كتب الصحافي الأميركي البارز توماس فريدمان في عموده في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مقالة تحريضية ضد إيران قال فيها إن إيران أكبر من أن يتم غزوها، والنظام الإسلامي فيها راسخ جداً بحيث لا يمكن الإطاحة به من الخارج، مشيراً إلى أنه يؤيد جهود “إسرائيل” السرية لتخريب قدرات إيران النووية.
وقال فريدمان إنه أيد الاتفاق النووي الأصلي الذي تفاوض عليه الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران في عام 2015، وأنه لم يؤيد تمزيق الرئيس دونالد ترامب للاتفاق في عام 2018. لكن عندما قام ترامب بالانسحاب من الاتفاق، كان فريدمان يأمل أن يستفيد من الألم الاقتصادي الذي تسبب فيه للإيرانيين في إقناع طهران بتحسين الاتفاق النووي. لقد فشل ترامب في ذلك، وترك إيران حرة في الاقتراب أكثر من أي وقت مضى من القنبلة النووية، على حد زعم فريدمان. وأضاف: “أنا أؤيد محاولة جو بايدن إحياء الاتفاق. وأنا أؤيد جهود إسرائيل السرية لتخريب قدرة إيران على صنع سلاح نووي – بغض النظر عن الاتفاق”.
وأوضح الكاتب أن هذا قد يبدو متناقضاً، لكن هناك خيطاً موحداً يمر عبر كل ذلك، لأن التعامل بفعالية مع النظام الإسلامي الإيراني، بطريقة تقضي بشكل دائم على “سلوكه الضار” أمر مستحيل. فإيران أكبر من أن يتم غزوها، والنظام راسخ جداً بحيث لا يمكن الإطاحة به من الخارج وسكانها موهوبون للغاية بحيث لا يمكن حرمانهم من القدرة النووية إلى الأبد.
وأضاف: لذلك عندما تتعامل مع إيران، فإنك تفعل ما تستطيع، حيث تستطيع، بقدر ما تستطيع، لكن مع إدراك أن الاتقان غير موجود والنظام الإسلامي الإيراني لن تتغير. فبعد 42 عاماً (من انتصار الثورة الإيرانية)، “أصبحت بعض الأشياء واضحة: رجال الدين الحاكمون في إيران يحتفلون بالصراع مع أميركا وإسرائيل كأداة أساسية لبقائهم في السلطة والحفاظ على الحرس الثوري”، على حد زعمه.
وقال فريدمان إن النظام الإيراني كان سعيداً جداً في استخدام الموارد التي حصل عليها من رفع العقوبات الأميركية في اتفاق عام ، ليس فقط لبناء المزيد من الطرق والمدارس، ولكن كذلك لتمويل وتسليح حلفائه العرب في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وأشار الكاتب إلى أن الانتخابات الرئاسية في إيران يوم الجمعة المقبل لن تغيّر الكثير، إذ سيبقى رجال الدين الحاكمون في السلطة. ودعا القادة الأميركيين والإسرائيلييت إلى استراتيجية تتلخص بـ: حاول دائماً الحصول على أفضل اتفاق مع إيران يمكن للمال شراؤه، أو بشكل أكثر تحديداً، حاول دائماً الحصول على أفضل اتفاق يمكن أن يشتريه رفع أو فرض العقوبات أو الحرب السرية. لكن لا تختَر إطاحة النظام الإسلامي بالقوة.
وقال إن رجال الدين الذين يديرون السلطة في إيران حكماء. يمكنهم تخمين قوتك الحصانية من مسافة 100 ميل. وعندما خلصوا إلى أنه لن يجرؤ أحد فعلياً على محاولة الإطاحة بهم أو تدمير منشآتهم النووية، وجد رجال الدين طريقة لعدم التخلي عن قدراتهم النووية. كانت المفاوضات تدور دائماً حول نفس الشيء: محاولة الحصول على أفضل ما يمكن من إيران، سواء من خلال شرائه بالمال أو بالعمل السري. وأضاف أنه على الرغم من كل خطاب ترامب الصارم، وحتى مع اغتياله لأعظم محارب إيراني، (الفريق الشهيد) قاسم سليماني، “لم يكن لدى ترامب استراتيجية دبلوماسية للاستفادة من حملة “الضغط الأقصى” لتحقيق أهداف قابلة للتحقيق من شأنها تحسين الحياة.
وتابع فريدمان القول إنه لا يؤيد “فرض تغيير النظام في طهران من الخارج. إنه مشروع يملك الشعب الإيراني وحده الحق والسلطة في تنفيذه. لهذا السبب أنا أدعم كل هذه الطرق المختلفة للحصول على أفضل اتفاق يمكن أن يشتريه المال والعمل السري”.
وأضاف: كما يقول المثل، “المشاكل لها حلول، لكن المعضلات لها قرون”. وإدارة الصراع مع هذا النظام الإيراني هو الوقوع بشكل دائم في معضلة مستعصية. هذا الواقع يتسبب الآن في شرخ هادئ ولكن خطير بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”. وبينما سيتعامل رئيس الحكومة الجديدة (نفتالي بينيت) بعد بنيامين نتنياهو مع الأمر بهدوء أكبر، فهو يعرف بالفعل أن جو بايدن شخصية مختلفة. لا يقتصر الأمر على أن بايدن لن يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد كل نزوة مثلما فعل ترامب مع نتنياهو. وذلك لأن بايدن يركز عن كثب على تأمين ما يعتقد أنه المصلحة الاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – منع إيران من حيازة سلاح نووي سيجبر تركيا وجميع الدول العربية على امتلاك أسلحة نووية، وبالتالي تفجير عدم الانتشار النووي في العالم، وجعل المنطقة تهديداً كبيراً للاستقرار العالمي.
وأوضح فريدمان أن فريق بايدن يعتقد أن حملة “الضغط الأقصى” التي شنها ترامب لم تقلل من سلوك إيران “الضار” في المنطقة ذرة واحدة (ستثبت لك البيانات ذلك). لذا يريد بايدن إغلاق البرنامج النووي الإيراني على الأقل لفترة من الوقت، ثم محاولة تخفيف الاضطرابات الإقليمية بطرق أخرى. في الوقت نفسه، يريد بايدن التركيز أكثر على بناء الدولة الأميركية في الداخل ومحاربة الصين.
وأشار إلى أن الرد الإسرائيلي على رؤية بايدن هو أن الولايات المتحدة ستدفع لإيران للتخلي عن سلاح نووي من غير المرجح أن تستخدمه أو تنشره على الإطلاق، بينما الأسلحة التقليدية الأكثر تطوراً التي يحتمل استخدامها هي الصواريخ الذكية دقيقة التوجيه التي تشحنها إيران إلى حزب الله في لبنان وسوريا في مواجهة “إسرائيل”. وقال إن من غير المرجح أن تتسامح “إسرائيل” مع هذا السلاح المرفوع فوق رأسها بينما رجال الدين الإيرانيون يجلسون بشكل مريح في طهران. فخلال حرب عام 2006 في لبنان، اضطر حزب الله إلى إطلاق حوالى 20 صاروخ أرض-أرض صامت وغير موجه ومحدود المدى لإلحاق الضرر بهدف إسرائيلي واحد. اليوم مع الصواريخ طويلة المدى الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) التي توفرها إيران، قد يحتاج حزب الله إلى إطلاق صاروخ واحد فقط على كل هدف من 20 هدفاً في “إسرائيل”، مفاعلها النووي ومطارها وموانئها ومحطات الطاقة ومصانع التكنولوجيا الفائقة والقواعد العسكرية الإسرائيلية، مع احتمال كبير بإلحاق الضرر بها جميعها.
يتابع الكاتب: يقول فريق بايدن إنه ملتزم بكبح هذا التهديد من خلال المحادثات مع إيران بمجرد استعادة الاتفاق النووي. لكن الإسرائيليين يسألونهم: ما هو النفوذ الذي ستتمتع به على إيران بمجرد رفع العديد من العقوبات؟
واقترح فريدمان فكرة واضح أنها إسرائيلية المصدر، يقول إنها إحدى الطرق لنزع فتيل التوتر بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” وهي أن يحاول بايدن مبادرة دبلوماسية جديدة جذرية أي التخلص من الوجود الإيراني في سوريا. ويوضح أن “سوريا تخضع اليوم لسيطرة فعالة في قطاعات مختلفة من قبل ثلاث قوى غير عربية: روسيا وتركيا وإيران. لا تحب روسيا وجود قوات إيرانية في سوريا إلى جانب قواتها، لكنها احتاجتها للمساعدة في سحق أعداء حليفها الرئيس السوري بشار الأسد. ويمكن أن يذهب بايدن ودول الخليج العربية إلى الروس والرئيس الأسد بهذا العرض: إخراج القوات الإيرانية من سوريا وسنضاعف ثلاث مرات المساعدة المالية التي كانت إيران تقدمها لسوريا، وسنوافق ضمناً على بقاء الأسد في السلطة على المدى القصير”.
وقال إن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيدعم هذه الصفقة، لأن كسر الجسر البري السوري الذي تستخدمه إيران لتزويد حزب الله بالصواريخ سيغيّر قواعد اللعبة، على حد زعمه.
الميادين نت
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.