يومًا بعد يوم تزداد التعقيدات في ملف رئاسة الجمهورية الى درجة أننا لا يمكننا التنبؤ حتى باسم الرئيس المقبل. جميع الأطراف على موقفها ولم يتقدّم أي منها خطوة واحدة رغم تلاقي وتحاور بعضها، وكأن الجميع ينتظر إشارة ما، تحوّلًا ما، تراجعًا أو تقدّمًا ما، لكن حتى اللحظة مع مرور الوقت تزداد العقَد وهذه المرة أبرزها العقدة المسيحية.
تبرز المشكلة الأساسية في أن الأفرقاء المسيحيين المعنيين برئاسة الجمهورية غير متفقين على البديل وإن اتفقوا على رفض بعض الأسماء المطروحة، ونقطة الضعف أنهم لا يطرحون بديلًا جديًّا يمكن أن يصل الى قصر بعبدا.
تأزمُ الوضع فيما بينهم دفعهم لوضع خلافاتهم عند البطريرك بشارة الراعي الذي ليس لديه القدرة على ما يبدو على حلّها، وأقصى ما يمكن فعله هو القول لهم “أن يلتقوا ويتفقوا على المعايير”، فهو لا يستطيع طرح اسم ولا تبني اسم، فالأمر الأول لا يضمن قبولهم به ما يؤكد ضعف تأثيره وفي الأمر الثاني يصبح طرفًا، وهذا ما يُناقض دوره الذي من المفترض أن يكون جامعًا وعلى مسافة واحدة من الجميع.
المرجعيات السياسية المارونية عندما تريد تحديد خياراتها الإستراتيجية تذهب الى المرجعية الروحية. تسمع بكركي ما تريده القوى المسيحية لكنها لا تريد ولا تستطيع الدخول في متاهات المواجهات الرئاسية بين الأفرقاء، وليس لديها رغبة بالدخول أيضًا في السجال فيما بينهم. كل ما تفعله هو دعوات للتوافق فقط وليس الدعوة للقاء يجمعهم في الصرح البطريركي.
لم يعد معلومًا إذا كانت القوى المسيحية هي التي تُهمِّش بكركي أم أن الأخيرة تُهمِّش نفسها بغيابها عن استحقاقات من هذا النوع، لا بل أكثر، ففي أكثر من محطة كانت تقف في صف المُصوِّبين على رئيس الجمهورية بحيث لم تستطع أن تفرِّق بين شخص الرئيس وموقع الرئاسة.
ففي الوقت الذي يطرح فيه البطريرك الراعي أفكارًا ويخوض معارك سياسية من أجلها، كفكرة الحياد والحديث عن مؤتمر دولي، يقف عاجزًا أمام فكرة جمع وتوحيد موقف مَن هو مرجعية لهم.
يتفاوت حجم تأثير القوى المسيحية في الملف الرئاسي. وليس خافيًا على أحد أن الحضور الأقوى هو للتيار الوطني الحر. ومع التساوي الى حد ما مع القوات تمثيليًّا في المجلس النيابي إلا أن التيار يُضاف الى قوة حجمه التمثيلي قوة تحالفه الداخلي مع حزب الله رغم الخلاف الحاصل بينهما على ملف الرئاسة تحديدًا، وهذا ما تفتقده القوات داخليًّا بحيث تبدو وكأنها بلا حلفاء وتستند فقط الى مرجعيتها الخارجية ألا وهي المملكة العربية السعودية وهذا ما يُفسِّر ضعف حضورها الذي يعود الى فشل كل رهاناتها السابقة من جهة وانتظار الموقف السعودي من جهة ثانية.
تدور الكتل المسيحية حول نفسها وسط عجز كلّي عن التلاقي فيما بينها. لكن احتدام الصراع الداخلي المسيحي حول الرئاسة سيدفع بالأطراف الأخرى في البلد الى التراجع بالاندفاعة الرئاسية كي لا يتورطوا بالمواجهة المسيحية التي لا بد أن تنتهي بتوافق أو تسوية فيما بين المسيحيين.
من الواضح أنه لن يستطيع أحد أن يدخل في مغامرة تخطي هذا المكوّن بالموضوع الرئاسي، وليس من مصلحة أحد أن يدخل في خلاف مسيحي – مسيحي أو مسيحي – إسلامي. وإذا بقيَ الخلاف على حاله، فمن الطبيعي أن الشغور الرئاسي سيمتد لعدم التوافق الداخلي مما يزيد جرعة التدخل الخارجي في الشأن الرئاسي.
من هنا وإذا أردنا توصيف الواقع الرئاسي الحالي يمكن وصفه بثلاث مشاهد، الأول: المبادرات الخارجية مقفلة، الثاني: الحوار الداخلي متوقف، أما الثالث فهو أن الرئاسة تدور في حلقة مفرغة، وستبقى كذلك اذا استُكمل المسار ذاته بانتظار تغيّر ما، يُغيّر المسار باتجاه قصر بعبدا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.