نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا مطولا عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعنوان “MBS: مستبد في الصحراء”، قالت فيه؛ إن إبن سلمان هو من جيل الألفية، فهو شخصية متقلبة وبسلطة مطلقة في السعودية، لكن ماذا سيفعل بعد؟
وقال نيكولاس بيلام معد التقرير الذي ترجمته “عربي21” حيث قال فيه: “لا “أحد كان يريد اللعب مع محمد بن سلمان، فالولد كان عضوا في العائلة السعودية الحاكمة، وكذا كان 15.000 منهم. وفضل زملاؤه في الصف اللعب مع أولاد عمومته الذين كانوا في مرتبة أعلى في نظام الخلافة، كما يقول معارف الطفولة.
وبالنسبة للطفل المعزول الذي سيصبح وليا للعهد، تذكر صديق للعائلة أنه سمع مناداته بـ”صدام الصغير”.
وقالت المجلة: “كانت الحياة في البيت صعبة لمحمد بن سلمان، فقد وكان لوالده سلمان خمسة أولاد من زوجته الأولى، وهي امرأة متعلمة من عائلة النخبة المدنية، أما والدة محمد بن سلمان فقد كانت بدوية، وهي الزوجة الثالثة.
وعندما زار محمد أقاربه في القصر الذي كان يعيش فيه والده مع زوجته الأولى، كان إخوته الأكبر منه ينادونه بابن البدوية. وفي مرحلة ما، أرسل إخوته الكبار للدراسة في الجامعات الأمريكية والبريطانية، أما هو، فقد بقي في الرياض ليدرس في جامعة الملك سعود.
وفي مراهقتهم، كان الأمراء يذهبون في رحلات على اليخوت الفخمة معا، حيث كان يعامل محمد كولد المهمات يرسل إلى الشاطئ لشراء السجائر لهم. وفي صورة من تلك الرحلات تظهر 16 أميرا يقفون على يخت ببناطيلهم القصيرة والنظارات الشمسية، وتبدو من ورائهم تلال الريفيرا الفرنسية. وفي الوسط ابن عم الأمير محمد، الوليد بن طلال، الملياردير الذي لقب بوارن بافت الجزيرة العربية. أما الأمير محمد الطويل وذو الأكتاف العريضة، فقد ظهر بعيدا في آخر الصورة.
ولو تحركنا سريعا لليوم، فقد تحرك محمد بن سلمان لمركز الإطار، وأصبح أكبر صانع قرار في السعودية التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم. والسعودية هي ملكية مطلقة، لكن الملك سلمان، 86 عاما لا يظهر إلا في النادر، وهو اسميا ملك البلاد، وبدا واضحا منذ عدة سنوات أن محمد بن سلمان هو المسيطر “فعليا”.
وقال مسؤول استخبارات سعودي للكاتب: “لم يعد الملك سلمان ملكا”. وبنظرة أولى، فالأمير البالغ من العمر 36 عاما يبدو مثل الحاكم الذي تطلع إليه الشباب السعودي ومنذ وقت. فهو في مثل أعمارهم مقارنة مع بقية الملوك. فنسبة 70% من السعوديين هم تحت سن الثلاثين عاما.
وأضافت المجلة: “المستبد الألفي مهووس في ألعاب الفيديو ولعبة “كول أوف ديوتي”، فهو ينطلق من داخل ومزايا المسجد والديوان الملكي مثل من يقاتل خصوما افتراضيين. وساعده تعجله وقلة صبره وعدم احترامه للأعراف على دفع إصلاحات، كان يظن الكثيرون أنها لن تحدث إلا بعد عدة أجيال”.
