بعد انطلاق ثورة تشرين بحراكها الشعبي، دخل لبنان في حالة غير مسبوقة وُصفت بأنها الأكبر منذ ما يزيد عن قرن، بحسب منظمات دولية. فقد دخل لبنان في أزمة مالية غرق فيها كل الوطن وانهار معها الاقتصاد وتراجعت قيمة النقد الوطني “الليرة اللبنانية” بما يزيد عن 96.7% في حالة غربية وفريدة لم يشهدها لبنان حتى في ظل الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عامًا أواسط سبعينيات القرن الماضي وانتهت مطلع التسعينيات وقيام الجمهورية الثانية.
بالعودة إلى أسباب الثورة – الحراك، فقد كانت الشرارة اعتراضًا على فرض رسم على خدمة “الواتس اب”، فقد كان هذا الاقتراح كافيًا لتحريك الشعب الذي نزل إلى الشارع بعفوية. تبيّن لاحقًا أن ثمة مَن خطط بعناية لاستغلال التحركات وعمل عليها وانخرط فيها في لحظة عرّت الواقع المالى المأزوم وكشفت حقائق خفية لم تخطر في بال المواطن الذي يدفع ثمنها كل يوم.
وأماط الواقع اللثام عن جرائم مالية ارتكبتها السلطة منذ قيامة الجمهورية الثانية ودخول الحريرية السياسية – الاقتصادية الحكم وتحويل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد ريعي، واعتماد سياسة الاقتراض والهندسات المالية التي سرقت أموال المودعين، بعد أن أغراهم حاكم مصرف لبنان مفوضًا من الحكومة، بالفوائد، وشكّل بذلك المصرف وحاكمه الصندوق الأسود للحكومات المتعاقبة على مدى ثلاثة عقود مدعومًا من دوائر القرار الغربية التي منحته جوائز وميداليات وأقامت على شرفه حفلات تكريم لجهوده ومساهمته في ضرب الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي العريق وعبثه بمقدّرات الوطن.
ومع ظهور الأزمة المالية، وأمام تداعياتها، كثرت التحليلات والنظريات، وكثيرًا ما ساد مصطلح “الفجوة المالية”. حقيقة هذا الأمر أن الإدارة المالية المسؤولة عن النقد وميزان المدفوعات هي المصرف المركزي، وهي مَن أوجد هذه الأزمة بتواطؤ من مجلس إدارة المصرف المركزي الذي يمثل القوى السياسية والمذهبية في لبنان ضمن تركيبة الحكم ولعبة المصالح مع جمعية المصارف.
هؤلاء، بصفتهم أكبر المستفيدين، ارتكبوا متضامنين جريمة بحق الوطن والشعب، فصنعوا هوّة سحيقة بين إيداعات المواطنين التي تحوّلت أرقامًا في سندات الخزينة تكلف الموازنة مليارات الدولارات سنويًا، ويكبر معها حجم الدَين مقابل تراجع الناتج المحلي الذي تحول بدوره أرقامًا في حسابات خالية لجأ بعدها حاكم المركزي إلى بدعة طباعة العملة التي وصلت حتى يومنا هذا إلى 81 ترليون ليرة لبنانية، أي 81 ألف مليار ليرة لبنانية، بعدما كانت حتى شرارة الثورة 9 ترليونات ليرة لبنانية، أي 9000 مليار ليرة لبنانية، بفارق 72 ترليون ليرة لبنانية، أي 71 ألف مليار ليرة لبنانية، إلا أن اجتهاد حاكم المنظومة لم يقف عند هذا الحد… وللموضوع تتمة حول الأسباب والأدوات.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.