في كانون الثاني/ يناير 2022، ادعى وزير التعليم البريطاني ناظم الزهاوي أن المقولة الشعبية “من النهر إلى البحر… فلسطين حرة” معادية للسامية، وأن الهتاف بها يجب أن يعتبر جريمة جنائية. وتأتي تعليقات الزهاوي في إطار قمع الحكومة البريطانية المتزايد لحركات التضامن مع فلسطين، بما في ذلك الجهود المبذولة لمنع الهيئات العامة من استخدام تكتيكات المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات فضلاً عن محاولات الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
تعكس حملة القمع السياسة الخارجية البريطانية طويلة الأمد تجاه النظام الإسرائيلي، وهي جزء من موجة من التشريعات التي تهدف إلى تجريم مجموعة واسعة من حركات العدالة الاجتماعية والسياسية، مع التركيز على المظاهرات والإجراءات السياسية. وقد سبق أن استهدفت الحكومة البريطانية حركات مثل حياة السود مهمة التي تتحدى عنف الدولة، وفي المقابل قادت هذه الجماعات بدورها جهود مقاومة هذه الحملة القمعية.
حفّز هذا القمع تضامنًا جديدًا وعملا عبر الحركات بين صفوف المجموعات المستهدفة، وهو ما يتضح بشكل متزايد في المظاهرات والإجراءات السياسية في جميع أنحاء المملكة المتحدة. في هذه الفضاءات، يشترك جميع النشطاء المتضامنين مع فلسطين ونشطاء حركة السود مهمة ونشطاء المهاجرين واللاجئين ونشطاء المناخ، من بين آخرين، في نضال واحد.
لا شك أن لهذه الحملة القمعية آثارٌ طويلة المدى، ويركّز موجز السياسة التالي على البيئة القمعية المتزايدة التي تواجه أولئك الذين يعملون ضمن حركات التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة. يبيّن هذا التقرير كيفية ارتباط الأحداث الأخيرة بمحاولة متجددة لقمع الاحتجاج والتعبير السياسي، ويُسلّط الضوء على الجهود الناجحة لمقاومة هذه الحملة، ويختتم باستراتيجيات لمواجهة هذا القمع وطرق تعزيز الروابط بين هذه الحركات.
السياسة الخارجية البريطانية المتسقة تجاه الصهيونية
كان دعم بريطانيا للمشروع الصهيوني ثابتًا منذ نشأته الاستعمارية، وقد عكست السياسة الخارجية البريطانية ذلك باستمرار. تألّفت النخبة السياسية في بريطانيا من الصهاينة المسيحيين، بما في ذلك رئيس الوزراء لويد جورج، الذي قاد الحكومة الائتلافية في وقت إعلان بلفور سنة 1917. كان هذا الالتزام بالصهيونية الذي تطلب إنكار التطلعات الوطنية الفلسطينية مركزيًا للحكم البريطاني طوال 30 سنة من احتلال فلسطين (من سنة 1917 إلى سنة 1948). وقد سهّلت السلطات الاستعمارية البريطانية هجرة عشرات الآلاف من يهود أوروبا إلى فلسطين ودعمت إقامة المؤسسات الصهيونية مقابل قمع المقاومة الفلسطينية للحكم البريطاني والاستعمار الصهيوني.
بعد قيام “إسرائيل” سنة 1948 والاستحواذ على أكثر من 80 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية، واصلت بريطانيا دعم المشروع الصهيوني. وفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ساعدت النظام الإسرائيلي بشكل سري على تطوير أسلحة نووية. وحافظت المملكة المتحدة على مبيعاتها من الأسلحة للنظام الإسرائيلي على مدار عقود – وصلت إلى ذروة جديدة في سنة 2018 – رغم جرائم الحرب المستمرة وانتهاكات حقوق الفلسطينيين. وقد استُخدمت العديد من مشتريات الأسلحة والتقنيات البريطانية في الهجمات المميتة للنظام الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي يرزح تحت الحصار العسكري منذ أكثر من 15 سنة.
أدانت حكومة حزب العمال البريطاني احتلال “إسرائيل” لبقية فلسطين التاريخية في سنة 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، لكنها حافظت على علاقة قوية مع حزب العمل الإسرائيلي الذي كان في الحكومة في ذلك الوقت. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ويلسون من المدافعين “غير المفهومين” عن الصهيونية بوصفه النظام الإسرائيلي “تجربةً رائعة في السياسة الاشتراكية”.
من المفارقات أن حزب العمل الإسرائيلي هو الذي قاد المشروع الاستيطاني غير القانوني في الضفة الغربية وغزة والجولان السوري المحتل. منذ ذلك الحين، حافظت الحكومة البريطانية على التصريحات الرسمية التي تقول إن “المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي” وأنه على النظام الإسرائيلي أن “يوقف فورًا” أشغال بنائها. لكنها لم ترفض تحميل “إسرائيل” المسؤولية عن جرائم الحرب التي ترتكبها فحسب، بل تكافئ النظام الإسرائيلي بتعميق العلاقات التجارية والدبلوماسية معه. واليوم، يوجد أكثر من 620.000 مستوطن إسرائيلي موزعين على أكثر من 200 مستوطنة في الضفة الغربية. وتمتد هذه المستوطنات والبنى التحتية الداعمة لها على غالبية أراضي الضفة الغربية، مما يؤثر على كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين.
ينعكس تأييد بريطانيا المستمر للمشروع الصهيوني في توجهات السياسة الخارجية الحالية، ولعل ذلك ما أكده وزير الدفاع البريطاني السابق جافين ويليامسون في تصريح يعود لسنة 2018 قال فيه إن العلاقة بين المملكة المتحدة و”إسرائيل” هي “حجر الزاوية لكثير من إنجازاتها في الشرق الأوسط”. بعبارة أخرى، يحمي النظام الإسرائيلي مصالح المملكة المتحدة في المنطقة، وفي المقابل تحمي المملكة المتحدة النظام الإسرائيلي. وبينما يفسّر التوافق الأيديولوجي التاريخي لبريطانيا مع الصهيونية الموجة الحالية من الإجراءات القمعية ضد نشاط التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة، من المهم التأكيد على أن قيام المملكة المتحدة بذلك يضمن مصالحها الاستراتيجية.
مناورات حكومة المملكة المتحدة القمعية
لطالما اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات لقمع حركات التضامن مع فلسطين. مع ذلك، تمثل المناورات الأخيرة حقبةً جديدةً في سلسلة حملات القمع التي تشنها الدولة البريطانية ولها تداعيات خطيرة على حركات التضامن مع فلسطين والحركات المتحالفة معها.
من بين الأساليب المفضلة للحكومة ربط النضال الفلسطيني من أجل التحرير بالإرهاب، وهي محاولة متعمدة لتجريد الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية. تسارعت وتيرة ذلك في أعقاب أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر و”الحرب على الإرهاب” الأمريكية التي دعمتها الحكومة البريطانية وتبنتها. وفي سنة 2003، وكجزء من هذا النهج، قدّمت الحكومة البريطانية استراتيجية مكافحة التطرف المسماة “بريفانت” لوقف أولئك الذين قد يصبحون “إرهابيين” أو الذين قد يدعمون “الإرهاب”. وفي سنة 2015، أصدرت الحكومة تشريعًا يضفي الطابع المؤسسي على استراتيجية “بريفانت” لدى الكيانات التابعة لقطاع التعليم والصحة، مما يتطلب من المهنيين “إيلاء العناية الواجبة لمنع الناس من الانجراف نحو الإرهاب”.
وفقًا لمختلف الخبراء ومنظمات حقوق الإنسان، خلقت هذه الاستراتيجية خطرًا حقيقيًا من وقوع انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في اعتمادها لمبدأ ما “قبل الإجرام”. بعبارة أخرى، يشجع ذلك المهنيين في القطاعات التعليم ولصحة على تحديد المتطرفين المحتملين الذين لم يرتكبوا الجريمة بعد. وتحدد المبادئ التوجيهية والتدريب مجموعة من العلامات التي قد تشير إلى إمكانية تطرف الشخص، بما في ذلك “الإحساس بالظلم الناجم عن جوانب السياسة الحكومية”.
أما ما لا يثير الدهشة استهداف المسلمين بشكل متفاوت، وفي كثير من الحالات، الإبلاغ عنهم بسبب إظهار بعض علامات الالتزام الديني. بطبيعة الحال، معظم الإحالات التي قدمها المهنيون في هذه القطاعات لا أساس لها من الصحة، لكنها غالبا ما تخلّف عواقب ضارة للغاية بالنسبة لأولئك المبلغ عنهم، بما في ذلك انتهاكات الخصوصية، والاستجواب من قبل الشرطة، ووصمة العار الاجتماعية.
