“الذئاب المنفردة” هو المصطلح الذي يطلقه الإعلام المعادي على العمليات الفردية الفدائية المقاوِمة للكيان المؤقت، وهو مصطلح يتم تداوله في الغرب للدلالة على جرائم فردية متعددة الدوافع. وعليه، وجب وضع مصطلح مقابل لهذه التسمية، أفضل ما يكون هو “الأسود المنفردة”، فما هي القيم والأبعاد المعرفية والنفسية والأخلاقية للمصطلحين، في هذه الورقة.
تعريف “الذئاب المنفردة”
أُطلق مصطلح “الذئاب المنفردة” في الغرب وتحديدًا في الولايات المتحدة الأميركية، بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان مرتبطًا بالجرائم التي تحمل خلفيات عنصرية كالاعتداء على أصحاب البشرة السمراء. إذ يعتقد المتطرفون أنه من خلال قتل أصحاب البشرة السمراء يستطيعون أن يحافظوا على العرق الأبيض، وما حصل إبان فترة رئاسة دونالد ترامب مثال على ذلك، إذ عمد مناصروه إلى بث التفرقة في المجتمع الأميركي من خلال تمييز العرق الأبيض، واعتباره الأصيل على الأرض الأميركية. بناء عليه، تأثر البعض بهذه الأفكار ودفعهم إلى تنفيذ عمليات منفردة بعيدًا عن أي تنظيم. ويكفي مراجعة مئات المحاكمات لأفراد نفذوا هكذا جرائم ليتبين التخطيط المنفرد لجرائهم تأثرا بتلك الأفكار.
وكانت دائرة ما يطلق عليهم مصطلح “الذئاب المنفردة” قد توسّعت في أوروبا لتشمل مختلف أنواع الجريمة. منها ما يتعلق بالعنف ضد النساء، الخلفيات الأيديولوجية، الخلفيات القومية، اليمين المتطرف.
في ألمانيا مثلًا، تعاني الأجهزة الأمنية من هذه الجريمة. يتحدثون هناك عن صعوبة في التعامل معها وكشفها قبل وقوعها، لاعتبار أن لا ارتباطات هيكيلية أو تنظيمية للمنفذ، ولكن منطلقاته لتنفيذ جريمته قد تكون إما قومية أو عنصرية أو أديولوجية، يؤمن بها أو تأثر بها. وما زالت هذه العمليات موجودة في المانيا تتم بوسائل عدة كالدهس والطعن وإطلاق النار ووسائل أخرى.
وقد عمد الغربيون إلى ربطها بالإرهاب العالمي، إذ تم إطلاق التسمية على عناصر وخلايا داعش الموجودة في أوروبا، وقد تمّ توصيفها بأنها خلايا تتأثر بالفكر الداعشي من خلال الإنترنت أو ما يعرف بالثورة الرقمية، وبالتالي تنفذ عمليات قتل بأساليب مختلفة إنطلاقا من فكرها وما تؤمن به.
ما تقدم يوضح أمورًا عدة أبرزها أن التسمية مرتبطة بالجريمة وبالتالي بالإرهاب ولا علاقة لها بمعركة تحرر أو تحرير ولا دوافع دفاعية لها.
العمليات في فلسطين
منذ عام 1948، يستمرّ الفلسطينيون بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لبلدهم، لمواجهة سلخ الأراضي والتهجير والتشتيت والقتل وإبادة الهوية الفلسطينية بشتى الطرق والوسائل، وبالإضافة إلى حركات المقاومة المنظمة والمسلحة التي تنطلق من غزة، استخدم الفلسطينيون في الضفة والقدس، أدوات الحجارة والسكين والدهس منها:
• عملية إطلاق النار عند مستوطنة حومش قرب نابلس يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 2021 مثّلت برأي المعلقين تغييرًا جوهريًا في طبيعة العمليات الفلسطينية، وعكس فشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في منعها بالرغم من كل الحديث عن الاستعدادات استخباريًا وعسكريًا لمنع عمليات من هذا النوع.
• عملية الطعن التي أصيب خلالها عنصران من قوات الاحتلال الإسرائيلي بالبلدة القديمة، ليستشهد بعدها المنفّذ الطفل عمر أبو عصب بنيران قوات الاحتلال، تلتها عملية الفلسطيني فادي أبو شخيدم الذي قتل جنديًا إسرائيليًا رميًا بالرصاص وأصاب 4 آخرين في صفوف جنود الاحتلال، وإضافة إلى عملية الطعن في حي الشيخ جراح والتي نفذتها فتاة فلسطينية، وأدت لإصابة مستوطنة.
