هل تجرّ الولايات المتحدة روسيا الى سباق تسلح جديد؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

الخلاف بين روسيا وأميركا على عدة مواضيع وملفات إقليمية زادة من حدة الخلاف بين القطبين، والذي عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانتقاد علني للسياسة الأميركية الخارجية من خلال ممارستها للديمقراطية والازدواجية المتبعة لديها في التعاطي مع الدول وتدخلها في شؤونها الداخلية . وأضاف الرئيس الروسي: “إلى أين نحن ذاهبون؟ لماذا نفعل ذلك؟ هم يخلقون التهديدات، وهناك خطوط حمراء بالنسبة لنا، لكنني آمل ألا تصل الامور الى حد التصادم. آمل أن يسود (لدى الغرب) حس منطقي ومسؤولية تجاه بلدانهم والمجتمع الدولي”.

بدوره ، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن الولايات المتحدة أحاطت روسيا بقواعد عسكرية من جميع الجهات وبدأت بإثارة وتضخيم الهيستيريا العسكرية على حدودنا. وأضاف، في ندوة تحت عنوان “الحوار من أجل المستقبل”: “حقيقة أن الولايات المتحدة أحاطتنا بقواعدها العسكرية من جميع الجهات هي على الأرجح حقائق يعرفها أي تلميذ في المدرسة، ومع ذلك، فإن هذه الهستيريا (على الحدود الروسية) تُثار باستمرار”. وأوضح أن أي دولة لها منطقة غير مستقرة بحدودها ستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان أمنها.

لكن النظرة الأميركية نحو روسيا لا تزال نفسها كما كانت قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، نظرة الحذر والترقب والعداء، إنها العدو الأول والأخطر بالنسبة الى واشنطن بسبب امتلاكها للترسانة النووية والثروات والموارد الحيوية، والأدمغة العلمية، إضافة إلى الاقتصاد الروسي الذي بدأ يتعافى ويستقر الى حد ما.

لقد باتت روسيا قوة جديدة عالمية للطاقة في عهد الرئيس بوتين من خلال تطورها ورسم سياسة وإستراتيجيا لها مستقلة وخاصة، وهذا مما بدأ يزعج أميركا التي نصبت نفسها الحاكم الأول على العالم والتي لا تريد أن يشاطرها فيه أحد، أكان روسيا أو أوروبا، هذه القوى الجديدة الناهضة التي تحاول تغيير الخريطة السياسية الجديدة للعالم من خلال التحالفات القادمة، على خط الشرق – روسيا – الصين – الهند أو على خط أوروبا – أوروبا القديمة + روسيا.

ومن هنا، قامت الولايات المتحدة بإغراق العالم بمشاكل جديدة، فهي تلجأ يوميًا لحجج وذرائع مختلفة لجر روسيا لسباق تسلح جديد، كما كان الحال عليه خلال الحرب الباردة، وروسيا تعي جيدًا ماذا يعني التوسع الأميركي على حدودها وفي مناطق نفوذها الجيو – سياسي ومحاولة توظيفها في حرب نفسية جديدة ضد روسيا. وتنظر موسكو الى التحرك الأميركي والأطلسي في منطقة دول البلطيق وآسيا الوسطى، وتوسيع الناتو شرقًا، حسب المراقبين، على أنه يندرج في سياق مساعي احتواء روسيا، ومواجهة التموقع الروسي الذي بلغ المياه الدافئة لا سيما المتوسط عبر البوابة السورية، وكذا البحر الأحمر عبر القاعدة اللوجستية في السودان.

وبعد أن قامت روسيا مؤخرًا بإجراء تجربة ناجحة في اختبار نظام مضاد للأقمار الصناعية، أشارت عبر لسان وزير دفاعها سرغي شويغو الى أن العملية جرت عن طريق استهداف قمر صناعي سوفياتي قديم بمهارة عالية.
واتهمت وزارة الخارجية الأميركية روسيا بتنفيذ تجربة صاروخية مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء، ما تسبب بوجود حطام، زاعمة أن ذلك يشكل تهديدًا لمصالح كل دول العالم. ولفتت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن “الولايات المتحدة تتبع منذ الخمسينيات نهجًا صارمًا لاستغلال المجال الفضائي لتنفيذ عمليات قتالية ونشر أنظمة سلاح بهدف تحقيق تفوق عسكري وصولًا إلى الهيمنة الشاملة في الفضاء”، مبينة أن المهمات ذات الصلة تم ترسيخها في “استراتيجيا الفضاء الدفاعية” المحدثة والوثيقة العقائدية للقوات الفضائية الأميركية.

