يبدأ الرئيس الأمريكي، جون بايدن، زيارته الأولى لمنطقة الشرق الأوسط، خلال الفترة من 13 – 16 يوليو الجاري، وتشمل إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية. وتحظى الزيارة بأهمية خاصة في الدوائر الداخلية الأمريكية، خاصةً الكونجرس، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام، والمنظمات الحقوقية؛ وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها توقيت الزيارة وارتباطه بعدد من المُحددات ذات الصلة بالسياسة الداخلية الأمريكية، فضلاً عن دلالات الزيارة فيما يتعلق بإعادة تقييم أهمية الشرق الأوسط من منظور مصالح واشنطن، وصولاً إلى فهم كيفية توظيف بعض تلك الدوائر الأمريكية للزيارة في توجيه انتقادات للرئيس بايدن، في الوقت الذي يحاول فيه الأخير توظيفها لتحقيق إنجاز خارجي.
دوافع داخلية:
فرضت التطورات الداخلية في الساحة الأمريكية مجموعة من المُحددات التي ساهمت في اتخاذ الرئيس بايدن قراراً بزيارة منطقة الشرق الأوسط، وتشمل هذه المحددات ما يلي:
1- ارتفاع أسعار الوقود: دفعت الحرب الروسية في أوكرانيا أسعار الطاقة إلى الارتفاع عالمياً، حيث ارتفع سعر لتر البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما فوق 5 دولارات، بعدما كان في حدود 3.5 دولار قبل الحرب الحالية، وفي بعض الولايات يزيد السعر على 5 دولارات للتر؛ وهو ما يُفاقم من أعباء الحياة اليومية على المواطن الأمريكي. وعلى هذا الأساس، فإن جزءاً من ملفات زيارة بايدن يتمثل في مطالبة دول الخليج العربية بزيادة إنتاج الطاقة، على أمل تقليل ارتفاع أسعارها عالمياً، ومن ثم في الداخل الأمريكي.
2- الاستعداد لانتخابات الكونجرس القادمة: بالتأكيد أن ارتفاع أسعار الطاقة والذي قلل مستوى الرضا العام عن الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي، له تكلفة سياسية عالية، يُمكن أن يدفعها بايدن وحزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر المُقبل. فالحزب الديمقراطي يُمكن أن يفقد سيطرته على الكونجرس؛ لأن وضع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بشكل خاص على المحك، في ظل تساوي عدد المقاعد مع الجمهوريين (50 مقعداً لكل حزب)، وترجيح التصويت يتم من خلال صوت رئيسة المجلس وهي نائبة الرئيس الأمريكي؛ ومن ثم فإن خسارة أي مقعد في مجلس الشيوخ تعني خسارة الأغلبية، وحينها سيواجه الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي صعوبة في تمرير مشروعات القوانين. وانطلاقاً من ذلك، فإن بايدن بحاجة إلى إنجاز خارجي في ملف الطاقة لتجنب خسارة سيطرة حزبه على الكونجرس.
3- معالجة الإخفاقات الداخلية للإدارة الأمريكية: تواجه إدارة الرئيس بايدن مستوى غير مسبوق من الانتقادات الداخلية؛ بسبب إخفاقها في العديد من الملفات، لاسيما الاقتصاد وقضايا الحريات. ومن ثم فإن بايدن في حاجة إلى إنجاز خارجي يُمكن تسويقه داخلياً لتحجيم هذه الانتقادات، وزيادة مستوى الثقة في إدارته. وهذا يُفسر أن جزءاً رئيسياً من أجندة زيارة بايدن لمنطقة الشرق الأوسط يتعلق بملف العلاقات الإسرائيلية – العربية، وإمكانية تحقيق تقدم في هذا الملف، حتى ولو كان محدوداً يتمثل في الإعلان عن موافقة دول عربية على بدء تحليق الرحلات الجوية فوق أجوائها باتجاه تل أبيب. فهذا التقدم المحدود يمكن تسويقه في الداخل الأمريكي على أنه نجاح لإدارة بايدن، خاصةً إذا كان يمثل خطوة في الاتجاه نحو مزيد من علاقات التعاون بين إسرائيل ودول عربية أخرى.
