كانت الهجرة، ولا زالت، أبرز سمات المجتمع اللبناني عبر التاريخ وإلى يومنا هذا. مئات الآلاف من أبناء الوطن اختاروا الهجرة سبيلًا للنجاة وسبيلًا للحياة، بعد أن أصبحت الحياة في ربوع الوطن تحتاج إلى نضال شاق وطاقة هائلة، ولم يعد اللبناني قادرًا على تحمّلها. وما نشهده اليوم من موجة هجرة هائلة، يطرح علامات استفهام عن واقع هذه الظاهرة وأسبابها ومخاطرها على مختلف الأصعدة.
معدلات الهجرة تحلّق عاليًا
شهدت معدلات الهجرة في الفترة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا جدًا مقارنةً بالفترات السابقة، ففي إحصاء أجرته “الدولية للمعلومات”، تبين أن عدد اللبنانين المهاجرين خلال سنة 2021 قد بلغ 77,777 فردًا مقارنةً بـ17,721 فردًا خلال العام 2020، وأن العدد الإجمالي للبنانيّين الذين هاجروا خلال الفترة الممتدة من عام 2018 لغاية 2021 قد بلغ 195,433 لبنانيًّا.
أما فيما يتعلق بأسباب الهجرة، فإنها ترتبط بشكل أساسي بالأزمة الاقتصادية التي تفرض نفسها في مقدمة الدوافع المسببة للهجرة، فما يشهده لبنان اليوم يُعد أسوأ أزمة اقتصادية شهدها في تاريخه، هذه الأزمة التي تزامنت مع انهيار سعر صرف العملة وخسارتها لأكثر من نصف قيمتها، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وفقدان مقومات الحياة اليومية الأساسية من أدوية وكهرباء ومحروقات وغيرها.
هذه الأزمة الاقتصادية التي انعكست على جوانب الحياة كافة، شكلت عوامل ضغط اجتماعي ونفسي، ولم تترك بصيص أمل للبناني ليفتش عن خيارات لعيشه، إلا أن فرص البقاء كانت تقريبًا شبه معدمة.
مخاطر الهجرة لا تحمد عقباها
لم تترك الهجرة بيتًا من بيوت اللبنانين إلا وطرقت بابه. وغالبًا ما وقع الاختيار على العنصر الشاب والكفؤ والمتعلم. ومع ازدياد هجرة الأدمغة، لا سيما الشباب، باتت المخاطر أكثر صعوبة وتأثيرًا على الواقع اللبناني؛
فالشباب اللبناني يشكل العنصر الأكثر فعالية وإنتاجية في الاقتصاد اللبناني، ومع هجرة الفئات الشابة فإن لبنان سيفتقر بشكل كبير جدًا لقدراتهم في بناء الاقتصاد وتحريك عجلة الإنتاج، فضلًا عن أن العنصر الشاب في المجتمع اللبناني هو الأكثر قدرة على التغيير السياسي الإيجابي في البلاد.
ومن ناحية أخرى، لا بد من الإشارة الى أن مخاطر الهجرة ستطال أيضًا القطاعات الاقتصادية الأساسية التي يقوم عليها البلد، كالقطاع المصرفي والصحي والخدماتي والتعليمي، نظرًا لغياب الكفاءات العالية والاستثمارات.
وأمام هذا الواقع المرير، فإن صرخة اللبناني لم تصل بعد الى آذان المسؤولين وضمائرهم، ولم تحرك لهم ساكنًا، هؤلاء الذين كانوا خلف كل بلاء حل بنا، عاشوا على وقع ألم شعبهم، وتخاذلوا وتآمروا على من اختارهم يومًا ممثلين عنه، على أمل أن يغيروا واقع الناس وينهضوا بهم لا على حسابهم، هؤلاء الذين صدّروا للعالم أغلى ما في وطنهم، وعاثوا في الأرض مفسدين، وما جزاء المفسدين إلا كما قال القرآن الكريم: (لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)”المائدة؛ 33″.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.