والمظهر الوحيد للتحول، هو المرأة في الحياة العامة التي كانت إما غائبة أو تحرسها عين زوجها أو والدها. وفي الماضي، لم يكن هناك الكثير من الأماكن لقضاء الوقت باستثناء المسجد، أما اليوم فيمكنك الذهاب إلى حفلة للمغني جاستين بيبر، أو مشاهدة سباق فورميولا وان. وقبل أشهر ذهبت لحفلة صاخبة في فندق. ورقص السعوديون والأجانب حفاة على الرمال حتى الفجر، وقبلوا أزواج بعضهم البعض وتعرت النساء حتى الملابس الداخلية، وقدم الشراب المحلى بالخمر في حانة مفتوحة.
وقالت المجلة: “لكن تبني الثقافة الاستهلاكية الغربية لا يعني تبني القيم الديمقراطية الغربية، بل ومن السهل دعم دولة رقابة متميزة. ولفت الكاتب إلى أنه “في رحلاتي الأخيرة للسعودية، عبر الكثيرون ومن كل المستويات عن مخاوفهم من الاستماع لأحاديثهم التي عبروا فيها عن عدم احترام أو نقد. وهو شيء لم أره من قبل”.
وقال محلل مخضرم رفض ذكر اسمه، أو الأسباب عن سبب تجريف معظم مدينة جدة: “عشت في ظل أربعة ملوك”، و”دعني أنجو في ظل الملك الخامس”.
وأوضح بيلام أن الغرب مخدوع بالوعود واعتماده على النفط السعودي، وتجاهل تجاوزات محمد بن سلمان، وفي نهاية 2018، قام مسؤولون سعوديون باغتيال صحفي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي، وقطعوا جثته باستخدام منشار عظام، وابتعد حتى أكثر القادة دعما للسعودية.
وأشارت المجلة إلى أن الفضل اليوم يعود إلى مستبد آخر وهو فلاديمير بوتين، حيث عاد الطلب على الأمير السعودي. وبعد غزو بوتين أوكرانيا في نهاية شباط/فبراير زادت أسعار النفط. وركب بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق الطائرة في غضون أسابيع. ثم جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان العدو اللدود وعانق ابن سلمان في نيسان/إبريل.
بل وأجبرت الحرب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن على تراجع مهين، ففي حملته للرئاسة عام 2020 تعهد بجعل السعودية دولة “منبوذة”، لكنه قام بالتصالح مع محمد بن سلمان في 15 تموز/يوليو، وفي محاولة لتجنب المصافحة قام بضرب قبضته مع ولي العهد، حيث ظهرا كصديقين قريبين.
واعترف حتى النقاد في السعودية بانتصار محمد بن سلمان، وقال كاتب عمود في جدة: “جعل بايدن يبدو ضعيفا”، و “ووقف ضد القوة العظمى وانتصر أمام العالم”. وبالنسبة لمحمد بن سلمان، فقد كانت هذه لحظة انتصار، فقد اكتملت رحلته من هامش الصورة إلى مركز القوة. وربما حكم لعقود. وفي هذه الفترة، سيحتاج العالم نفط بلاده ليروي ظمأ الطاقة. وفي مملكة تعتمد كلمة الرجل وبشكل كامل على شخصيته، فهناك أمل أنه بعد تأمين مركزه أن يتخلى محمد بن سلمان عن الانتقام وعدم التسامح الذي أنتج جريمة قتل خاشقجي.
لكن المجلة قالت؛ إن البعض، ومن بينهم زملاؤه في المدرسة، يخشون من الأيام المظلمة. ويتذكرون الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الرجل الحداثي مرة، الذي أصبح مدمنا على مراكنة السلطة وتحول إلى متهور وخطير. وقال مسؤول استخباراتي غربي سابق: “في البداية تمنح السلطة العظمة”، و”لكنها تصبح بعد ذلك وحدة وشكا وخوفا من استيلاء الآخرين على ما أغتصبت”.