تياران رئيسيان:
يوجد داخل الدوائر الداخلية الأمريكية (الكونجرس، ووسائل الإعلام، ومراكز الفكر، والمنظمات الحقوقية، وغيرها)، تياران يُعبران عن موقفين مُتعارضين إزاء زيارة بايدن للشرق الأوسط؛ أحدهما مُؤيد للزيارة والآخر رافض لها، وذلك على النحو التالي:
1- التيار المُؤيد لزيارة بايدن: يرى أنصار هذا التيار أن زيارة بايدن للمنطقة تمثل فرصة لتحقيق مصالح الأمن القومي الأمريكي، وإعادة الانخراط بقوة في الشرق الأوسط، والعمل على تجديد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، علاوة على أن الزيارة يُمكن أن تساهم في خلق بيئة استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، من شأنها أن تُعزز أمن الولايات المتحدة. ويُعبر عن هذا التيار، بعض منظمات اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، خاصةً لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية “أيباك” AIPAC، وبعض أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين والجمهوريين، وعدد من مراكز الفكر، مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
واللافت هنا أن المُنتمين لذلك التيار، لا يؤيدون زيارة الرئيس بايدن بشكل كامل ومن دون شروط مُسبقة؛ ولكنهم يفرضون شروطاً مُعينة تتعلق بضرورة أن يعمل بايدن على تحقيق المصالح الأمريكية في هذه الزيارة، بدايةً من عدم التخلي عن المبادئ والقيم الأمريكية، وضرورة إثارة قضايا حقوق الإنسان، وطرح ملف علاقات دول المنطقة مع القوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة في الإقليم، وتحديداً الصين وروسيا.
2- التيار الرافض للزيارة: يرى هذا التيار أن زيارة الرئيس بايدن تمثل تحولاً في موقفه تجاه دول المنطقة التي كان ينتقدها في السابق، والذي كان يعلن أنه لن يقوم بزيارتها أو التعامل معها. كما أن بايدن بزيارته تلك، يكون قد قدّم تنازلات، وتخلى عن القيم والمبادئ الأمريكية. ويركز هذا التيار على أن الرئيس الأمريكي لن يحقق النتائج التي يأملها من هذه الزيارة، سواء فيما يتعلق بقيام دول المنطقة بزيادة إنتاج النفط، أو ما يتردد عن تأسيس تحالف دفاعي بين دول المنطقة وإسرائيل في مواجهة إيران.
ويُعبر عن وجهة نظر ذلك التيار، مجموعة من الدوائر في الداخل الأمريكي المحسوبة كلها على التيار الليبرالي الديمقراطي؛ وتشمل منظمات حقوق الإنسان، وبعض الأعضاء في الجناح اليساري التقدمي في الحزب الديمقراطي، وصحيفة “واشنطن بوست” التي تقود بشكل رئيسي حملة الانتقادات والهجوم على السعودية وسياسات إدارة بايدن تجاهها.
واللافت أيضاً أن التيار الرافض لزيارة بايدن هو الأكثر توظيفاً لها في انتقاد الأخير وإدارته، كما أن الصخب الذي يثيره أنصار هذا التيار هو الذي فرض على الإدارة الأمريكية اتباع استراتيجية إعلامية مُعينة في الإعلان عن الزيارة والترويج لها في الداخل الأمريكي، وكذلك تبنيها نهجاً مُتدرجاً بشأن الزيارة وأنشطتها المُختلفة.
استراتيجية الاتصال:
أدى وجود أصوات في الداخل الأمريكي مُتحفظة على زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط، واتساع نطاق هذه الانتقادات؛ إلى أن ينتهج البيت الأبيض “استراتيجية اتصال عامة” Communication Strategy بهدف الترويج للزيارة في الداخل الأمريكي، حيث يمكن رصد جوانب هذه الاستراتيجية في الآتي:
1- أهداف الاستراتيجية: يتحرك البيت الأبيض وفقاً لاستراتيجية اتصال عامة للترويج للزيارة؛ تتضمن التأكيد على رسائل مُحددة، وفقاً لآليات مُعينة، وبنمط مُتدرج. وتهدف الاستراتيجية إلى تقليل الضرر الداخلي على صورة الإدارة الأمريكية نتيجة الانتقادات المُتصاعدة للزيارة، وأن تشارك إدارة بايدن في الجدل المُثار داخلياً حول الزيارة بطرح وجهة نظرها، والدفاع عن الرئيس وموقفه.
2- رسائل الاتصال: تمت صياغة عدد من رسائل الاتصال واستخدامها في خطاب الإدارة الأمريكية عن زيارة بايدن، حيث تحاول التأكيد على أن هذه الزيارة تخدم المصالح الأمريكية، وأنه لضمان هذه المصالح يجب أن يعمل بايدن مع أي دولة وأن يلتقي أي مسؤول خارجي، ناهيك عن أن الزيارة تتضمن مناقشة قضايا حقوق الإنسان، وأنها بالأساس لا تتعلق بدولة معينة في المنطقة، ولكنها تتعلق ببناء شراكات استراتيجية مع دولها بشكل عام، بالإضافة إلى التأكيد على أن الشرق الأوسط منطقة حيوية للمصالح الأمريكية.
3- آليات الاتصال: عملت الإدارة الأمريكية على الدفاع عن زيارة بايدن للشرق الأوسط، عبر عدد من الآليات والأدوات الاتصالية؛ منها تأكيد رسائل الاتصال الخاصة بالزيارة خلال تصريحات الرئيس عنها، وخلال المؤتمر الصحفي اليومي للمُتحدثة باسم البيت الأبيض، أو مُنسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي. وتمثلت أبرز هذه الآليات في المقال الذي نشره البيت الأبيض باسم الرئيس بايدن في صحيفة “واشنطن بوست” في عددها الأسبوعي يوم الأحد 10 يوليو 2022، بعنوان: “لماذا سأذهب إلى السعودية؟”
وأكد الرئيس بايدن في هذا المقال أهمية الشرق الأوسط للمصالح الأمريكية، وأنه من أهداف الزيارة تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع دول المنطقة، وشدد على أن السعودية شريك استراتيجي للولايات المتحدة. وبشكل عام، من المُحتمل أن الذي كتب المقال هو فريق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، واختيار صحيفة “واشنطن بوست” لنشره وفي العدد الأسبوعي منها قد تم بعناية ودراسة؛ لأن “واشنطن بوست” من أكثر وسائل الإعلام الأمريكية التي تعارض زيارة بايدن، وهي كذلك الأكثر انتقاداً لسياسة بايدن تجاه بعض دول المنطقة.
4- فريق العمل: وضع الاستراتيجية الاتصالية لزيارة بايدن للشرق الأوسط، فريق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض بالتعاون مع فريق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي. والفريق مُكلف بتنسيق جميع الجوانب الإعلامية المرتبطة بالزيارة، ومحاول تحجيم أي أضرار على صورة الرئيس بايدن والإدارة قد تظهر خلال فعاليات الزيارة أو في التغطية الإعلامية لها.
ختاماً، على الرغم من تصاعد الانتقادات الداخلية لزيارة الرئيس بايدن لمنطقة الشرق الأوسط، فإن الإدارة الأمريكية تسعى خلالها لإعادة تصحيح مسار علاقاتها المُتوترة مع بعض دول المنطقة، خاصةً دول الخليج. وستعمل الإدارة الأمريكية على استكمال استراتيجية الاتصال بشأن هذه الزيارة، وذلك بعد انتهائها؛ من خلال الترويج لنتائجها وما تحقق خلالها.
حسام ابراهيم – المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.