فضيحة جديدة تضاف الى فضائح الحكومات اللبنانية المتعاقبة، تتمثل في ما كشفته مصادر عن قيام وزارة الخارجية الاميركية بالتحايل في وضع بنود تشترط قيام الجيش اللبناني بتنفيذ مهام تخدم المصالح الاميركية عبر إدراج بعض البنود الملحقة في حزمة المساعدات المقررة لمصلحة الجيش اللبناني بطريقة تدفع على التساؤل؛ فالخارجية الأميركية التي أقرت هذا العام زيادة المساعدة السنوية الرسمية للجيش اللبناني بنسبة 25% لتبلغ 160 مليون دولار، سربت بنودًا أخرى ملحقة غير واردة في المساعدة الرسمية أقل ما توصف بأنها تلفيقية بقيمة تعادل 30-35 مليون دولار، وأدرجت هذه البنود تحت العناوين التالية:
1 – مكافحة التهريب، وأدرجت في الأسباب الموجبة أولوية الحد من “مشروع حزب الله الخاص بتهريب المخدرات عبر الحدود اللبنانية السورية”.
2 – مكافحة الإرهاب، ومن ضمنها مكافحة حزب الله وحلفائه.
3 – مكافحة تبييض الاموال، وأدرجت في الأسباب الموجبة منع وتعطيل “قيام حزب الله عبر شبكات سرية بتبييض الاموال عبر دولتي بينين الافريقية والصين”.
فبدلًا عن قيام الاميركيين بالاتفاق مع الحكومة اللبنانية على تفاصيل المساعدات للجيش تتطاول واشنطن بشكل وقح وتسخر اتفاقيات سابقة لتحويل الجيش الى خادم لأهدافها في لبنان بدلًا عن أن يخدم شعبه وجنوده أولًا.
هذه الفضيحة تعيد الى الواجهة قيام الحكومات اللبنانية المتعاقبة بتضييع كنز من أربعين مليارًا من دولارات اللبنانيين جرى نهبها عنوة وبقرار مسبق من الحاكمين، في جريمة لا يمكن وصفها إلا بالحرب المباشرة والمقصودة على فقراء لبنان.
الاتحاد الاوروبي والاوروبيون كانوا مستعدين ولا يزالون لدفع ما يقارب الاربعة مليارات دولار سنويًّا للشعب اللبناني اي الى خزينة الدولة دون أي قيد أو شرط بهدف ابقاء السوريين اللاجئين الى لبنان في مخيماتهم كورقة ضغط ضد الدولة السورية وضد حلفائها في لبنان، ومنع السوريين واللبنانيين من الهجرة غير الشرعية الى اوروبا عبر البحر. لا بل إن الاتحاد الاوروبي ودوله التي تدفع مئات ملايين الدولارات سنويًّا للاجئين السوريين (بصيغة رواتب لكل فرد منهم يقبضها نقدًا عبر بطاقات خاصة او عبر الشراء المباشر من السوبر ماركت المتعاقد معها)، كان مستعدًّا لدفع رواتب مماثلة للفقراء اللبنانيين، وكان مستعدًّا لتمويل مشاريع انتاجية في القرى التي لجأ اليها السوريون بعد العام 2011 حتى يتقبل اللبنانيون ضيوفهم، لكن أحدًا في لبنان لم يطالب بتلك الاموال ولم يقم بما يجب للحصول عليها او حصل عليها البعض وتبخرت.
ولو قارنّا بين ما يتلقاه كل من الأردن والاتراك مقابل منعهم اللاجئين من القيام بالهجرة غير الشرعية الى اوروبا وما يتلقاه لبنان لرأينا حجم الفضيحة التي يتحملها كل من شارك في الحكومات اللبنانية منذ العام 2011 وحتى اليوم.
ومن الواضح أن في الأمر شبهة فساد وتبادل للمصالح بين دول اوروبا وشخصيات لبنانية فاعلة ربما جرى تعويضهم بشكل شخصي عن تضييع فرصة منح اللبنانيين مساعدات بقيمة اربعين مليارًا في عشر سنوات مضت كما حصل مع الاردن وتركيا.
وتطلب التعامل الدولي مع الشعب اللبناني كما يتعامل الاردن وتركيا تمامًا والحصول على مساعدات جدية اولها تمكين الجيش من منع الهجرة وفي الوقت عينه من القيام بعمليات انقاذ تتيح اعادة المهاجرين غير الشرعيين بطريقة آمنة الى البر.
تلقى كل من الاردن وتركيا عشرات المليارات من الاموال النقدية المباشرة خلال السنوات العشر الماضية وتلقوا ايضًا العشرات من المليارات في مشاريع غير مباشرة موجهة لدعم البيئة التي تستضيف اللاجئين السوريين، فكم تلقى لبنان؟
هذا في حين تمنن الولايات المتحدة لبنان وجيشه بمئة وستين مليون دولار من المساعدات التي يشمل اغلبها معدات بالية وقديمة وغير فعالة ويجري سحبها من خدمة الجيش الاميركي وتصديرها الى لبنان ثم تسجل اسعارها في ميزانية المساعدات بأضعاف مضاعفة للجيش اللبناني الذي يعاني جنوده وضباطه من قلة وفقر معيب ولم تعد رواتبهم تكفيهم، فيستعينون بعائلات واقارب ليكفوا انفسهم واطفالهم شر العوز في حين يؤمرون بتنفيذ مهام بحرية لمنع الهجرة غير الشرعية بما يفوق قدراتهم وقدرات جيشهم اللوجستية بحيث انهم لا يملكون المعدات ولا العديد، ثم تتبجح الدول الاوروبية واميركا بما تقول انه مساعدات عينية للجيش الذي يتلقى الضابط فيه حاليًّا راتبًا لا يزيد عن ثلاثمئة دولار، ويتلقى الجندي ذو الاقدمية التي تزيد عن عشر سنوات ما لا يفوق الثلاثين دولارًا شهريًّا، في حين كان يمكن للحكومات المتعاقبة ان تفرض على الاوروبيين ما فرضه كل من الاردن وتركيا من مساعدات فلماذا لم يفعل السياسيون ذلك؟
ولماذا ينفذ الجيش مهامَّ تدفع اوروبا عشرات المليارات سنويًّا لبعض الدول وعلى رأسها تركيا لتقوم بمثلها؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.