مؤتمر أربيل دعوة للتطبيع أم للتمييع؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تخيم الشبهات والشكوك حول مؤتمر الخيانة في أربيل والذي عقد بحضور ثلاثمائة شخصية عراقية من بينهم شيوخ عشائر وجنرالات متقاعدون وناشطون في المجتمع المدني من ست محافظات عراقية يوم الجمعة الماضي.
فبعد الفضيحة المدوية لمؤتمر التطبيع هذا تحت عنوان “السلام والاسترداد” تتالت الاستنكارات الرسمية بدءاً من رئيس الجمهورية فرئاسة الوزراء ومن رئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي. وللحلبوسي الحصة الأكبر من الشبهات على ما يبدو كون أحد الحضور البارزين من أقاربه وهو الشيخ ريسان الحلبوسي شيخ قبيلة البومطر والذي أدلى بتصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أكد فيه على ضرورة التعايش بسلام مع اسرائيل الدولة الجارة وأنه آن الآوان ليرتاح الشعب العراقي من الصراعات على مبدأ أن اسرائيل دولة قوية ولكن لا يمكن “أن يتغير رأي الناس بليلة وضحاها، لكن مع مرور الوقت تتغير الأفكار”.

الأخطر أن الشيخ الحلبوسي يعلم اذاً أن المزاج الشعبي العراقي لا يتقبل فكرة التطبيع الآن، فلماذا طرحه في هذا التوقيت؟
التمهيد لتقبل سماع الفكرة بداية ومن ثم يبنى على الشيء مقتضاه، يمتص الشارع الصدمة ليعاد تكرارها في مناسبة أخرى ومع الوقت يمكن استحسان الفكرة في دائرة اوسع وصولاً لتوطئة الأرضية الفكرية التي تتماشى مع هذه المنطلقات.

ما جرى يذكرنا بتجربة الاستفتاء الذي أجراه اقليم كردستان للاستقلال وقرر بذلك الأكراد الانفصال عن العراق عام ٢٠١٧، إلا أن الحلم وئد في مهده وعاد الأكراد إلى الادارة المركزية في بغداد وتبادلوا الاتهامات فيما بينهم. الحال كذلك اليوم الكل يتبرأ من هذا المؤتمر حتى رئاسة اقليم كردستان حيث أصدرت الداخلية في الاقليم أنها على غير علم بانعقاد المؤتمر في أهم فنادق أربيل! وكل من يزور كردستان يعلم أنه لا يمكنك العبور بدون موافقة بين اربيل والسليمانية فكيف بمن جاء من المحافظات العراقية؟! فضلاً عن الحماية المولجة بأمن المؤتمر وهم من الأمن الكردي. كما أن العلاقة بين أكراد كردستان والموساد ليست خافية على أحد والأكراد لا ينكرون ذلك.

أما رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي والذي تربطه علاقات وطيدة بالامارات، فشدد على ضرورة محاسبة المشاركين في المؤتمر، وهنا يطرح سؤال آخر: مَن أبرز المشاركين؟

السيدة التي تلت البيان الختامي هي سحر الطائي مديرة الأبحاث في وزارة الثقافة وهي محسوبة على الحلبوسي ومقربة من مدير مكتبه وفقاً لما نقلته قناة آي نيوز العراقية، التي تحدثت في نشرة أخبارها عن تورط رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي مباشرة وبدعم اماراتي في مؤتمر التطبيع واتهمته بأنه هو من أرسل الشيخ ريسان الحلبوسي لحضور المؤتمر!

الغريب أنه شدد على ضرورة إنزال العقوبات القانونية الصارمة بحق المشاركين في المؤتمر والتي تصل إلى حد الاعدام وفقاً إلى المادة ٢٠١ من قانون العقوبات العراقي لكل من “حبذ أو روج مبادئ صهيونية أو انتسب لأي من مؤسساتها أو ساعدها مادياً وأدبياً”. مادياً عُقد المؤتمر على أرضٍ عراقية وبرعاية أمريكية وحضور اسرائيلي ولو كان عبر الشاشة، فالحضور استمع لمداخلة تشيمي بيريز ابن شيمون بيريز الذي تحدث عن الكلمة الثانية في عنوان المؤتمر وهي استرداد والمقصود منها استرداد اليهود العراقيين لأملاكهم في العراق، أما أملاك الفلسطينين وأرضهم فمباحة لليهود لا بأس!
أما أدبياً، وما زلنا في رحاب القانون العراقي، فحدث ولا حرج، تخرج السيدة سحر لتدعو إلى تطبيع علني قائلةً “نحن لن نتخلى عن الاسرائيلين كما لن نتخلى عن الفلسطينيين”. مضحكٌ مبكٍ بالفعل أن تسمع هذا الكلام السطحي من مديرة أبحاث في وزارة الثقافة العراقية. الشيء المفيد عملياً من تداعيات المؤتمر هو مذكرة التوقيف التي صدرت بحق هذه السيدة التي كانت كارثة على الثقافة العراقية.

الجدير بالذكر أن القضاء العراقي أصدر مذكرة توقيف بحقها وبحق النائب السابق مثال الآلوسي المعروف بتأييده للتطبيع مع الكيان المحتل، على الرغم من أنه خارج العراق بداعي العلاج، وكانت قد صدرت مذكرة توقيف بحق وسام الحردان رئيس صحوة العراق.

أما راعي المؤتمر جوزف برود الصهيوني من أصل عراقي فيقطن نيويورك حيث مقر مركزه اتصالات السلام. وكان قد تنصل العديد من الحضور من أهداف المؤتمر بحجة عدم معرفتهم المسبقة بها، وأنهم لبوا على أساس الدعوة للفيدرالية في الأقاليم الغربية والوسطى. ويقول الكاتب العراقي في صحيفة الرأي اليوم د. سعد ناجي حداد باحتمال تضليل بعض الحضور كون المؤتمر تحدث عن شقين لا قاسم مشترك بينهما وهما الدعوة للتطبيع والدعوة للفيدرالية، إلا أنه يستهجن بنفس الوقت على الحضور بقاءهم بعد سماع الكلمات الداعية للتطبيع ومداخلة ابن بيريز شيمون، كيف يمكن لمشايخ عشائر أن تبقى تستمع لهذه الكلمات المذلة “والعتب على من وصل الى ارذل العمر ورضي ان يكون دمية بيد مجموعة من العملاء. ولا يستطيع احد من المشاركين ان يدافع عن نفسه بالقول بأنه لم يكن يعلم ان اسرائيل هي من يقف خلف هذه الفعالية، خاصة بعدما شارك ابن شيمون بيريز في المؤتمر والقى كلمته بالعبرية”، مستشهداً بأن الخطابات ظهرت وكأنها كُتبت للمشاركين نظراً لكثرة الأخطاء اللفظية. ويصف الكاتب مَن وقّت للمؤتمر بالغباء  قبيل الانتخابات خاصة أنه أي المؤتمر أظهر تماسكاً في الرفض لدى المجتمع العراقي الذي كنا نخشى عليه أيام أحداث تشرين عام ٢٠١٩ نظراً لاختلاط المفاهيم والتشويش الذي رافق الأحداث آنذاك. ظهر مشهدٌ مختلفٌ بالأمس فالغضب والرفض العراقي الشعبي كان جلياً، أما الموقف الحزبي فلا نكاد نجزم لأنهم أمام انتخابات لا يمكن المجازفة بالمواقف من بعض الأحزاب العراقية، كما أن مواقف الأحزاب الموالية لايران معروف بدعم القضية الفلسطينية وبالتالي فهي كالهدية بالمجان قبيل الانتخابات البرلمانية.

إلا أن د. حداد يرى أن المؤتمر يأتي في سياق الدفع المعنوي للكيان المحتل ليتمظهر بالنصر في ظل هزائم متكررة بدءاً من عملية الأسرى الستة في فلسطين وليس آخراً مع دخول النفط الايراني إلى لبنان عن طريق حزب الله. وجهة نظر قد تكون محقة في ظل الحروب النفسية والاقتصادية والسياسية المتنقلة على طول الإقليم والتي يبدو أنها وئدت في مهدها كما عبر بيان حزب الله الذي ندد فيه بمؤتمر التطبيع في أربيل وحيا الشعب العراقي على ثوابته تجاه القضية الفلسطينية.

يبقى أن نذكر بأن حدود اقليم كردستان كانت حامية من اسابيع بين القوات الايرانية التي قصفت اربعة مقرات لاحزاب كردية ايرانية معارضة، قيل إن للموساد تواجد فيها وربما سقط له خسائر، وكان اللواء محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الايراني قد طالب الحكومة العراقية وحكومة كردستان بعدم السماح لعملاء أميركا والكيان الصهيوني أن يتخذوا معسكرات للتدريب في الإقليم وإنشاء مخيمات ومحطات للاذاعة والتلفزة وتنظيم المؤتمرات.

فهل عقد مؤتمر أربيل يأتي في السياق نفسه، أم أنه محاولة لجس نبض الشارع العراقي ومعرفة مدى قابلية التقبل لهكذا طرح خاصة أن الولايات المتحدة واسرائيل وأتباعهما وعملاءهما في الداخل العراقي يعملون ليلاً نهاراً لايجاد وتوسيع الشرخ بين الدولتين الجارتين على نفس الوتيرة لما يجري في لبنان من شيطنة لحزب الله وإيران؟ ومن يعد الى تشرين اول عام ٢٠١٩ يدرك حجم التشابه في عمل السفارتين بين بغداد وبيروت فكأن الأولى تعزف والأخرى تتمايل، لكن تبقى العظة لمن أراد في مشهد الطائرة في أفغانستان، واللبيب من الإشارة يفهم.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد