نزل كلام الله السيد حسن نصرالله كالصاعقة على أسماع الكثيرين في الداخل والخارج اللبناني، فكان تحذيره من حرب أهلية يدفع إليها بعض اليمين المتطرف في لبنان بمثابة دق ناقوس الخطر بعد أن بلغ التهديد مرحلة أعادتنا بالذاكرة إلى أيام الحرب الأهلية المشؤومة التي خرج منها المسيحيون أكبر الخاسرين بعد خسارة مشروعهم وسقوط كانتونهم وضرب بعض امتيازاتهم في تركيبة النظام اللبناني، بعد أن سلبهم الطائف حقوقًا كرسها لهم دستور الامتيازات، وفقدوا معه حضانة الأم الحنون فرنسا لصالح أميركا مباشرة وتسليمها إدارة لبنان لوصاية سعودية أودعتها بشخص أحد المقربين منها الراحل رفيق الحريري، كرئيس حكومة وحاكم يحمل مشروعًا يتناسب مع المرحلة التي كان الرهان فيها على السلام مع العدو الإسرائيلي الذي فرضته توازنات تلك المرحلة مع حرب الخليج الأولى وسيطرة أميركية أحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وكان لهذا الواقع تأثير كبير في رسم توازنات الداخل اللبناني بعدما أنيط بسوريا دور تنفيذ مضمون الاتفاق الذي عقد في مدينة الطائف السعودية بقرار غربي وتفويض عربي لم يأبه لاعتراض البطريرك الراحل نصر الله صفير حينها، ولا للمقاطعة المسيحية التي سهّلت الطريق على رفيق الحريري وفسحت له طريق الإدارات الرسمية والمؤسسات ليطبق على السلطة بمساعدة أمراء الحرب الأهلية الذين شكلوا السلطة التنفيذية ودخلوا نعيمها على حساب جحيم وطن ومصير مواطن دفع الثمن في الأزمة الحالية.
ومنذ تلك الحقبة حتى يومنا هذا، وما جرى من أحداث ومتغيرات إقليمية ودولية، بقي الأبرز المقاومة بدورها وإنجازاتها الوطنية، فلم تتلوث بفساد السلطة بل كانت موضع استهداف سياسي مستمر. لقد أريد تصفيتها داخليًا بعد مؤتمر شرم الشيخ وهي على أبواب إنجاز التحرير الذي كتب بعد تفاهم نيسان، والذي أخرج الحكومة اللبنانية ضمن الحظيرة العربية، التي هال شعوبها انسحاب العدو الإسرائيلي من لبنان بمشهد مذل ليسجل أول انتصار بتاريخ الأمة العربية، وهو انتصار زاد المقاومة تعقلًا، إذ سلمت القرار للدولة اللبنانية برغم الإجحاف بحقها، واستمر حتى ما بعد عدوان تموز ومحاولة انقلاب أيار ٢٠٠٨ وما تلاها من مواجهة الإرهاب وتجنيب لبنان حربًا مدمرة، مرورًا بحراك تشرين وصولًا إلى الطيونة فالكحالة وما بينهما في شويا – حاصبيا في الجنوب، لتأخذ المواجهة مع العدو بعدًا آخر بمعركة متدحرجة لها من يعمل عليها وينفخ في نيرانها بهدف إشغال المقاومة وإغراقها بالداخل بعد عجز الإسرائيلي عن حرب يريد فيها تحقيق الفوز لرسم خياراته وهو المأزوم سياسيًا والضعيف أمام مواجهة فصيل بالداخل الفلسطيني المحتل رغم الإمكانات والجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني الصامد والرافض قرارات الإذعان ويسجل انتصار تلو انتصار بعد معركة توحيد الساحات الخطوة الأولى بمشوار نهاية الكيان المؤقت.
وهذا ربما لم يقدّره بعض الداخل اللبناني الذي لا يزال يعيش أحلام الماضي ويغامر بها، ما ينعكس كوابيس على المجتمع اللبناني. هذا الأمر غير مسموح ولا يمكن التهاون به تحت أي ظروف، مهما بلغت الشعارات والغرائز التي يحركها إعلام مأجور، وتحكمها ضغائن أطلقت العنان لوعيد مواجهة من نوع آخر وحرب كلامية انتهت أمام واقع يتجاوز حجمه لبنان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.