الفضاء الرقمي: سيف يؤرق العدو

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مع تطور وسائل التواصل واطلاق مفهوم العولمة منذ حوالي ربع قرن تبارى المفكرون والكتاب في إطلاق عناوين تلخص الواقع العالمي، فمن مفهوم العولمة إلى مفهوم نهاية الدولة وسقوط الحدود وإلغاء الرقابة وما بينها عبارات مكثفة تلخص ما يشهده العالم وما يتوقع هؤلاء أنه سيشهده.

مقالنا هذا يحاول الالمام بالبصمة المنظورة التي تركتها هذه الفورة المعلوماتية فوق المشروع الصهيوني بحيث استدعى الامر تصريحات ومقالات ودراسات للحد من تداعياتها السلبية في كيان الاحتلال، من دون غض النظر عن الجوانب الايجابية التي يجنيها من ورائه. لكننا هنا سنذكر بعض الجوانب السلبية التي استطعنا رصدها وباتت سيفًا يؤرق الكيان ويهدد مشروعه.

منذ مدة، وفي فترات متفاوتة، تحدث ناطق عسكري صهيوني متوجهًا إلى المغتصبين الصهاينة وحذرهم من نشر تفاصيل واخبار اي حدث أمني قبل أن تسمح الرقابة العسكرية بذلك. ولكن هيهات أن ينفع هذا النداء مع جمهور عريض متسلح بهاتف ذكي مزود بكاميرا تنقل كل شيء إلى مواقع التواصل (فيسبوك، تويتر، واتس-آب، انستاغرام.. الخ).

ويبدو أن هذا التمني لم يلقَ أي صدى لذلك حاول العدو العزف على ما يسميه بالجانب الانساني من خلال موضوع مطول في صحيفة يديعوت احرونوت الصهيونية تضمن لقاءات مع ذوي قتلى العدو الذين طلبوا من المغتصبين الصهاينة عدم نشر مقاطع وصور للقتلى تحت عنوان: “لا تقتلونا مرتين”. (الصورة المرفقة).

كان كيان العدو يباهي منذ زمن برقابته العسكرية الحديدية التي كانت تتحكم بكل ما يتم نشره أو يُسمح باعلانه من كل صغيرة وكبيرة في اعلامه ومنه ينتقل إلى الإعلام الخارجي بحيث يتمكن العدو من إدارة حربه الاعلامية بنجاح متحكمًا بطريقة اعلان خسائره أو التعمية عليها وما لذلك من مفعول نفسي لدى الصهاينة أو مفعول عكسي لدينا وابقاء هالة الكيان وكأنه عصيّ على الهزيمة.

إن من حسنات هذا الفضاء الرقمي بروز ظاهرة “الاعلامي او المراسل الفردي” مع امتلاك كل شخص تقريبًا هاتفًا ذكيًّا وحسابات على مواقع التواصل تمكنه من نشر ما يريد من دون رقابة ولا دخول في تعقيدات وبروتوكولات الإعلام التقليدي الخاضع لمراكز القرار واصحاب النفوذ. وهذا يشكل ضربة غير مسبوقة في تاريخ الكيان لرقابته التي كانت حديدية.

ومن جهة أخرى اتاحت وسائل التواصل حيزًا كبيرًا لكشف الكثير من الأسرار من داخل الكيان من خلال ما ينشره المغردون الصهاينة أو من خلال تسهيل مقدرة فصائل المقاومة على تجنيد عملاء لها داخل الاراضي المحتلة مستفيدة من سهولة التواصل والتعارف والتجنيد ونقل المعلومات بيسر وسهولة متجاوزة الحدود التقليدية التي كانت عائقًا دون ذلك. وهذا ما نلمسه بين الفينة والأخرى مع اعلان العدو عن كشف شبكات تجسس فردية أو متعددة الاعضاء تم تجنيدها ونقلت معلوماتها مستفيدة من الحيز الافتراضي وبعضها قدم اختراقات كبيرة ومعلومات دسمة كما شهدنا في وسائل الإعلام.

ومن ناحية أخرى يبرع الصهاينة في استخدام وسائل التواصل ويمتلكون أنظمة معلوماتية واسعة ومواقع منتشرة بكثافة على الإنترنت تغطي كافة المرافق في الكيان، وهو أمر ورغم أهميته للعدو، لا يقدم فرصة لخصومه في اختراق هذه المنظومات والحصول على كنوز من المعلومات التي تصيب العدو بحالة من الهستيريا.

وهذه الاختراقات لها جوانب متعددة أيضًا ابعد من الحصول على المعلومات مثل اختراق حسابات صهيونية أو انشاء حسابات باسم جهات صهيونية متناقضة لتأليبها ضد بعضها بعضًا وانتقال زرع الفوضى التي اتقنها العدو الى عقر داره كما بينت تقارير صهيونية عدة.

وعلى صعيد عرب الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ الذين حاول العدو سلخهم عن جذورهم ووضعهم تحت واقع تطبيعي يمسخ هويتهم، فقد كان هذا العالم الرقمي طوق نجاة لهم مع هدمه الاسوار التي بناها العدو وباتوا، في عصر الهوية الرقمية، قادرين على التواصل مع باقي مكونات الشعب الفلسطيني والعربي ما عزز انتماءهم ووصلهم مع جذورهم وحققوا تمايزهم عن المغتصبين الصهاينة وباتوا خنجرًا يطعن العدو في خاصمته الرخوة كما شهدنا في جولة الحرب على غزة منذ حوالي العام ما شكل صدمة غير مسبوقة للعدو.

وعلى الصعيد العالمي تخلص مؤيدو الشعب الفلسطيني من هيمنة الامبراطوريات الاعلامية المسيرة المسيسة وباتوا قادرين على نشر كل ما يدعم هذه القضية على مدوناتهم وصفحاتهم الشخصية ما مكّن اكثر من نصف سكان العالم من الاطلاع على محتوى رقمي مناصر لقضية فلسطين إبان العدوان الاخير على غزة، كما دلت دراسة صهيونية دقت جرس الإنذار في الكيان.

كل ما سبق يبين أن هذا الفضاء الرقمي رغم تقديمه فرصة للعدو لاستغلاله إلا أنه يقدم فرصة لخصومه أيضًا لقلب ميزان الصراع وقلب الميزان النفسي لصالح شعوبنا وغرس الاحباط والشقاق في مجتمع العدو ونزع الهالة النفسية التي حاول الصهاينة رسمها حول مشروعهم وتظهيره وكأنه لا يقهر، فإذا به يظهر بمظهر الهزيل الذي تهزه بضع نقرات في العالم الافتراضي الذي بات سيفاً وجودياً مصلتًا فوق رأس هذا الكيان، الزائل حتماً.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد