عادت الأزمة السياسية اللبنانية إلى الواجهة مجددًا، ومن بوابة الاستحقاقَين الرئاسي والحكومي. وقبل الانتقال للعام الجديد تابع الانحدار الاقتصادي والاجتماعي طريقه ملقياً بضغوط كبيرة على المواطن اللبناني الذي دخل في حالة عجز عن تأمين أبسط مقومات العيش، في ظل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، حيث تجاوز سعره الأربعة والأربعين ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
وسط هذه المعطيات، بدأ الحديث عن مبادرة لإخراج لبنان من أزمته، استُهل باجتماعات لمسؤولين دوليين مهتمين بالملفات اللبنانية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذا السياق، حُكي عن اجتماع ثلاثي أمريكي – فرنسي – سعودي بحث ملف الرئاسة. فما الذي استجد وسبّب هذه الاستفاقة وأعاد ملف لبنان إلى طاولة البحث على أكثر من جهة؟
وكانت مصادر في الإليزيه قد أكّدت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ناقش مع أمير قطر تميم بن حمد، الملف اللبناني خلال زيارته الأخيرة إلى الدوحة لمتابعة مباراة المونديال النهائية بين منتخبَي فرنسا والأرجنتين. وأكدت المصادر أن ماكرون سيتابع الملف اللبناني الأسبوع المقبل، وأن فرنسا لن تدّخر جهداً في مسعاها لانتخاب رئيس للجمهورية والبدء بإصلاحات جدية تمهّد لمساعدة لبنان.
فهل فرنسا جادّة في مساعيها؟ وما سرّ تناغمها مع المساعي السعودية؟ خصوصًا إذا عرفنا أن رئيس الاستخبارات السعودية كان من ضمن الوفد السعودي في الاجتماع الثلاثي مع الأمريكيين والفرنسيين، وأن أولى خطوات هذا الاجتماع كانت عند الإدارة الأمريكية في مجلس الشيوخ، حيث بحثت لجنة العلاقات الخارجية محاسبة الذين يقوّضون المؤسسات وسيادة القانون في لبنان. فقد أصدرت اللجنة توصيات تحث فيها الإدارة الأمريكية على استخدام كافة الوسائل، بما فيها العقوبات، لدفع النواب اللبنانيين لانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة في أسرع وقت. فهل هذا كافٍ قبل أن نسأل عن التوقيت؟ وهل تعلم واشنطن أن سفيرتها في بيروت تساهم في هذه الجريمة بحق لبنان؟
بالعودة إلى الداخل، فإن موقف حزب الله من الانتخابات الرئاسية واضح، الورقة البيضاء بمثابة باب مفتوح للنقاش. والحزب لم يلزم نفسه بتبني أي مرشح أو إعلان رفضه أي مرشح رئاسي، وهو قد سعى لتسوية تساهم في عمل الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي، وأبدى معه نجيب ميقاتي كل تجاوب من حرص الثنائي على أن تكون مقررات الجلسات بالإجماع. فهل دخل لبنان نفق التسوية بعدما اقتنع الأمريكي أن البلد عصي على التدويل ولا يمكن فرض مقررات عليه وطلب من السعودي والفرنسي الذي استعان بالقطري الدخول بتسوية طالما حزب الله منفتح والمفاوضات مع الرئيس بري تلقى قبولًا، أم أن الاجتماع المقرر بين سوريا والسعودية في الأيام المقبلة يفرض مشهدًا جديدًا، خصوصًا وأن أمريكا تسعي إلى أن تمسك بالملف اللبناني بواسطة فرنسا والسعودية كي لا تتركه ساحة مفتوحة لإيران وروسيا، بحسب أدبياتها؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.