من جهته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه في المستقبل القريب ستظهر في روسيا أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، بقدرة قصوى تصل إلى 9 ماخ. وأضاف بوتين خلال المنتدى الاستثماري “روسيا تنادي” الذي نظمه مصرف “VTB Capital”: “لقد اختبرناها (الأسلحة) الآن وبنجاح، ومن بداية العام ستكون لدينا صواريخ بحرية جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت، بقدرة تصل إلى 9 ماخ. وستكون مدة الرحلة (إطلاق الصوارخ) من لحظة إطلاقها 5 دقائق”.

ومن الأسلحة التي تعول عليها روسيا صاروخ “تسيركون” أول صاروخ في العالم تفوق سرعته سرعة الصوت، وهو قادر على الطيران الديناميكي الهوائي المستمر مع المناورة في الغلاف الجوي باستخدام دفع محركه الخاص، وقد تم التعريف به من قبل بوتين عام 2018، ويتراوح مداه بين 1000 و2000 كيلومتر. ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم للصواريخ الجديدة إلى الأسطول الروسي في عام 2022.

وأشار الخبير العسكري سيرغي أكسيونوف، في مقال لصحيفة “سفوبودنايا بريسا” الروسية، الى تداعيات اختبار روسيا لسلاح مضاد للأقمار الصناعية، وقال إنه بطريقة أو بأخرى، نجح الاختبار.

ربما، من أجل تحقيق تكافؤ القوى في الفضاء، وإبطال التفوق العسكري أحادي الجانب للولايات المتحدة في المدار بالتحديد، بدأت هذه الاختبارات. فعندما تكون قدرات اللاعبين الرئيسيين قابلة للمقارنة، يزداد احتمال عقد اتفاق بينهما.

وبحسب ليونكوف: “في هذه الحالة، من المهم أن روسيا حذرت الجانب الأميركي من الإطلاق المرتقب لصاروخنا من بليسيتسك”، وقال: كل هذا الضجيج بدأ فقط من أجل زيادة الإنفاق على الأسلحة في الفضاء في الكونغرس الأميركي. من أجل إثبات ذلك، هم بحاجة إلى عدو لديه هذا السلاح بالفعل. لذلك، في العام الماضي، تم إخبار دافعي الضرائب الأميركيين أن الروس والصينيين يعملون سراً على ذلك. الاختبار الذي تم إنجازه يؤكد وجود هذا السلاح السري”، و”لكن روسيا لم يسبق أن طرحت، في يوم من الأيام، في وثائق برنامجها العسكري مهمة عسكرة الفضاء الخارجي. هذه الصيغة موجودة فقط لدى الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين، الذين يشاركونها في تطوير مثل هذه الأسلحة، لكنهم مخطئون عندما يظنون أنهم إذا نشروها فلن يكون لدى روسيا ما ترد به، بل يمكننا الرد”.

بدورها كتبت ايرينا ألشايفا، في صحيفة “غازيتارو” الروسية، حول دقة الضربة الروسية التي أصابت القمر الصناعي، والهياج الأميركي الذي يقابل النجاح الروسي،
حيث أشارت الى اتهام الولايات المتحدة روسيا باختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وكذلك “خلق مخاطر لرواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية”، ودعت روسيا إلى “تطوير معايير ليقتدي بها المجتمع الدولي في استكشاف الفضاء”. وقد لفت معلقون في وزارة الدفاع الروسية الى أنه “في الخامس عشر من نوفمبر 2021، أجرت وزارة الدفاع الروسية بنجاح اختبارًا، تمت بنتيجته إصابة المركبة الفضائية الروسية (السوفييتية) Tselina-D المعطلة، والموجودة في المدار منذ العام 1982”. وتشير المصادر المفتوحة إلى منظومة Nudol.

وفي الصدد، قال عضو مجلس الخبراء في لجنة الصناعة العسكرية، رئيس تحرير مجلة “ترسانة الوطن”، فيكتور موراخوفسكي: “تمتلك Nudol قدرات مضادة للصواريخ والأقمار الصناعية. على ما يبدو، تم اختبار أحد الصواريخ هذه المرة من موقع اختبار بليسيتسك، وتم اعتراض القمر الصناعي السوفييتي”.

وذكّر موراخوفسكي بأن أول اعتراض لقمر صناعي باستخدام صاروخ تم تنفيذه في الاتحاد السوفييتي في العام 1982. بعد ذلك، وبالإضافة إلى نظام اعتراض الأقمار الصناعية الأرضي، تم تطوير نظام “بوريفيستنيك” Burevestnik أيضًا، وهو صاروخ لمقاتلة MiG-31 ذات التسليح الخاص. في الوقت الحالي، ليست هناك أي معلومات عن الاشتغال على صاروخ مضاد للأقمار الصناعية يُطلق من الجو.

تشير التصريحات المتبادلة بين قادة واشنطن وموسكو إلى أن العلاقات الروسية – الأميركية قد وصلت إلى “مأزق حقيقي”، بل وربما إلى “طريق مسدود”، إذ يبدي الرئيس بايدن، منذ وصوله إلى البيت الأبيض موقفًا أكثر تشددًا تجاه بوتين مقارنة بسلفه ترامب.

ومع ذلك، ليس من المتوقع أن يصل التوتر المتفاقم بين واشنطن وموسكو إلى مرحلة الصدام المباشر في الفترة القادمة؛ فالجانبان يدركان أهمية الحوار والتفاهم بينهما لمواجهة التحديات العالمية الكبيرة. وهذا ينطبق، على سبيل المثال، على ملفات ذات اهتمام مشترك، مثل الملف النووي الإيراني أو كوريا الشمالية أو سوريا أو أفغانستان أو أزمة المناخ العالمي أو مكافحة جائحة فيروس كورونا. وتدرك واشنطن جيدًا أن روسيا خصم قوي، يجب التعامل معه بشكل يضمن أولًا وقبل كل شيء، تجنب أي صراع عسكري مباشر، وثانيًا، تجنب دفعها إلى أحضان الصين.

بدوره، أشار الباحث فيودور دانيتشيف، في صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية الى تدريبات تجريها القاذفات الاستراتيجية الأميركية النووية ضد روسيا، حيث قال: يتدربون في الولايات المتحدة على توجيه ضربة نووية لروسيا من اتجاهين؛ ففي نوفمبر، أجرت القاذفات الاستراتيجية الأميركية تدريبات، نفذت خلالها هجومًا متزامنًا على روسيا من الشرق والغرب. وسبق أن تحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن مناورات نووية في موقع الاختبار في ولاية نيفادا.

وبحسب الخبير العسكري الكسندر ميخائيلوفسكي، فإن محاكاة هجوم متزامن من الغرب والشرق تتحدث عن استعداد الولايات المتحدة لتعطيل الإمكانات النووية للجيش الروسي بالكامل دفعة واحدة وتجنب احتمال تلقي ضربة جوابية.

إن وتيرة التوتر المتصاعد بين العملاقين على الأرجح، سوف تقود إلى تداعيات مهمة سواء على الصعيد العالمي أو على مستوى منطقة الشرق الأوسط؛ فعلى سبيل المثال، يتزايد التقارب الروسي – الصيني في المستقبل المنظور. فالدولتان تتفقان على ضرورة إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، والتعاون من أجل تقييد هيمنة الولايات المتحدة على إدارة الشؤون العالمية، وسوف تستمر الشراكة الروسية – الصينية، على الأرجح، طالما ظل الرئيس بوتين ونظيره الصيني شي جينبينج في السلطة. ومما يعزز من قوة هذه الشراكة أن الدولتين تتصرفان باعتبارهما قوتين كبريين، وأن كلاًّ منهما ترى أن مصالحها أكثر توافقًا مع القوة الأخرى مقارنة بما هو عليه الحال مع الولايات المتحدة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد