم يصل إلى تحقيق أهدافه” مضيفًا “سنتخذ الإجراء العسكري المناسب لمنع أيّ محاولة لنهب ثروات بلدنا في برّه وبحره” وأنّ “المسؤولية على الجميع قائمة في بذل الجهد ومواصلة الجهاد في التصدي للأعداء ومؤامراتهم”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.