أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الخميس عن الأسير ماهر يونس بعد 40 عاما قضاها في السجون الإسرائيلية.
ووصل ماهر يونس إلى منزل عائلته في بلدة عارة بالداخل المحتل، حيث عانق والدته الثمانينية لأول مرة منذ 40 عاما، وهي التي زارته على مدى العقود الأربعة الأخيرة في 36 معتقلا إسرائيليا تنقل بينها الأسير يونس.
وقبل وصوله إلى منزله زار يونس قبر والده الذي توفي عام 2008، لكن والدته وحال وصوله للمنزل قامت بإلباسه عباءة والده الذي فارق الدنيا بعد 25 عاما من سجن فلذة كبده الذي أدانته محكمة للاحتلال بالمشاركة في قتل جندي إسرائيلي مع ابن عمه كريم يونس الذي قضى نفس المدة في السجن وأفرج عنه قبل أسبوعين.
وتمكن المئات من أبناء بلدة عارة وفلسطينيي الداخل من الوصول إلى منزل ماهر يونس على الرغم التضييقات التي فرضتها شرطة الاحتلال ورغم الاقتحامات التي نفذتها لمنزله خلال الأيام القليلة الماضية لتحذير العائلة من أي مظاهر للاحتفال بحرية ابنها.
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قد عقد اجتماعات مع قادة الشرطة لمنع الاحتفالات بحرية ماهر يونس كان آخرها قبل ساعات من الإفراج عنه، لكنها لم تفلح في منع مظاهر الاحتفال عند وصول يونس إلى منزله.
وكان منزل عائلة الأسير المحرر ماهر يونس في بلدة عارة بالداخل الفلسطيني قد تحول إلى ما يشبه الزنزانة المحاطة بجدران وسياج وهمي حددته الشرطة الإسرائيلية لمحاولة منع مظاهر الاحتفال بحريته.
والدة يونس.. 40 عاما من الدموع
وفي حديث للجزيرة نت قالت والدة الأسير يونس الحاجة وداد للجزيرة نت إنها لا تتذكر خلال 40 عاما من أسر ابنها آخر مرة احتضنت نجلها ماهر.
وتسرد الوالدة للجزيرة نت بمشاعر مختلطة بالدموع والفرح، قائلة “فقط مرة واحدة خلال 40 عاما سمحت لي إدارة السجون بلقاء ابني ماهر لدقائق معدودات تمكنت خلالها من احتضانه وتقبيله والتقاط صورة تذكارية معه”.
ومع لحظات ومشاهد الأفراح بالحرية تعود الوالدة إلى تاريخ اعتقال ابنها في يوم 18 يناير/كانون الثاني 1983، حيث اعتقل برفقة أبناء عمومته كريم وسامي يونس، ووجهت لهم تهمة قتل جندي إسرائيلي والخيانة، وذلك في وقت كانت العائلة تستعد للاحتفال بزواج ماهر.
وبتحرره أغلقت “أم الأسرى” دائرة الحزن والآسي لتحتفي بعرس الحرية، لتعود بدواليب الحياة إلى ما قبل 40 عاما، حيث توقف قطار الحياة عند التحضيرات لتزويج ماهر الذي بحريته أعاد الحياة والبسمة إلى عائلته ووالدته التي أمضت نصف عمرها تتنقل بين المعتقلات تنتظر لتعيش لحظات احتضان ولمس وعناق وتقبيل فلذة كبدها ماهر.
ورغم حرية ماهر فإن والدته تقول إن شعورها بالفرحة منقوص، وتضيف “أشعر بالحزن والأسى، صحيح فرحتي لا توصف بالكلمات بتحرر ابني ماهر، لكن مشاعري مختلطة، وقلبي مع جميع الأسرى، آلاف من أولادنا في السجون، آلاف من العائلات تعيش معاناة الأسر والسجن الكبير في الوطن والارتهان لسياسات وممارسات السجان، فرحتنا ستكتمل بتبيض كافة السجون”.
من هو ماهر يونس؟
في التاسع من يناير/كانون الثاني 1958 ولد ماهر يونس في بلدة عارة بالداخل الفلسطيني، وترعرع إلى جانب شقيق واحد و5 شقيقات، تتلمذ وأنهى دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارس البلدة، ثم أكمل دراسته الثانوية بالمدرسة الزراعية في مدينة الخضيرة.
في سن 25 عاما وحين كان يحضّر ماهر لزفافه اعتقل بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 1983، ووجهت له النيابة العسكرية الإسرائيلية مع أبناء عمومته كريم وسامي يونس تهم الانتماء إلى حركة فتح، وحيازة الأسلحة، وقتل الجندي الإسرائيلي أفراهام برومبرغ في العام 1980.
وحكمت المحكمة العسكرية في نابلس على ماهر وكريم وسامي بالإعدام شنقا بزعم “خيانة المواطنة” كون الجنسية الإسرائيلية فرضت عليهم، بيد أن المحكمة خففت العقوبة إلى السجن المؤبد مدى الحياة، حيث حددت السلطات الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2012 حكم المؤبد بـ40 عاما.
حرمت سلطات السجون الإسرائيلية ماهر خلال 4 عقود من الأسر الزواج وتأسيس عائلة، وكذلك من زيارة أبناء وبنات شقيقه وشقيقاته، وعائلته من الدرجة الثانية، كما رفضت المحكمة الإسرائيلية التماسا تقدم به الأسير ماهر عام 2008 للسماح له برؤية والده وهو يحتضر، فتوفي دون أن يسمح له برؤيته وتوديعه والمشاركة في جنازته.
لا خيمة ولا حلويات ولا علم فلسطينيا
وتروي محطات تحرر ماهر -بحسب شقيقته نهاد- “الإجراءات القمعية ومنع مظاهر الاحتفاء بالحرية للأسرى المحررين وعائلاتهم، وذلك في محاولة لترهيب الشعب الفلسطيني ومنعه من احتضان الأسرى ومشاركتهم فرحتهم بالانتصار على السجان”.
وسردت نهاد للجزيرة نت الإجراءات والتقييدات التي حددتها الشرطة الإسرائيلية لمنع الاحتفال بحرية ماهر، حيث هددت باقتحام المنازل في حال نصبت خيمة لاستقبال المهنئين بحرية ماهر وفي حال رفع العلم الفلسطيني أو سمعت عبر مكبرات الصوت الأغاني الوطنية والأهازيج، وكذلك منع توزيع الحلوى وحظر شواء اللحوم.
تقييدات واستفزازات
وأشارت شقيقته إلى “المعاناة والواقع الذي تعيشه عائلات الأسرى بآلامها وآمالها، والحلم بحرية الأسرى”، مبينة أن السلطات الإسرائيلية باتت تضجر حتى من مظاهر الاحتفال بحرية الأسرى، حيث إن تهديداتها وتحذيرات وإجراءاتها القمعية بحق المحررين وعائلاتهم تعكس حالة الضعف والخوف التي تعيشها إسرائيل.
وتعتقد نهاد أن ما تعرضت له عائلتها من إجراءات وتقييدات وتهديدات من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتي سبقت تحرر شقيقها ماهر ستنعكس على الحركة الأسيرة داخل السجون التي تخوض معركة رفضا للإجراءات التي يحاول فرضها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير.
ووصفت ما يعيشه الشعب الفلسطيني الساعي للتحرر والاحتفاء بحرية الأسرى بـ”معركة صبر وإرادات” تعيشها عائلات الأسرى المحررين مقابل الاستفزازات والإجراءات التعسفية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين عبر محاولات استعراض القوة، وهو ما يعكس المأزق الذي تعيشه إسرائيل.
الجزيرة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.