يعتبر التعاطف مع فلسطين أو الاهتمام بقضيتها علامةً أخرى محتملة للتطرف، ويتم تضمين “الدعم اللفظي لفلسطين” و”معارضة المستوطنات الإسرائيلية” في قائمة التظلمات المحتملة التي يجب على المهنيين مراقبتها. ومن المفارقات أن هذا يتعارض مع السياسة الرسمية للحكومة البريطانية، التي تدعي أنها تعارض المستوطنات الإسرائيلية. وباستخدام المنطق ذاته، ينبغي في هذه الحالة الإبلاغ عن وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث بشبهة التطرف المحتمل.
إن التأثيرات الضارة التي تخلفها سياسة تشويه سمعة كل من يتضامن مع فلسطين التي تعتمدها استراتيجية “بريفانت” لها تجليات واضحة. ففي سنة 2014، أحيل صبي في المدرسة إلى شرطة مكافحة الإرهاب من قبل أساتذته لارتدائها شارة “فلسطين حرة” وتوزيع منشورات تندد بالتفجير الذي يرتكبه النظام الإسرائيلي في غزة. استجوبت الشرطة الصبي في منزله، ووفقا لما ورد، طُلب منه عدم التحدث عن فلسطين في المدرسة مرة أخرى. وهناك العديد من حالات طلاب الجامعات الذين يتعرّضون للمراقبة والمضايقة بسبب التعبير عن دعمهم لفلسطين.
إلى جانب الارتباط التشهيري بالإرهاب والتطرف، غالبًا ما يتم الخلط بين نشاط التضامن مع فلسطين ومعاداة السامية. وقد تحوّل هذا الخلط الاستراتيجي إلى ظاهرة عالمية قادته سابقا وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، وهي وزارة تأسست في الأغلب لمكافحة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وحركات التضامن الفلسطينية تم دمج عملها منذ ذلك الحين مع وزارة الشؤون الخارجية.
في سنة 2018، اعتمدت الحكومة البريطانية تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية، الذي يخلط عن قصد معاداة الصهيونية مع معاداة السامية. ينص هذا التعريف على أن “حرمان الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير، على سبيل المثال، من خلال الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري”، هو شكل من أشكال معاداة السامية. وبهذه الطريقة، تم اعتماد هذا التعريف بشكل غير متناسب لاستهداف مجموعات التضامن مع فلسطين التي تنتقد بشكل طبيعي النظام الإسرائيلي، في حين أن الجماعات الأوروبية الوطنية البيضاء واليمين المتطرف لم تتلق سوى القليل من الاهتمام.
منذ سنة 2020، تعرضت الجامعات في المملكة المتحدة لضغوط لتبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، هدد وزير التعليم البريطاني السابق غافن ويليامسون بحرمان الجامعات من التمويل إذا فشلت في تبني ذلك التعريف.
في أغلب الحالات، استسلمت الجامعات لهذا الضغط وكان لذلك عواقب وخيمة. في جامعة شيفيلد هالام، مثلا، تم تعليق نشاط الأكاديمية الفلسطينية شهد أبوسلامة في انتظار التحقيق في شكاوى من الهيئات الخارجية التي تفيد بأنها خرقت قواعد الجامعة التابعة للتحالف. وسرعان ما تم التخلي عن التحقيق بعد حملة واسعة النطاق لدعم أبوسلامة وبعد أن فشلت الجامعة في إثبات الشكاوى.
إن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست يُمثّل العمود الفقري للعديد من الهجمات الموجهة ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وقد اقترحت الحكومة البريطانية تشريعات تستهدفها بشكل مباشر. وقد فرضت الحكومة البريطانية “قواعد إرشادية” تعتبر مقاطعة الهيئات العامة للمشتريات الإسرائيلية “غير مناسبة”. وفي وقت لاحق، وعد حزب المحافظين في بيانه الانتخابي لسنة 2019 بترسيخ تلك القواعد سياسيًا، وتعهد بـ “منع الهيئات العامة من فرض حملات المقاطعة المباشرة أو غير المباشرة الخاصة بها أو سحب الاستثمار أو العقوبات ضد الدول الأجنبية”.
