تحالف I2U2… سدٌّ منيع في وجه طموحات الصين في الشرق الأوسط

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ستّار محمودي – خاص الناشر |

حربٌ باردةٌ جديدةٌ يشهدُها العالمُ بأسره اليوم بين الولايات المُتّحدة والصّين. حربٌ اتّخذت من الاقتصاد والأسواق العالميّة سبيلًا لها، وتجنّبت الأدوات العسكرية. تحاول الصّين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم، تجاوز الولايات المُتّحدة. وتتّبع الولايات المتّحدة بدورها خططًا مختلفة لاحتواء الصّين من خلال تدابير متعدّدة، مثل: العقوبات الذّكيّة، وإقامة قواعد عسكريّة في البلدان المجاورة للصّين، ونقل القوى العاملة الرّخيصة إلى بلدان مشابهة للصّين، وأيضًا إنشاء تحالفات استراتيجيّة.

شكّلت الولايات المتّحدة العديد من التّحالفات الاستراتيجيّة لمواجهة صعود الصّين، مثل: «التّحالف الرّباعيّ Quad»، و«التّحالف الأمنيّ الثّلاثيّ AUKUS»، و«تحالف I2U2» الّذي يعدّ أحدث هذه التّحالفات، ويضمّ: الهند والإمارات العربيّة المتّحدة و”إسرائيل” كشركاء رئيسيّين في احتواء الصّين.

تهدف هذه الاتّفاقيّة إلى تمكين الهند وجعلها منافسًا للصّين في المنطقة وخارجها. كما أنها تُمكّن الهند من تعزيز العلاقات الاقتصاديّة مع دول الخليج، والوصول إلى البحر الأبيض المتوسّط بدعمٍ من الولايات المتّحدة. وبهذه الطّريقة، يُمكِن للهند الاستيلاء على بعض الأسواق الصّينيّة المُحتملة في السّنوات القادمة، وإعاقة نموّها.

سياسة إدارة بايدن لبناء تحالفات إقليميّة وعالميّة ما هي إلّا جزء من استراتيجيّة كبرى، تهدف الولايات المتّحدة بموجبها إلى تقاسم بعض تكاليفها الأمنيّة ومسؤوليّاتها مع الحلفاء. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: التّحالف الرّباعي، الّذي ضمّت فيه الولايات المتّحدة حلفاءها -أستراليا واليابان والهند- كشركاء في تقسيم المهامّ الأمنيّة لاحتواء الصّين في المحيط الهادئ.

اتّفاقية أُخرى تُركّز على الشّرق الأوسط، ألا وهي اتّفاقية «I2U2»، وقد تنضمّ المملكة العربيّة السّعوديّة والأردن إلى هذه الاتّفاقيّة في المستقبل. على عكس الاتّفاقيّات الأُخرى، فإنّ هذه الاتّفاقيّة لا تسعى إلى تحقيق أهداف أمنيّة، بل ترمي إلى تحقيق أهداف اقتصاديّة. تتمحور هذه الاتّفاقية حول هدفين رئيسيّين: نقل القوى العاملة الرّخيصة إلى البلدان التي يمكن أن تتنافس مع الصّين، وخلق بيئة متعاونة في الشّرق الأوسط ضدّ الصّين. ستلعب الهند الدّور الرّئيسيّ في هذا الاتّفاق، إذ ترى الولايات المتّحدة أنّ الهند تملك إمكانات عالية تؤهّلها لمنافسة الصّين. ووفقًا لصندوق النّقد الدّولي، ستمثّل الهند ثالث أكبر اقتصادٍ في العالم بحلول عام 2028، وسيتجاوز النّاتج المحليّ الإجماليّ لديها 5.5 تريليون دولار، كما أنّها ستشّكل عشرة بالمئة من إجمالي الصّادرات العالميّة في السّنوات الخمسة عشرة المُقبلة. سياسيًا، تُعدّ الهند واحدة من أكبر الديمقراطيات في العالم، ولها اختلافاتها وفروقاتها الكبيرة عن الصّين. هذه العوامل، مع جهود الهند المبذولة للوصول إلى الأسواق الصّينيّة، تجعل منها خيارًا جذابًا للولايات المتّحدة.

ومع أنّ الهند تُعدُّ خيارًا مناسبًا من وجهة نظر الولايات المتّحدة، إلّا أنّ لديها نقاط ضعف أساسيّة: من حيث سهولة الوصول إلى الأسواق العالميّة، وجذب الاستثمار الأجنبيّ، وتنوّع الأقليّات الدّينيّة والعرقيّة. لكنّ مفتاح حلّ كلّ هذه المشاكل -من وجهة نظر الولايات المتّحدة- يكمنُ في الشّرق الأوسط.

صعوبة وصول الهند إلى الأسواق الأوروبيّة، مشكلة يمكن حلّها من خلال بناء طريق تجاريّ إلى دول الشّرق الأوسط العربيّة. سيُمكّن هذا الطّريق الهند من الوصول إلى الأسواق الأوروبيّة بسهولة أكبر. ستُنقَل البضائع الهنديّة عن طريق البحر إلى الإمارات العربيّة المتّحدة، ثمّ بالسّكك الحديديّة أو برًّا إلى المملكة العربيّة السّعوديّة والأردن و”إسرائيل”، وستُشحَن البضائع إلى أوروبا من الموانئ الإسرائيليّة.

من خلال تعزيز أسواق التّصدير الهنديّة في أوروبا، فإنّ هذا الطّريق سيُقوّض سوق السّلع الصّينيّة ويقلّص إنتاجها ونموّها الاقتصاديّ. كما سيُقلّل من أهميّة «مبادرة الحزام والطّريق»، إذ ستنخفض عمليّة نقل البضائع، ولن تُحقّق استثمارات الصّين الملياريّة عائداتها المُتوقَّعة من هذا المشروع. علاوةً على ذلك، سيُقلّل هذا الطّريق من أهميّة الممرّ الشّماليّ-الجنوبيّ في إيران، الذي يهدف إلى نقل البضائع الهنديّة من ميناء «تشابهار»في جنوب شرق إيران إلى البحر الأسود وروسيا في شمال غربها، عن طريق السّكك الحديديّة، وسيضطّر العرب إلى مواجهة توتّر علاقاتهم مع الصّين وإيران، إذا قدّموا هذه الفرصة للولايات المتّحدة.

طريقة أُخرى ستُمكّن الدّول الغنيّة مثل: الإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين وعُمان والمملكة العربيّة السّعوديّة من مساعدة الهند، وذلك عن طريق توفير رأس المال الأجنبيّ من خلال الاستثمارات الواسعة فيها. حصلت الهند على حوالي 82 مليار دولار من رأس المال الأجنبيّ بين عامي 2020 و 2021، ولكنّها تحتاج إلى المزيد من رأس المال لتحقيق نموٍّ سريع وخلق وظائف وتحسين البنية التّحتيّة واقتناء التّقنيّات الحديثة. تتمتّع الدّول العربيّة في الخليج الفارسيّ بموارد ماليّة هامّة بفضل الدّولارات البتروليّة، ويُمكِنها دعم خطّة الولايات المتّحدة لاحتواء الصّين من خلال الاستثمار في الهند.

أيضًا، يُمكن أن تساهم العلاقات الطيّبة بين الهند والإمارات العربيّة المتّحدة وغيرها من الدّول الإسلاميّة في السّيطرة على المجموعات المسلمة داخل حدود الهند. تُشكّل الأقليّة المسلمة في الهند أكثر من 15 في المئة من إجمالي سكّانها، وقد تعرّضت لنزاعات دمويّة مع الهندوس حتىّ الآن. هذه المسألة أثارت تساؤلات حول الاستقرار الاجتماعي في الهند. يمكن أن تلعب العلاقات بين حكومات الدّول العربيّة وقادة تلك المجموعات المسلمة دورًا كبيرًا في استقرار الوضع الاجتماعيّ في الهند، وعادة ما يُرافق تلك العلاقات المتنامية دعمٌ ماليّ.

في العقد الماضي، حاول كلا الحزبين الأمريكيّين احتواء الصّين من خلال برامج مختلفة. اتّبعت إدارة ترامب نهجًا صارمًا، في حين تُفضّل إدارة بايدن استخدام طُرق ليّنة قدر الإمكان. والآن، أدرك صُنّاع السّياسة الأمريكيّة أنّ خطة احتواء الصّين غير ممكنة من بدون المشاركة النّشطة والحضور الكبير للحلفاء، فهم يهدفون إلى تقييد قوّة النّموّ الاقتصاديّ المتزايدة للصّين تدريجيًا، بمرور الزّمن، باستخدام القدرات المتاحة لحلفائهم. تبرز الهند، بمواردها البشريّة الكبيرة وهيكلها السّياسيّ والاجتماعيّ الفريد، لاعبًا رئيسيًّا في تحدّي الهيمنة الاقتصاديّة الصينيّة. ولكنّ الهند لا يمكنها لعب دور “المُتحدّي للصّين” بمفردها، لذلك ستُقدّم الدّول العربيّة و”إسرائيل”، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتّحدة، للهند كل ما تحتاجه، مثل: الوصول إلى طرق التّجارة، والاستثمار الأجنبيّ، والاستقرار الاجتماعيّ، من خلال «تحالف I2U2». الحلّ متروك للصّين، فيمكنها إن قدّرَت الوضع بشكل صحيح مواجهة وتدارك الخُطط التي وضعتها الولايات المتّحدة في منطقة جنوب غرب آسيا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد