مع بداية الاحداث التي عرفت بالسابع عشر من تشرين من العام ٢٠١٩، كانت كل القوى السياسية تعرف الى أين يذهب البلد، وللدقة أكثر، كانت كل تلك القوى السياسة تعرف الى أين يُدفع بالبلد لأن يصل، لا بل أكثر من ذلك، فإن الاحزاب التي امتطت الثورة يومها، طُلب منها أن تلعب دورًا يسهّل مع باقي عِدّة العمل الاميركية أن تطْبق الادارة الاميركية الخناق على اللبنانيين.
لم يعد من المجدي النقاش في ما اذا كان هناك حصار على لبنان أم لا، لأن إعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان كفيلًا بأن تقرّ السفيرة الاميركية دوروثي شيا بأن ادارتها كانت -ولا زالت- تضع الفيتو على حصول لبنان على حاجاته من الطاقة والمحروقات، بالاضافة الى توجيهات الادارة الاميركية باتباع المصرف المركزي سياسة مالية تناسب مرادها.
بالعودة الى الاحزاب التي ركبت الثورة، والدور الذي لعبته بارتداء وجهٍ جديد هو اقرب ما يكون الى وجه “المجتمع المدني” كحزب القوات مثلًا، فقد اخذ هذا الحزب ما يكفي من الفرص ليؤدي هذا الدور في الفيلم الاميركي الطويل، لكنه فشل، فحواجز البربارة التي كررها في نفق نهر الموت وجل الديب والشيفروليه، والاعتداء على اهالي ضحايا الرابع من آب في المرفأ، كذلك ضرب وطعن متظاهرين في الجميزة، لا تشبه السلوك الذي يتفق مع جمعيات المجتمع المدني، لكن أميركا، تحتاجُ في مشروعها قليلًا من كل شي، أي انها تحتاج وجه جمعيات المجتمع المدني كما تحتاج وجهًا ميليشاويًا يكون وقت الجدّ قوات!
والدور الميليشاوي لم يقتصر على حوادث نهر الكلب والشيفروليه والجميزة والمرفأ، بل يتعداه لكون الحرب التي تخوضها اميركا ليست عسكرية، بل اقتصادية تبحث فيها عن وسيلة تذلّ المواطنين، تزيد قهرهم وجوعهم ويأسهم، فخاضت معارك البنوك والطوابير -بعد ان اوعزت بتهريب المليارات الى الخارج- كذلك خاضت معارك طوابير الخبز، والدواء واخيرًا البنزين. طبعًا كل ذلك لا يمكن ان يحصل لولا فساد الداخل، ذاك الذي تتشاركه احزاب اميركا في لبنان، من المعسكرين الداخليين، وذلك لم يعد سرًا على احد.
اليوم، أعلنت القوى الامنية عثورها على مليون و٩٠٠ الف ليتر من البنزين، موزعة على ٣٨ خزاناً يحتوي كلٌّ منها على ٤٠ ليترًا في ارضٍ في زحلة دون أن تذكر اسم مالكها، او تنشر صورًا أو مقاطع فيديو كما فعلت في غير مرة. ولكن مصادر وزير الداخلية قالت إنها تعود لرجل الاعمال المعروف بقربه من القوات ابراهيم صقر. كما عثرت على كمية أخرى قبل مدة، تبرّأ منها الصقر وحزبه قائلًا إنها تعود لشقيقه، وليست له، ليضطر حزب القوات هذه المرة لأن يتبرأ من ابراهيم الصقر، حتى الصقر كان ليتبرأ من نفسه! وأتوقع بين اللحظة والاخرى ان يعود الصقر ليتبرأ من مخزون اليوم ايضًا. لكن السؤال الذي يثار هنا، هذه الـ ٣٨ خزانًا تحت الارض بقدرة استيعابية تصل الى ٤٠ الف ليتر -هذا ما اكتشف حتى اللحظة- متى قامت القوات عبر رجل اعمالها بحفرها كلها؟ منذ متى يحضِّر الصقر -وخلفه القوات- لتخزين هذه الكميات؟ هل الهدف منها تجاريٌّ فقط؟
الاجوبة جاءت عبر تقاطعاتٍ لإفادات حزبية وشعبية مع مصادر أمنية، اذا إن المصادر اجمعت على أن حفر تلك الخزانات يعود الى ما قبل عام على أقل تقدير، يوم لم تكن ازمة البنزين مستفحلةً بالشكل الذي نراه اليوم. كما أن مصادر حزبية تضع فعلة القوات هذه ضمن افعالها التي قامت بها منذ ١٧ تشرين، لتزيد الخناق على اللبنانيين، اذ يقول المصدر “إن القوات التي عمدت الى قطع الطرقات على الناس والمرضى، هي نفسها التي حرمت الناس مخزون البنزين وعطلت اعمالها، والفعلتان هدفهما واحد”. المصدر يضيف “اذا الكل بات متأكدًا أن الحصار الاميركي هو السبب الابرز لما يعانيه اللبنانيون من فساد وأزمات، فإن القوات هي احدى ادوات العمل الاميركي في لبنان، وسلوكها يؤكد على ذلك ويمكن تفنيده”.
في المحصلة، البنزين موجود لدى ابراهيم الصقر في الحفظ والصون، وهو يسلمه لحاملي بطاقة القوات، لكن المشكلة في الناس، التي لا تحمل بطاقة القوات.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.