“أهلًا بالعرب في دوحة العرب”، هكذا افتتح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر بطولة كأس العرب لكرة القدم والتي افتتحت بالأمس في العاصمة القطرية وعلى ملعب مونديال 2022.
لم تقتصر الكلمة الترحيبية على أمير قطر، بل شاركه إعلان انطلاقة الفعاليات جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وكان اللافت تحدثه باللغة العربية، واللافت أكثر قوله إن قطر هي بيت الوحدة العربية.
نبقى في السياق السياسي بالتأكيد لهذا الحدث وإن كان طابعه رياضيًّا. وقبل الحديث عن تفاصيل الحفل وما حمل من رسائل عديدة، لا بد من التذكير أن هذه البطولة هي في نسختها العاشرة التي استؤنفت هذا العام بعد توقفها منذ العام 2012.
ما هي علة توقف البطولة كل هذه السنوات؟ هل هي أسباب لوجستية رياضية، أم أن الأسباب السياسية كانت السباقة كالعادة؟ الجواب يكمن في تفاصيل العام 2012 وما تلاه من أحداث سياسية عصفت بالمنطقة العربية، وكانت قناة الجزيرة آنذاك رأس الحربة في دعم رياح التغيير العربي لنقل بدءًا من مصر وليس تونس، ومن ثم ليبيا وسوريا، وبالتأكيد وقفت الدوحة، دوحة العرب اليوم، خلف الجزيرة وأمامها في دعم كل التحركات الداعية لتغيير الأنظمة في هذه الدول. وهذا الدور الذي لعبته قطر وبكامل أسلحتها السياسية والإعلامية والمالية ليس خافيًا على أحد؛ فبعد دور الوساطة الذي لعبته في العام 2008 في حل الصراع السياسي والأزمة اللبنانية عبر مؤتمر الدوحة، والذي ساهم في الانتقال من مرحلة التأزيم السياسي والاعتصام في الشارع إلى حكومة وحدة وطنية وعودة الأطراف المتنازعة سياسيًا للحوار الوطني، ولو كان على أرض غير لبنانية، إنما هي أرض عربية شقيقة، انتقلت هذه الشقيقة بعد هذا الدور الإيجابي إلى دور التدخل في باقي الدول الشقيقة التي ذكرناها، وأطلقت الجزيرة لتعلن عن بداية جديدة في تخوين الرأي الآخر وشيطنته، وحتى فبركة بعض الأخبار خاصة بالشأن السوري وهو ما تنافى تمامًا مع مهنية ومصداقية الجزيرة في الشارع العربي أو لنقل جزءًا كبيرًا من العرب، ما شكل خيبة أمل كبيرة في القناة الأولى عربيًا من حيث المشاهدة.
من يشاهد حفل الافتتاح ومضامينه، لا يمكن أن يتخيل أن قطر قد لعبت هذا الدور بين الدول العربية، فالزخم العاطفي والمعنوي في إنشاد الأناشيد العربية، ومن ضمنها النشيدان السوري والفلسطيني، وتفاعل الجمهور، يعطي انطباعًا أن كأس العرب هذه هي الملتقى الأخوي في شدة الرزايا، وأن قطر بالفعل دوحة العرب، وعامل الجذب لكل عربي من خلال عرض مبهر للثقافة العربية بكل صورها الفنية، والغناء العربي الذي كان يوحد كل عربي يستمع لأم كلثوم، أو عبد الحليم وفيروز. حتى الممثلون المحبوبون عربيًا الراحلون كانوا حاضرين ليعبروا عن واقع الأمة العربية. هذه اللحمة العربية التي تجسدت من خلال لعبة كرة قدم، أعادت للأذهان أننا، كشعوب، أمة واحدة حتى ولو فرقتنا سياسة الحكام.
بغض النظر عن الأهداف السياسية القطرية الجديدة، إلا أن مشهد الأمس كان معبرًا عن أزمة العرب المشتتين، الذين تلعب اللغة دومًا دورها في تضميد جراحهم، وعلى إذكاء الروح العربية عند رؤية العلم الفلسطيني يتوسط الأعلام العربية ليذكّر بقضية كنا نخشى أن تنسى عند بعض الشعوب العربية المطبعة.
أما الرعاية القطرية لهذا الحفل العربي، فقد يكون سببها مراجعة لأدوار قطر السابقة، أو تحسين صورتها كرويًّا، أو ربما الاعتراف بخسارة طموحٍ سياسي عبر التحريض والتدخل بشؤون إخوانها العرب طيلة السنوات السابقة، لتعود إلى المشهد الإقليمي بدور الحاضنة العربية وملتقى العرب في كأس العرب، وفي مناسبات أخرى، قد تكون إحداها مؤتمرًا حواريًا ثانيًا لأجل لبنان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.