سفيرة أميركية جديدة: المواجهة مستمرّة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أدلت السفيرة الأميركية العتيدة في لبنان، ليزا جونسون، خلال الشهر الماضي، بعدد من المواقف الهامة لدى استماع اللجنة الخارجية في الكونغرس لها، غداة تعيينها سفيرةً للبنان من قبل إدارة الرئيس جو بايدن. تلك المواقف التي انحازت إلى العدو الاسرائيلي بطبيعة الحال، لم تخلُ من التصويب على حزب الله ونعتِه بالحزب الإرهابي، وبأنه يشكل خطرًا على إسرائيل. وقد كان واضحًا أن أولويتها تكمن في مواجهة حزب الله واستكمال معركة عزله عن المكوّن اللبناني، خدمة لأمن “إسرائيل” القومي التي لا تحيد الولايات المتحدة عن تقديم الرعايا الدائمة لها وتوفير وسائل الحماية التي تحتاجها.

“يشرّفني أن أعود إلى لبنان، حيث كان لي شرف الخدمة هناك من 2002 إلى 2004، خلال تلك الفترة أعجبت جدًا بحيوية الشعب اللبناني وقدّرت بواقعية التحديات التي يواجهونها، بما في ذلك (…) تهديد حزب الله لسيادة بلدهم وأمنهم”. هكذا، وبكل وقاحة، قرّرت جونسون أن الشعب اللبناني يواجه تهديدًا اسمه حزب الله، متخطّيةً بذلك إرادة أكثر من نصف الشعب اللبناني الذي يحمل قضية المقاومة ويعتبرها صمّام الأمان الذي يحمي من مخاطر الأعداء، خصوصًا ذلك العدو المردوع على حدودنا الجنوبية، أعني الكيان الصهيوني المحتلّ، هذه الإرادة التي عبّر عنها مئات الآلاف من اللبنانيين خلال الاستحقاق الانتخابي النيابي في العام الماضي، حيث مثّل استفتاءً حول خيار المقاومة ودعم منهجها.

تقدّم السفيرة خلال السرد شكرها وامتنانها للإدارة الاميركية التي منحت مساعدات تفوق قيمتها الـ3 مليارات دولار للقوات المسلحة اللبنانية، والتي “عزَّزَت سيادة لبنان” وواجهت رواية حزب الله “الزائفة”، بحسب تعبيرها، التي تقول إن سلاحه ومقاتليه (وصفتهم بغير الشرعيّين) ضرورة للدفاع عن لبنان. لكنها سرعان ما تعترف بالتهديد الذي يشكّله حزب الله على أمن “إسرائيل”، وهي لم تذكره عند وصفها لمهام الجيش اللبناني وإشادتها بدروه، وهو تناقض صريح يدحض “الدحض” الذي أدرجته إزاء دور المقاومة في حماية لبنان، فهل هناك خطر على لبنان يضاهي الخطر الإسرائيلي عليه؟

ثم تقولها “المندوبة” الأميركية جهارًا ومن دون استحياء إن “السبب الذي يجعل لبنان أولوية للولايات المتحدة هو تقاطع مصالح الأمن القومي الأميركي في منطقة الشرق الأوسط”. وتستكمل: “لدينا “إسرائيل” عند حدوده الجنوبية، وهي مضطرة للدفاع عن نفسها ضد حزب الله”. هكذا إذًا، وبصراحة، أفادت السفيرة المقبلة أن الأمن القومي الإسرائيلي يمثّل حصة وازنة داخل إطار الأمن القومي الأميركي، وأن الاهتمام الأميركي بمنطقتنا يصبّ بدايةً في مصلحة ضمان أمن “إسرائيل” ومواجهة كل من يشكّل خطرًا على مشروعها الاستيطاني والتوسّعي. ولا تهتمّ بقضايا أخرى إلا من باب الكلام الشعري والإنشائي. ومن هنا نؤكّد أن هيمنة أميركا على القرار السياسي في منطقتنا، والذي يهدف إلى توفير الضمانات التي تشكّل حماية للأمن القومي الإسرائيلي، تخلق الأرضية للأزمات المستدامة وعدم الاستقرار في المنطقة، لأن دول المنطقة و”إسرائيل” يشكّلان متناقضين، فعندما تتمتّع الأولى بالاستقرار ذلك سيشكّل خطرًا على الاستقرار في الكيان الصهيوني، والعكس صحيح. وهي تبدي “قلقها” مما أسمته “خطر” الصواريخ التي تُطلَق من جنوب لبنان تجاه “إسرائيل”، بحسب وصفها.

أغفلت الآنسة جونسون المخاطر التي يشكّلها الكيان الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين، والمجازر السابقة التي ارتكبها والحروب التي شنّها ضد الشعب اللبناني الذي تدّعي حرصها على مصلحته وتتباكى لأجله، وهي اعترفت في محضر مستمِعيها بحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، وهي بذلك تُشَرعِن أي عمل عدائي يمكن أن يصدر عن الصهاينة تجاه الشعب اللبناني، ولو ذهب فيه ضحايا من نساء وأطفال، كما دأبَت “إسرائيل” على فعله قبل أن يكبّلها المقاومون داخل إطار معادلة الردع.

تَتَعَهَّد الوافدة الجديدة أنها لن تلتقي أبدًا مع أي مسؤول في حزب الله “لأن حزب الله مصنّف إرهابيًا في أميركا”، وتشير في مكان آخر إلى العقوبات التي فرضت على بعض الشخصيات اللبنانية لارتباطهم بحزب الله، ما يكذِّب الادعاء الأميركي بأن العقوبات على بعض الشخصيات المتحالفة مع المقاومة، ومنهم رؤساء أحزاب، مرتبطة بملفات فساد داخلية.

حاز حزب الله، بما يمثّل من مقاومة وضمان لأمن واستقرار لينان، على حصة الأسد من خطاب السفيرة الآتية من وراء المحيطات، وأوضحت الاستراتيجية الأميركية التي تضع مواجهة حزب الله على رأس أولوياتها خدمة لأمن “إسرائيل” واستقرارها. ولم تمرّر داخل خطابها على عبارات شاملة وعامة حول الفساد وضرورة انتخاب الرئيس والحرص على الاستقرار والخروج من الأزمة، من دون تقديم تعهّداتٍ بفك حصارها المطبق على لبنان وقراره السياسي والاقتصادي، والذي يودي بالبلد كل يوم إلى مزيد من الانهيار والتعاسة.

تخطَّت السفيرة دور الولايات المتحدة الأميركية في الأزمة اللبنانية، وسيطرتها على المنظومة الحاكمة والتي تمثّلها الدولة العميقة، خصوصًا في الميدان الاقتصادي، وتخطّت منعها للحلول، وحصارها الذي يدفع ثمنه الشعب اللبناني بأكمله، ومنه جماعة أميركا أيضًا. تخطّت كل ذلك وسلَّت سيوف المواجهة مع حزب الله وحركته المقاومة، والشريحة العريضة التي يمثلها داخل لبنان، كرمى لعيون مشاريع “إسرائيل” التوسّعيّة، على حساب شعوب المنطقة وشرائحها الاجتماعية التي ترزح تحت خطّ الأزمات والمتاهات التي لن تنتهي طالما هناك وجود للإمبراطورية الاميركية داخل المنطقة، والتي وجَبَ طردها كي نعيش بسلام.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد