تنصّ المادّة 13 من الدستور اللبناني على أن حرية إبداء الرأي قولًا وكتابة، مكفولة ضمن دائرة القانون، وأن الاحتجاج السلمي هو إحدى وسائل التعبير عن الرأي المحمية من قبل الأجهزة الأمنية والسلطة اللبنانية. لكن، لا تتساوى حقوق التعبير في هذا الوطن بين مواطنٍ وآخر، فيُسمح لمن يدّعون الحرية والتحرّر باتهام مختلف الجهات اللبنانية بالإرهاب تنفيذًا لأوامر خارجية، في حين يُقابل البعض بالرصاص الحيّ من على سطوح المباني في خلال مظاهرة سلمية تنديدًا بتسييس أحد القضاة قضية حسّاسة لم ينسها أحد.
هنا، فقط لا غير، تختلف أشكال المظاهرات بين مظاهرات بسمنة ومظاهرات برصاص وبدم.
ليست المرّة الأولى التي يُقابَل فيها محتجون ينتمون لحزب الله، وهو أحد أكبر الأحزاب في لبنان وأقواها، بالمواجهة العنيفة والرصاص في إحدى تظاهراتهم السلمية، بل شهدنا سابقًا عددًا كبيرًا ومماثلًا من الاعتداءات التي طالتهم في مناسبات سياسية واجتماعية ومعيشية مختلفة.
متى وأين وقعت أحداث مماثلة؟
13 أيلول عام 1993: مجزرة جسر المطار
في 13 أيلول من العام 1993 وقعت مجزرة تحت جسر المطار، بعدما قام عناصر من الجيش اللبناني، بإطلاق النار على متظاهرين عُزّل، كانوا يحتجون على الخيار الانهزامي العربي المتمثل باتفاق أوسلو (بين كيان الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية). وقد أدّت هذه المجزرة، حينها، إلى سقوط 10 شهداء وأكثر من 40 جريحًا.
كانون الثاني 2008: مجزرة مار مخايل
بعد انقطاع التيار الكهربائي ليومين متتالين في منطقة الضاحية الجنوبية وخاصةً منطقة الشياح، خرج محتجون في تظاهرات سلمية عند كنيسة مار مخايل-الشياح قاطعين الطريق بالإطارات المشتعلة تنديدًا بالوضع المزري. وبعد تدخل الجيش اللبناني وتطويقه المنطقة بالملالات والآليات العسكرية لفتح الطريق، تحوّل الاحتجاج إلى عملية كرّ وفرّ بين المحتجين وعناصر الجيش اللبناني تزامنًا مع ظهور مسلحين على أسطح المباني في عين الرمانة، حيث كان يحمل بعضهم مناظير، وراحوا يطلقون النار على المحتجين، ما أدّى إلى سقوط شهيدين اثنين وعدد من الجرحى، وفقًا لما جاء في بيان الجيش اللبناني حينها.
لم يخلُ بعض القضاء اللبناني من التبعيّة الداخلية والخارجية والتسييس، حيث وصل الحال إلى استثمار دماء الشهداء الذين سقطوا في انفجار 4 آب في مرفأ بيروت لتحريك البوصلة في عكس وجهتها الصحيحة وتوجيه الاتهام نحو أشخاص معينين لإعلان براءة أصحاب الأيدي الملطّخة بالدماء.
لم يستمع بيطار إلى الرئيسين ميشال عون وميشال سليمان، وغضّ النظر عن استدعاء رؤساء الحكومات السابقين واكتفى بطلب الرئيس السابق حسان دياب ووزراء حاليين دون السابقين بالإضافة إلى عدم سؤاله القضاة الذين أعطوا الإذن بدخول النيترات إلى مرفأ بيروت، فظهر تقاعسه عن القيام بواجبه كاملًا كما يجب، وظهرت الاستنسابية والتسييس في عمله واستهدافه السياسي لجهات معينة دون أخرى.
تعقيبًا على هذه الخطوات، دعا الثنائي الوطني، حزب اللّه وحركة أمل، إلى تظاهرة سلمية أمام قصر العدل تنديدًا بالخطوات المتبعة من قبل القاضي بيطار. لكن سرعان ما تحوّلت التظاهرة السلمية إلى محاولة إشعال حرب أهلية بعد قيام عدد من القناصين التابعين لحزب القوات، والمتمركزين على أسطح المباني بإطلاق النار نحو المتظاهرين السلميين وإشعال المواجهة بالرصاص الحيّ، ما أدى إلى سقوط 7 شهداء من ضمنهم امرأة قضت في منزلها قنصًا من قبل مسلّحي القوات المأمورين بقيادة سمير جعجع، أحد أمراء الحرب الأهلية التي مرّت على لبنان.
هل ينجح الأميركي في جرّ الأطراف نحو حرب أهلية وعملية تقسيم داخلي؟ إنه مسلسل أميركي طويل، بحلقات ومراحل مختلفة وفقًا للتوقيت والمكان الذي يريدونه ويناسب أهدافهم وتطلّعاتهم في المنطقة. فهذا السلاح الذي يقول عنه أتباع أميركا إنه “غير شرعي” لطالما كان وما زال يهدّد وجودهم ومصالحهم السياسية والعسكرية في المنطقة، والذي لم يُرفع يومًا في وجه أحد من الشركاء في الوطن، ها هم يحاولون جرّه إلى مواجهات داخلية وحرب أهلية تُضعف قواه وتدنّس صورته المقاومة أمام أبنائه والعالم أجمع. وهذا الأمر غير وارد لدى حزب اللّه؛ فهذا الحزب الواعي والحكيم والعنيد، الذي لطالما عضّ على الجرح واستقبل الاتهامات الباطلة بقلبٍ صابرٍ ورحب، لن ينجرّ أبدًا نحو ما يريده الأميركي والاسرائيلي. وقد أظهرت أحداث خلدة وسقوط الشهداء والجرحى ظلمًا والأحداث السياسية الأخيرة مدى حكمة هذا الطرف. فهذا الغضب الذي لطالما دعا السيد حسن نصر الله إلى حفظه ليوم أسود على الظالمين، بسلاح الصبر والبصيرة، لن يُفجّر في هكذا أحداث ومواقف مدروسة ومخطّط لها سابقًا، وسيخيبون كما خابوا دائمًا والقصاص سيُؤخذ حتمًا، لكن من رأس الأفعى مباشرة وليس عبر أذيالها. فاصبروا على جمر الليالي فإنها تمطر فتنًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.