وقال بيلام؛ إنه كان واعا خلال السنوات التي صعد فيها محمد بن سلمان وإن بشكل باهت، وأنه واحد من الأمراء فقط و”ربما لم ألتفت إليه لولا انضمام شخص أعرفه منذ فترة إلى طاقمه”. وقال هذا الشخص؛ إن رئيسه جاد في تحريك الأمور، وقام بترتيب لقاء في قرية عتيقة مبنية من الطوب. و”مع اقترابي وزميلي من إيكونوميست من مجمع محمد بن سلمان، انفتحت البوابات فجأة مثل عرين شرير في أفلام بوند، وفي الغرفة الداخلية جلس ابن سلمان”.
وقال؛ إن السعوديين وعدوا دائما بالإصلاح وغالبا كرد من ملوكهم على المطالب الأمريكية، لكن الملوك المتعاقبين كانت تنقصهم الأساليب للدفع من أجل تنفيذه. فعندما غزا آل سعود الجزيرة في العشرينيات من القرن الماضي، تحالف مع الوهابية، الجماعة الدينية المتشددة. وفي عام 1979 قامت مجموعة من المتطرفين باحتلال الحرم في مكة، وقرر آل سعود تعزيز الدين لمنع اندلاع ثورة إسلامية، مثل التي نجحت في إيران.
وأضاف: “منح مشايخ الوهابية القوة لإدارة المجتمع حسبما يريدون، ومارسوا سيطرتهم من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي على المنكر؛ حيث ضربوا أقدام النساء اللاتي ظهرت خصلات من شعرهن عبر الحجاب، وضربوا أقدام الرجال بسبب ارتدائهم البناطيل القصيرة. وناسبت الترتيبات آل سعود، فقد قدم الوهابيون لهم تحكما بالمجتمع وأضفوا شرعية على الدولة السعودية، وتركوا الأمراء يتمتعون بثروة النفط في أماكن أكثر انفتاحا في لندن وباريس أو خلف بوابات قصورهم”.
وتابع الكاتب “أكره الاعتراف الآن، لكن هذا الأمير تحدث في الرياض عن خططه لتحديث المجتمع والاقتصاد، وأعجبت بحماسه ورؤيته وقدرته على تقديم التفاصيل. وقدم ما ثبت أنها أجوبة دقيقة عن كيفية تحقق الإصلاحات ووقتها”. ورغم أنه لم يكن بعد وليا للعهد، فإنه أشار إلى السعودية ببلدي. ووصلنا إلى الساعة التاسعة مساء، وفي الساعة الثانية صباحا كان محمد بن سلمان في أوج حديثه، وكان لطيفا وواثقا من نفسه ومبتسما، وكان مساعدوه هادئين، ولم يتحدثوا إلا ليرددوا كلام سيدهم بطريقة آلية. وعندما غادر الأمير الغرفة لأخذ ملف، بدؤوا بالحديث وبحماسة ليسود الصمت عندما عاد”.
ويعلق بيلام “مثل البقية، كنت متشوقا في هذه السنوات الأولى لما يمكن محمد بن سلمان أن يفعله، وعندما عدت مرة ثانية إلى السعودية ورأيت رجالا بالبناطيل القصيرة، ولكنني ظلت أنظر للوراء خوفا من الشرطة الدينية، ولم أر أحدا، فقد جردوا من سلطة اعتقال الناس”.
وقال؛ إنه كولي للعهد، قدم محمد بن سلمان قانونا ينص على أن يكون الحكم القضائي متناسقا مع إرشادات الدولة وليس تفسير القضاة للقرآن. وجرم عملية الرجم حتى الموت والزواج بالغصب. وكان أهم تغير واضح ويتعلق بدور المرأة، هو هجومه على قانون الوصاية على المرأة، الذي منعها من العمل والحصول على جواز والسفر والعلاج في المستشفيات، أو الطلاق بدون موافقة قريب في العائلة.
