نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا تناول تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الإمدادات الغذائية العالمية، في وقت يستحوذ فيه البلدان مجتمعين على ما بين 20% إلى 30% من صادرات القمح في العالم.
التقرير أكد أن الدول الغنية أصابها الذعر، وأن التداعيات السلبية حلت على البلدان الفقيرة التي تعتمد على الواردات الغذائية، والتي تتركز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبحسب التقرير، فإن “هذه البلدان تواجه الآن الجوع وعدم الاستقرار السياسي، ليس لأنه لا يوجد ما يكفي من الغذاء في العالم ولكن لأن البلدان الغنية فقدت اتزانها وهدوءها”.
ويقول التقرير إن المشكلة ليست في نقص القمح، بل في نقص العدد الكافي من السفن لنقله، ونقص الأموال اللازمة لشرائه بسبب الارتفاعات التي نتجت عن ذعر الأسواق.
ويضيف التقرير أنه بينما يمكن للبلدان التي لديها الكثير من الحبوب في متناول اليد مخزنة في الصوامع ومرافق مناولة الموانئ ومستودعات السكك الحديدية (يمكن لها) النجاة من براثن سلاسل الإمداد، فإن دولا في الشرق الأوسط وأفريقيا لا تتوفر لها هذه الرفاهية.
ويصف التقرير الوضع في هذه المنطقة بالسوبرماركت الذي يعتمد على التسليم في الوقت المناسب، وبالتالي فإن أي انقطاع سيصيبه بالضرر بقوة وبسرعة.
وفرة الإنتاج
ومن المتوقع أن يبلغ نقص الصادرات من محصول القمح في البحر الأسود لعامي 2021-2022، بين روسيا وأوكرانيا، 7 ملايين طن متري فقط، لكن هذه الكميات -يقول التقرير- لا تمثل سوى 0.9% فقط من إنتاج القمح العالمي (حوالي 700-800 مليون طن متري في السنة). ويتابع التقرير أنه كثير من الأحيان يتم استهلاك القمح في البلدان التي يزرع فيها، وأحيانا من قبل الأشخاص الذين يزرعونه.
وتشير مجلة فورين بوليسي في تقريرها إلى أن هناك الكثير من القمح في المخزونات العالمية. فلدى الصين والهند والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى ما يكفي من القمح المخزن لتلبية حاجة الأعداد الكبيرة للسكان من 6 إلى 12 شهرا أو أكثر.
كما يشير التقرير إلى أن الهند أضافت 5.75 ملايين طن متري إلى تجارة القمح العالمية التي لم تكن موجودة في العام السابق، مما أدى إلى تغطية النقص من أوكرانيا وروسيا بمفردهما.
ويأتي ذلك في وقت -يضيف التقرير- كان لدى أستراليا محصول قمح قياسي لعام 2021، ومن المقرر أن يكون محصول تصدير القمح قويا لعام 2022 أيضا بفضل الظروف الجوية الجيدة في أوائل عام 2022.
ومن المتوقع -حسب التقرير- أن يكون هناك حوالي 27.5 مليون طن متري من صادرات القمح من محصول أستراليا لعام 2022 في هذا الوقت -أي أكثر من 5 إلى 10 ملايين طن متري من محاصيلها في أعوام 2015-2020. كما زادت بالفعل جهات أخرى مصدرة للقمح مثل الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وجنوب أفريقيا من مساحة القمح الخاصة بها كرد فعل إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا.
ويقول التقرير إنه بفضل نمو إنتاج القمح خارج أوكرانيا، فإنه من المتوقع أن يتجاوز محصول القمح العالمي لعام 2022 الاستهلاك لأول مرة منذ عامين.
ماذا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
برغم وفرة الإنتاج عالميا فإن تقرير مجلة فورين بوليسي تساءل “إذا كان هناك ما يكفي من القمح، فلماذا تتعرض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لخطر المجاعة الحقيقي؟”.
ويجيب التقرير “السبب مألوف: سلسلة الإمداد.. ففي حين أن النقص الأوكراني والروسي هو جزء صغير من التجارة العالمية، فإنه يمثل جزءًا كبير من العرض بالنسبة للبلدان التي تعتمد بشكل كبير على الواردات. حيث يعتبر البحر الأسود محوريا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
ويوضح التقرير أن التحول إلى الهند وأستراليا ومصدري القمح الآخرين يستغرق وقتا وسعة تخزين لا تمتلكها العديد من الدول المستوردة. فعلى سبيل المثال، يستغرق نقل السفينة للقمح من شمال البحر الأسود إلى لبنان حوالي أسبوع، لكن السفينة نفسها تستغرق أسبوعين لنقل الحبوب من الهند إلى لبنان وربما شهرا لنقل الحبوب من أستراليا إلى لبنان.
ومع استغراق الرحلات من ضعفين إلى 4 أضعاف الوقت، فإن العدد نفسه من السفن التي تنقل الحبوب من موانئ أبعد لا يمكنها نقل سوى 25% إلى 50% من كمية الحبوب التي يمكنها نقلها من البحر الأسود.
المشكلة إذن -حسب التقرير- ليست في نقص القمح، بل في عدد السفن لنقله، ونقص الأموال اللازمة لشرائه بسبب ارتفاع الأسعار مع حالة الذعر.
الجزيرة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.