• عملية الخضيرة التي أدت لمقتل إسرائيليين اثنين وإصابة 5 آخرين.
• هجوم بني براك الذي أسفر عن مقتل 5 مستوطنين وإصابة 6.
• عملية بئر السبع أدت إلى مقتل 4 إسرائيليين. منفذ العملية محمد أبو القيعان.
لطالما عمل الاسرائيليون مع وكلائهم على مكافحة الأجنحة العسكرية لقوى المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، إن عبر تسويات معينة، أو الاعتقال أو الابعاد أو القتل والتصفية أو حتى الحروب المباشرة. كان الهدف إنهاء روحية المقاومة بالدرجة الأولى، وترسيخ فكرة الضعف وفقدان الأمل في التحرير.
لاحقًا اكتشف الاسرائيليون أنهم لم يتمكنوا من إنهاء روحية المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، بل إن هذه الروحية كانت تتعزز لأسباب متعددة، خاصة مع صعود المقاومة وقدراتها العسكرية أكثر فأكثر، وهو ما بينته الحروب التي شنها العدو ضد قطاع غزة تحديدًا.
إبان معركة سيف القدس استفاق الإسرائيليون على واقع أليم تمثل في الهبة التي رافقت تلك المعركة العسكرية في الداخل الفلسطيني تحديدًا داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك في القدس والضفة الغربية المحتلة، حيث شهدت مدن ذات أغلبية سكانية عربية، هبّات كبيرة كما حصل اللد وحيفا وبعض مناطق يافا. وهو ما نظر إليه الإسرائيليون بخطورة بالغة باعتباره يشكل تهديدًا وجوديًا إذا لم يتعاملوا معه وينهونه.
تعاطي الإسرائيليون مع تلك الحالة بأساليب عنفية معتادة، على رأسها الاعتقال والتضييق والملاحقات الامنية، وهي أساليب أثبتت على مدى عقود أنها تولد حالة انتقامية أكبر لدى الفلسطينيين وتعزز الروح الثورية ومزيدًا من التمسّك بالتحرير. واستمرت العمليات الفردية بالتصاعد.
وقد عمد الإسرائيليون إلى وضعها في إطار عمليات الذئاب المنفردة. وبالتالي، يتم توجيه الرأي العام على أنها عمليات إجرامية بغض النظر عن الأساليب في العمليات، بدل أن توضع في إطار مظلومية الشعب الفلسطيني المسلوبة أرضه ويعاني أكثر من نصفه من شتات في دول مختلفة. فلا تقرأ لدى هذا الرأي العام على أنها فعل مقاوم مرتبط بقضية تحرر.
إلى ذلك، يتم تسويق هؤلاء المقاومين المنفردين على أنهم مرتبطون بخلايا إرهابية كتنظيم داعش. هنا يمكن فهم أهداف الاسرائيليين عندما سوقوا للبعد الداعشي أو الخلفية الداعشية لمنذي عمليتي بئر السبع والنقب، وهو ما دحضته الوقائع، والتسريبات الإسرائيلية لاحقا، خاصة مع وقوع عملية بن براك في تل أبيب.
المصطلح الأنسب: بين الذئب والأسد
يشتهر الذئب بالمكر والعدوان والخديعة وعدم احترام الضحية أو الفريسة، وحتى في قصص الأطفال استخدم الذئب دائمًا لإيصال صورة الشر، لذا فإن من أطلق صفة “الذئاب المنفردة” على منفذي الجريمة المنفردة غربيًا كان يلعب على ترسيخ الطابع الإجرامي لهؤلاء لدى الرأي العام العالمي. فدائمًا عند ذكر أي عملية اجرامية نفذها “ذئب منفرد” تذهب الأذهان نحو داعش والمجرمين في الغرب الذين يحملون أفكارًا متطرفة أو لأصحاب النزعة الإجرامية المرتبطة بالقتل لأجل القتل.
في المقابل، يشتهر الأسد في حماية عرينه ولا يعتدي على عرين الآخر وهو يحترم فريسته، ويمارس القتل لهدف محدد ولا يقتل لأجل القتل. ومن المعروف أن صفة الأسد مرتبطة بالقوة والشجاعة، وهذا سائد في مجتمعاتنا العربية وكذلك في المجتمعات الغربية.
وكون دوافع الفدائيين الفلسطنيين غير مرتبطة بالجريمة، وهي تندرج في إطار صد العدوان ودفعه واستعادة الحقوق، فلا بد من التركيز على التسمية والتوصيف. وهي أسود “منفردة” نسبة إلى التخطيط المنفرد المنطلق من هدف تحرري واضح لا جدال فيه أو حوله.
مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.