فيما تترقب المنطقة جولة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، يحتفي الإسرائيليون بمفرزاتها مسبقًا. وقبل خروج الإعلان الرسمي عن كون الجولة ستشمل السعودية، كان الإعلام الإسرائيلي يكشف ذلك، ويتحدث عن مستقبل علاقات جديدة في الشكل بين الرياض وتل أبيب، ليُسجل لفريق مستشاري محمد بن سلمان من غلاة اليمين الصهيوني المتطرف نجاحهم في خدمة مصالح “إسرائيل”.
بإعلان رسمي عن الديوان الملكي السعودي، حُدد تاريخ 15-16 تموز/يوليو، موعدًا تستقبل فيه السعودية الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سبق وأن تعهد بأن يجعل المملكة دولة منبوذة، ليطوي الرئيس الأميركي بالزيارة مرحلة الاستثمار في عناوين القيم الأميركية وحقوق الإنسان، التي وظفها للضرب بشعبوية سلفه.
في رد على الانتقادات اليومية التي كانت تطال زيارته للسعودية، صرح بايدن: “هناك قمة موسعة ستنعقد هناك (السعودية). لهذا السبب أنا ذاهب، الأمر يتعلق مباشرة بالأمن القومي بالنسبة لـ”إسرائيل”، إنه أمر أكبر من الطاقة”. وأثناء دردشة مع الصحافيين خلال توجهه إلى فيلادلفيا، كانت اجابات بايدن لافتة! فعندما كانت الأسئلة تتناول زيارته للسعودية كان الرجل يتحدث عن أمن “إسرائيل”، وعندما تكرر السؤال عن لقائه بابن سلمان أتت الإجابة عن حقوق الانسان والسلام في الشرق الأوسط ووضع حد للحروب، وأن وظيفة الرجل تتطلب “إحلال السلام حيث أمكنني ذلك”. لم يكن تحاشيًا عن توجيه إجابة فقط، بقدر ما كان في العمق تصويبًا على ما يود بايدن أن يُظهّره من أن الزيارة بما ستحققه لصالح “أمن اسرائيل والسلام” هي ترجمة القيم الأميركية بعينها، في مسعى للتهميش من لقاء أو مصافحة ستجري بينه وبين ابن سلمان، خلال الزيارة التي سيخرج الاعلام السعودي والمُلحق -على عادته- ليصفها بالتاريخية.
وقبل كلام بايدن والاعلان السعودي الرسمي عن موعد الزيارة، كانت تقارير الاعلام الإسرائيلي تحتفي بالمنجزات مستبقة انعقادها، كونها ستوسع دائرة التطبيع بدخول السعودية في اتفاقات أمنية مع “اسرائيل”. وقبل الإعلان بأسبوعين تحديدًا، كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية أن الرئيس الأميركي سيُعلن خلال جولته عن ترتيبات أمنية جديدة مع الكيان تسمح لمصر بنقل السيطرة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، فيما نقلت صحيفة “اسرائيل هيوم” عن السفير الأميركي في كيان العدو، توم نايدس، أن هدف الزيارة هو تعزيز العلاقة بين “إسرائيل” والسعودية، لترجح الصحيفة العبرية في التقرير نفسه أن يتم الإعلان عن تشكيل منتدى أمني إقليمي يضم الطرفين إلى جانب كل من: الإمارات والبحرين ومصر والأردن والسودان، بعنوان مواجهة التهديد الإيراني. وفي وقت لاحق ذكرت شبكة “سي ان ان” الأميركية أن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد علق على ما تناقله اعلام كيانه بأنها “إشاعات غير مؤكدة لكنها ليست بلا أساس”، وتوقف لابيد في كلامه عند رمزية توجه طائرة بايدن من كيان الاحتلال إلى السعودية مباشرة.
وبالعودة الى ما يعني الأميركيين، ثلاثة عوامل تقف خلف كسر الجمود الظاهر في العلاقات الأميركية – السعودية: أولًا: الحرب الدائرة في أوكرانيا التي أعادت إبراز أهمية المنطقة في توازنات الطاقة العالمية. ثانيًا: أزمة أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، وهي أزمة غير مستجدة، سبق وأن واجهت إدارة ترامب ولكنها استفحلت إلى مستوى غير مسبوق في عهد بايدن لتعيد الأميركيين إلى أكبر أزمة مالية عايشوها عام 2008. ثالثًا: الانتخابات النصفية التي تترقب نتائجها إدارة بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر في ظل تزاحم التحديات الاقتصادية داخليًا.
وبالتوازي مع السياسات المالية الأميركية القاسية التي أُعلن عنها مؤخرًا، تشكل زيارة بايدن المزمعة إلى الرياض حاجة ملحة يُرتقب أن تنعكس نتائجها إلى حد ما على أزمات الداخل. وقد اتضح ذلك بترحيب البيت الأبيض، على لسان المتحدثة باسمه كارين جان-بيار، باتفاق “أوبك بلس” على زيادة إنتاج النفط لمدة شهرين، والثناء الذي رافقه على الدور الذي تلعبه السعودية ضمن المنظمة، كأكبر منتج للنفط، مؤكدة في الوقت نفسه أن واشنطن “ستواصل استخدام جميع الأدوات المتاحة لمعالجة ضغوط أسعار الطاقة”.
