بعد استعراض أصل وأبعاد المواجهة يتبادر إلى ذهن الكثيرين السؤال التالي :
ما هو الدور الذي يربط داعش بحرب المحاور؟ وما هي العلاقة بين الإمام المهدي وداعش والبغدادي؟
لقد أظهرت التصريحات العديدة والموثقة لمسؤولين أميركيين بارزين سابقين بالإضافة إلى العديد من التقارير الإعلامية والصحافية وبشكل لا يقبل معه الشك، مدى العلاقة المباشرة التي تربط داعش بالقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الصهيونية العالمية التي لعبت دورًا كبيرًا في نشأة هذا التنظيم ومساعدته على الانتشار وإقامة إمارته المزعومة، بالإضافة إلى استخدامه لزعزعة أمن المنطقة وإسقاط دول المحور وخلق فتنة مذهبية وأمور أخرى. ويجب التنويه إلى أن المعلومات التي تحدثت عن العلاقة بين الولايات المتحدة وداعش متوفرة بشكل كبير في الفضاء الإعلامي والسياسي. ونظراً لتشعب الموضوع سوف نكتفي، وباختصار، بالحديث عن الكيفية التي نشأت عليها داعش، والتخريجة التي ظهرت من خلالها إلى العلن، إضافة الى قراءة متأنية لدلالات تصرفاتها العملية وأبعاد خطابها الديني، والهدف الاستراتيجي الكلي لإنشاء التنظيم، لنعرج أخيرًا على إيضاح الرابط بين كل ما تقدم والصراع بين الغرب “التوراتي المتصهين” والشرق “المهدوي”.
لقد اثبت الغرب التوراتي، الذي تتزعمه أمريكا والصهيونية العالمية، من خلال القراءة الدقيقة للظاهرة الداعشية بشخص زعيمها، والكيفية التي قدمت بها هذه الظاهرة ابتداءً من بداية انطلاقها، مستخدمةً أسلوب التخفي والعمل السري ومن ثم الانتقال إلى الظهور العلني لشخص البغدادي وحشد مقاتلين من أنحاء مختلفة من الأرض واستخدام مصطلحات إسلامية محددة، بأنه قرأ عميقًا ومطولًا في الموسوعة الدينية والفكرية الإسلامية وفي المشروع السياسي للمحور الممهد لصاحب العصر والزمان. لقد أثبتت الأحداث أن الغرب المتصهين على اطلاع واسع ومعرفة نوعية بأدق التفاصيل والسمات التي تحيط بالمشروع المقدس للقوة المؤمنة والممهدة لظهور الإمام المهدي.
لقد عمل، الغرب المتصهين المعادي للمشروع المهدوي ويعمل، ضمن استراتيجية يمكن أن نسميها باستراتيجية المواجهة الاستباقية، التي ترتكز على عمل محترف عماده تشويه صورة الحركة المهدوية بكل مكوناتها لا سيما صورة قائدها الإمام المهدي وطريقة ظهوره وما يختزنه هذا الظهور من مبادىء ناصعة في وجدان المؤمنين بالقضية المهدوية.
إن المراقب لبداية حركة داعش، والطريقة التي أطل من خلالها زعيمها أبو بكر البغدادي، والشعارات والنظريات الثورية التي رفعها ذاك التنظيم، والإجراءات العملانية التي قام بتطبيقها على الصعيد العسكري والسياسي والثقافي، لا يجد صعوبة في اكتشاف وملاحظة التطابق الكبير بين ما كان يفعله داعش وزعيمه، مقارنةً بالأمور التي من المفترض أن يقوم بها الإمام المهدي وأنصاره.
إن العارف بالقضية المهدوية والقارئ للأحاديث والروايات المتعلقة بحركة الظهور، المأخوذة من كتب ومراجع التراث الإسلامي بشكل عام والشيعي بشكل خاص، والتي تستفيض في تبيان شخصية المهدي عليه السلام وفي علامات ظهوره وحركته وبرنامج عمله ونوعية خطابه، لا يجد صعوبة في ملاحظة تطابق، وبشكل كبير، لهذه الأحاديث والتعاليم والمبادىء مع ما قام به التنظيم الداعشي وزعيمه.