ومن ناحية الممارسة، وجدت الكثير من النساء السعوديات صعوبة في الحصول على هذه الحقوق بمجتمع أبوي، حيث كان الرجال يتقدمون للمحاكم بشكاوى عدم طاعة، لكن الإصلاح لم يكن تجميليا، فقد سجن ابن سلمان رجال الدين، وبعد ذلك أجبر البقية على الالتزام بالخط. وبدا محمد بن سلمان منتشيا في خرق المحرمات الدينية، فقد تناولت قناته التلفزيونية موضوع المثلية.
وفي أيلول/سبتمبر، رفع الحظر عن تطبيق المواعدة “تيندر”. وفي العام التالي تم جر أحد أئمة الحرم للتعامل مع لعبة الورق، التي تعتبر مضيعة للوقت، وجلب الكثير من الألعاب الرياضية إلى المملكة: مصارعة، ملاكمة، مونستر جام.
ونقل الكاتب عن أحد الأمريكيين قوله: راقب تصفيق الحضور، وبالنسبة للكثير من الأجانب فلم تعد الرياض معادية هذه الأيام. وقال رجل أعمال:؛ “أخشى من القبض علي بسبب الشرب”، وقال آخر: “هناك كوكايين وخمور وعاهرات، ولم أر مثل هذا في جنوب كاليفورنيا”. فيما قال مسؤول سعودي بارز: “هذا شيء غال جدا”، فبائعة الهوى من أوروبا الشرقية قد تكسب 3.000 دولار لحضور حفلة و 10.000 دولار لقضاء الليل.
وقال التقرير إنه حين دخل محمد بن سلمان الحياة العامة، كانت لديه سمعة بأنه متشدد مثل والده، وهي صفة نادرة بين الأمراء. ولكن هذا تغير سريعا. ويعتقد الكثيرون ممن تمت مقابلتهم لغرض هذا التقرير، أن ابن سلمان تعاطى المخدرات، وهو ما ينفيه.
وقال شخص من داخل البلاط في عام 2015؛ إن أصدقاءه قالوا بأنهم بحاجة إلى راحة وترفيه في جزر المالديف. وبحسب تحقيق قام به الصحفيان برادلي هوب وجاستين ستشيك في كتابهما “المال والنفط”، فقد تم استئجار 150 عارضة للمشاركة في التجمع، وتم نقلهن من خلال عربات الغولف إلى مركز طبي للتأكد من خلوهن من الأمراض الجنسية. وتم نقل عدد من نجوم الموسيقى ومن بينهم أفروجاك، وهو دي جي هولندي، ثم كشفت الصحافة سر محمد بن سلمان.
وأضاف: “ولهذا قرر الأمير بعد ذلك الترفيه عن نفسه على شاطئ البحر الأحمر. وفي نهاية الأسبوع يشكل أصدقاؤه اسطولا من اليخوت حول يخته الضخم “سيرين”، الذي يحتوي على ميدان سياقة وسينما، كما واشترى قصرا في فرنسا بمبلغ 230 مليون دولار.
وقال التقرير؛ إن هذه الممارسات تعكس تخفيف الأعراف الاجتماعية وقيم الكثير من أنداده الشباب، في السعودية، ومع ذلك ورغم الثورة الاجتماعية فالأمير، ليس أكثر حرصا من الوهابيين لترك السعوديين يفكرون لأنفسهم. فقبل رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة بفترة قصيرة عام 2018، اعتقل الأمن لجين الهذلول الناشطة المعروفة في مجال المطالبة بالسماح للمرأة قيادة السيارة.
وقالت عائلتها؛ إن سجانيها مارسوا عليها أسلوب التعذيب بالإيهام بالغرق. وكان واحد من مستشاري محمد بن سلمان حاضرا خلال تعذيبها وهددها بالاغتصاب. وفي تحقيق للأمم المتحدة، وجدت أسباب مقنعة للاعتقاد أن سعود القحطاني شارك في تعذيب الناشطات.
وأشارت تقارير إلى أن القحطاني قال لواحدة من النساء: “سأفعل ما أريد بك، ثم أذوبك وأدفعك في الحمام”.
عربي 21
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.