ومقابل الاعتبارات التي تحرك إدارة بايدن، محدد ثابت ووحيد يقف خلف السياسات التي ينتهجها ولي العهد السعودي منذ ظهوره في المشهد السياسي، وهو الوصول إلى العرش. وبلمحة سريعة سيتكشف أن كل معارك الرجل التصفوية ضد منافسيه داخليًا، والسياسية كما الاقتصادية على مستوى الساحة الخليجية، إضافة إلى حروبه العسكرية في المنطقة، وصراعاته الاقليمية المتنقلة كانت تهدف إلى تعبيد الطريق له كملك مؤسس لسعودية رابعة، بأمجاد تحاكي تلك الصورة المكرسة سعوديًا عن جدّه المؤسس. وقد أفرز الرجل ميزانيات ضخمة لحملات العلاقات العامة التي استثمرت في بعض الاعلاميين والكتاب الأجانب لتلميع صورته التي كان يلطخها مع كل فشل يراكمه. وبالنسبة للعرش، لا بد من مباركة أميركية تطلب كسر العزلة التي فرضتها الجريمة المروعة التي تم من خلالها تصفية جمال خاشقجي، الذي جرى تخديره وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في اسطنبول بأمر من محمد بن سلمان شخصيًا، وفق ما ذكر تقرير الاستخبارات الأميركية.
وبين الدوافع الأميركية وما يبتغيه ابن سلمان، يحصد الإسرائيلي الجائزة. والزيارة التي تأتي وفق المصالح والحسابات الإسرائيلية، يدخل الإسرائيليون فيها كطرف وسيط، يحقق للأميركيين رفع الانتاج النفطي بما يحفظ الاحتياطي الأميركي وبما يساهم في حلول يريدها الأميركيون حتمًا لمواجهة أزمة أسعار الطاقة، ولتعزيز صورة انجازات الإدارة وفق اهتمامات الداخل الأميركي. وبشكل موازٍ، يؤمن لمحمد بن سلمان المصافحة التي يتعطش للحظتها، لأهميتها مع تسارع العد التنازلي للحظة اعتلائه العرش، ويؤمن للاسرائيلي المكسب الأوفر: اتفاق “علني” أو تواصل “علني” بينه وبين السعودية بما تمثل من مكانة على مستوى الشارع العربي والاسلامي، تتجاوز شخص ابن سلمان، بما يشكل فعليًا توسيعًا لدائرة اتفاقيات التطبيع (التي يطلق عليها اسم اتفاقيات ابراهام)، وهو التطبيع الذي وإن كان يتم من تحت الطاولة وتُنقلُ تفاصيله يوميًا في الاعلام والصور الملتقطة للمصافحات بين مسؤولين من الجانبين، أو زيارات لشخصيات سعودية، أو وفود اسرائيلية بعناوين دينية أو اقتصادية، إلا أن ذلك لا يُرضي الرغبة الإسرائيلية التي لا يفوِّت اعلامها -وبقرار رسمي- أي فرصة لفضح العلاقات المتنامية بين الطرفين. كل ذلك لا يُشبع حكومة الاحتلال، الصورة العلنية والمصافحات العلنية على أعلى المستويات هي ما تريده أن يخرج إلى الضوء، وإن كانت تدرك أن ارتداداته الأمنية والعسكرية كما الشعبية لن تغير من المعادلات التي تؤرق “إسرائيل” ككيان مؤقت، يتآكل من الداخل، وبات مهددًا بالزوال كما يُقر أهله، ويزداد ضعفًا فيما تتعاظم قوة وقدرات وخبرات أعدائه.
والدخول الإسرائيلي على خط الوساطة السعودية الأميركية، يأتي ترجمة لجهود فريق المستشارين من اليمين الصهيوني المتطرف، الذين يديرون سياسات محمد بن سلمان الخارجية، أمثال جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي سبق أن تناولت الصحف الأميركية خبر حصوله على ملياري دولار من صندوق الاستثمار العام السعودي. كوشنر الذي بات يعتبر بمثابة الصندوق الأسود ومالك أسرار ولي العهد السعودي. وإلى جانبه، يحضر اسم وزير الخزانة الأميركي السابق ستيفن منوشين، الذي حصل على دعم سعودي موازٍ وتحت العنوان نفسه، والذي أسهم في لعب دور بارز على خط هندسة عملية التطبيع الاقتصادي القائمة والمتنامية بشكل سريع على خط تل أبيب الرياض. وفي الوقت الذي يقود هذا الفريق حملة علاقات عامة تقدم مادة يومية عن أهمية السعودية التي لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن سوق النفط العالمي، وعن أهمية قيام أي تعاون اقليمي بين “اسرائيل” والسعودية يشكل جسرًا أميركيًا لمواجهة إيران في المنطقة، هناك مادة أهم ستطلب من ابن سلمان الاعتماد على فريق آخر من المستشارين، ينقذ شرعية سلطته الخاضعة للمحاسبة من قبل منابر وأقلام العالم الاسلامي، وأمام المساءلات التي تدور حول ما يفرط فيه الرجل مقابل العرش، من عملية الانحلال المعادية للدين ومظاهره التي استبدل بها أسوأ تجربة دينية تبنتها وروجت لها السعودية والتي تتعرض لانتقادات واسعة لا سيما في الشوارع الآسيوية التي غذتها الأصولية السعودية لسنوات، وصولًا إلى التفريط الكامل بحقوق ومقدسات وثوابت أمة لم يتمكن ارتزاق نخب “السعودية العظمى” أن يقطع الوصل بين ضمائرها وبين فلسطين كقضية مركزية لا يزال بإمكانها إشعال شوارع العالم الإسلامي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.