لقد قام الغرب، بجدارة وبدقة متناهية، بدراسة الأحاديث المتواجدة في الكتب الشيعية بشكل خاص، والتي تفصل ملامح شخصية الإمام المهدي وتبين مسار ظهوره وحركته وشكل أتباعه، بالإضافة إلى برنامج عمله، ليعمل على إسقاطها على تنظيم داعش وعلى زعيمه أبو بكر البغدادي وبالطبع مع إدخال عوامل تشويهية والتركيز على عامل المبالغة الإجرامية إذا صح التعبير.
ولأجل فهم ما تقدم ولتبيان مدى الخبث الذي عمل عليه الغرب لضرب المشروع المهدوي، يكفينا أن نعيد إلى الأذهان أفعال داعش وزعيمها. إذ ليس صدفة أن يظهر شخص كالبغدادي، المعروف في انتمائه السني الوهابي التكفيري الناصبي، بلباس أسود وعمامة سوداء، لباس متعارف عليه على أنه لباس يختص به علماء الدين الشيعة وبالتحديد المنحدرون من آل البيت عليهم السلام، أضف إلى ذلك التصريح العلني للبغدادي والذي ادعى فيه أنه ينحدر من سلالة علي بن أبي طالب ورسول الله (ص)، أي أنه هاشمي قرشي، وبالتالي “سيد”، مع العلم أنه، كما أشرنا سابقًا، ينتمي إلى مذهب مختلف بل يمكننا القول إنه في المذهب المعاكس، الأمر الذي لا يدع مجالًا للشك في بعده عن السلالة النبوية وبالتالي السلالة الهاشمية وعلي عليه السلام، وإن البغدادي بعيد كل البعد عن علي (ع) وعن قيم آل بيت النبوة.
وليس من الصدف أيضًا أن يبدأ البغدادي ويعلن عن حركته بشكل خفي ويقوم بإصدار أوامره والإعلان، من وراء الحجب، عن برنامجه “الجهادي” وحروبه “المقدسة” وعن إعادة إحياء الخلافة الإسلامية المزعومة. إن كل المتابعين للأبحاث وللأحاديث المتعلقة بظهور الإمام وبحركته، وللروايات المعتبرة في الكتب الشيعية، يعلمون علم اليقين بأن الإمام المهدي المنتظر سوف يبدأ حركته متخفيًا ومن ثم يظهر إلى العلن ويجتمع حوله الأصحاب ويأتيه الأنصار بالآلاف من كل حدب وصوب، ويقوم بتشكيل جيش من خارج الأنظمة التقليدية، أي أنه سوف يشكل، ما يعرف بالمفهوم المعاصر، ميليشيا، ويعمل على إسقاط وإخضاع كل الأنظمة بقوة السلاح حصرًا، ويعمل على تطهير المجتمع من المخالفين والمعارضين وأنه من أولى إجراءاته القضاء على الكثير من علماء الدين ومحاربة المسلمين المشككين “المرتدين” إلخ…
والمفارقة أن كل هذه الأمور قد شهدناها مع ظهور داعش ومنذ اللحظة الأولى لخروج البغدادي إلى العلن.
لقد قام البغدادي بالتطبيق الحرفي لكل ما جاء في روايات الحركة المهدوية والبرنامج السياسي والعقائدي والعسكري المرتبط بالإمام وحكومته؛ فقد شاهدنا الممارسات العنيفة لداعش بالإضافة إلى إعادة إحياء قوانين واجراءات مرتبطة بالتراث السياسي للخلافة الإسلامية كالجزية والسبي وأحكام الإعدام والحرب على المرتدين ومحاربة الأنظمة “الكافرة” التي تخالف تعاليم الإسلام ولا تسير عل “منهاج النبوة”.
وفي هذا الإطار يمكننا القول إنه ليس بالسر الخفي الأحاديث المشهورة في التراث الروائي الشيعي والتي تتحدث عن أن الامام وبعد ظهوره سوف يقدم صورة مختلفة للإسلام والفقه ويعمل على تنقية الدين من الشوائب إلى حد يدفع معه الناس إلى القول إن المهدي قد أتى بدين جديد. وعلى صعيد آخر نجد أن التراث الشيعي يقدم من جهته صورة قاسية لشخصية الإمام، رجل صارم حازم حاسم، شديد في قراراته، وتؤكد هذا المعنى بعض الروايات كتلك التي تشير إلى أن الإمام يقوم أو يأمر بقتل الحارس الذي يقف على يمينه. ناهيك عن موضوع إنشائه لجيش جرار، معظمه من الشباب المتحمس الزاحف من مختلف دول العالم، والذي من المتوقع أن يصنف من قبل الأعداء بالميليشيا الإرهابية. فالإمام كما تبين الأحاديث، يظهر فجأة ومن خارج النظم والأحزاب والجيوش. والأمر لا يحتاج إلى الكثير من التحليل لنصل إلى القول إن كل هذه الأمور تتطابق مع الكيفية التي ظهر من خلالها البغدادي وكل ما قام به تنظيم داعش.
لقد عمل الغرب، من خلال إنشائه ودعمه لداعش، على صنع صورة ذهنية مسبقة عن الإمام المهدي وحركته، مشبعة بالسلبية ومشوهة بالوحشية، ليتم استخدامها لاحقًا في المعركة القادمة ضد الإمام عند ظهوره وانطلاق حركته؛ فالخطاب الإعلامي جاهز، ومفرداته معدة سلفًا؛ إن هذا الذي يدعي الإمامة ويدعو إلى إسقاط الأنظمة وفرض تعاليم متشددة ليس إلا نسخة مكررة عن الإرهابي أبو بكر البغدادي وإن حركته ومناصريه ليسوا سوى إرهابيين كأرهابيي داعش، ذباحين قتالين تدميريين يريدون إعادة الناس إلى العصور الوسطى. وهكذا عندما يسترجع الناس الصورة الذهنية للفترة الداعشية فإنهم بالتأكيد سوف لن يتقبلوا هذا الإمام وسوف يرفضون ما يدعو إليه وما يقوم به رفضًا قاطعاً.
إن برنامج المواجهة المستند إلى مفهوم الصورة الذهنية المسبقة سوف يستمر ويدعّم بعد ذلك بالجزء الثاني أو بالسلاح الثاني المكمل للأول وأقصد هنا سلاح الإعلام، فلن يكون أمرًا مستغربًا أن تتخذ الحملة الإعلامية في أثناء ظهور الإمام بعضًا من الأرشيف القديم الفعال والمجرب: أي إمام هذا الذي تتحدثون عنه؟ وأي ابن رسول الله؟ وأي إسلام هذا الإسلام؟ هذا أبو بكر بغدادي آخر وداعشي جديد وأتباعه هؤلاء مجرد ميليشيات كميليشيات داعش التي لم تعرف سوى القتل والسبي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير والفعال للإعلام الحالي المدعوم والمدفوع من الغرب والذي عمل ويعمل بجد وعلى خط متوازٍ مع ما قامت وتقوم به داعش، ليتم تغذية وخلق أرشيف للصورة الذهنية الاستباقية، عبر التركيز على الأعمال الوحشية التي ينفذها التنظيم المجرم، ليتم ربطها آليًا وبشكل بديهي بالمعتقد (بالارتكاز على الروايات المأخوذة من كتب السنة والشيعة). إن الإضاءة على هذه الأعمال وتضخيمها وتكرارها ووصفها بالأعمال الإرهابية، لهو أكبر دليل على خلفية مديري هذه الحملات واهدافهم الخبيثة والبعيدة المدى.
إن كل ما رأيناه في فترة داعش من عمليات نشر للفيديوهات التي تصور وبوضوح عمليات القتل وقطع الروؤس والنشر غير المحدود لمحتويات إعلامية مليئة بمستوى غير مسبوق من مشاهد إجرامية من قبل وسائل إعلام، والتي على الأغلب مصنفة من الوسائل المتحضرة، الحريصة على المشاعر الإنسانية، بل أغلبها من الملتزمين “أخلاقيًّا ومبدئيًّا” بالمواثيق الدولية التي تحرم على الإعلام نشر مشاهد عنيفة أو اي صور لقتلى الحروب، إن استرسال الإعلام، الموجه والتابع، بنشر هذه الأمور يأتي ليؤكد على اليد الخبيثة التي تحرك وتدير وتخطط لهكذا نوع من الأعلام.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.