مع أن هذا البيان لم يذكر بشكل صريح حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، أوضح العديد من السياسيين في حزب المحافظين أين تكمن دوافعهم. فعلى سبيل المثال، قال النائب روبرت جينريك في مؤتمر عبر الإنترنت: “خلال عام أو عامين، يجب … أن نطبّق حظرًا مطلقًا على حركة المقاطعة، وسيكون ذلك خطوة كبيرة إلى الأمام”. ومن جهته، أصر النائب المحافظ والمبعوث الخاص المعين من قبل الحكومة لقضايا ما بعد الهولوكوست، إريك بيكلز، في مؤتمر في القدس سنة 2019 على أن حركة المقاطعة معادية للسامية وأن التشريع المقترح لن يسمح للهيئات العامة بمقاطعة النظام الإسرائيلي.
من الواضح الآن أن التشريع المناهض للمقاطعة سيُعرض على البرلمان. في خطابها في أيار/ مايو 2022 في افتتاح البرلمان، أكدت الملكة أن حكومة المملكة المتحدة ستقترح “تشريعات [من شأنها] منع الهيئات العامة من المشاركة في حركات المقاطعة التي تقوض تماسك المجتمع”. وإلى جانب تقليص عمل النشطاء المتضامنين مع فلسطين، سيؤثر هذا الأمر أيضًا على أولئك الذين يريدون متابعة المقاطعة كشكل من أشكال الاحتجاج ضد القوى الأخرى المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. وأشار بيان صادر عن مجموعة من المنظمات البريطانية غير الحكومية إلى أن هذا من شأنه “خنق مجموعة واسعة من الحملات المعنية بتجارة الأسلحة، والعدالة المناخية، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والتضامن الدولي مع الشعوب المضطهدة التي تناضل من أجل العدالة”.
إلى جانب قمع حركات المقاطعة، يواجه نشاط التضامن مع فلسطين قمعًا من المناورات القانونية التي تستهدف حركات العدالة الاجتماعية والمجتمعات المضطهدة بما في ذلك المهاجرين واللاجئين. يصف النقاد المشهد بأنه انزلاق نحو واقع “الدولة البوليسية”. وخير مثال على ذلك مشروع قانون الجنسية والحدود الذي يهدف إلى وقف الهجرة من أجزاء معينة من العالم عن طريق تجريم طالبي اللجوء وتقديم مراكز إجراء “خارجية”، ناهيك عن الجهود المبذولة لإصلاح وتقييد قانون حقوق الإنسان – مما يسمح بشكل أساسي للحكومة بإنتقاء واختيار من الذي تُطبّق عليه حقوق الإنسان.
أما المشروع الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للحملات والحركات السياسية هو مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم الذي يوسع صلاحيات الشرطة والهيئات المؤسسية الأخرى. توضح جماعات ونشطاء حقوق الإنسان أن هذا المشروع فيه تجاوز كبير للسلطة السياسية ومحاولة لقمع الاحتجاج و”اعتداء على بعض الحقوق الأساسية للمواطنين، لاسيما أولئك الذين ينتمون إلى المجتمعات المهمشة”.
يمنح قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم كلا من وزارة الداخلية ومسؤولي الشرطة سلطة تقديرية واسعة لاعتبار الاحتجاجات غير قانونية واعتقال واتهام المشاركين فيها ومنظميها. يمكن اعتبار الاحتجاج غير قانوني إذا تسبب في إحداث الكثير من الإزعاج، وقد يتم القبض على أي شخص واتهامه بتنظيم أو مشاركة معلومات حول الاحتجاجات. كما يجرم القانون أيضًا “التعدي على الغير”، ولا يعد ذلك محاولة لتقييد حيز النشاط السياسي فحسب، بل يستهدف أيضًا مجتمعات الغجر والرومن والرحّل بشكل مباشر.
بالإضافة إلى الاعتقالات، تشمل العقوبات بموجب مشروع قانون الشرطة والجريمة والأحكام والمحاكم عقوبات طويلة بالسجن وغرامات باهظة، وهو ما من شأنه أن يُثني الكثير من الناس عن المشاركة في الاحتجاجات والتجمعات السياسية. وقد صرحت منظمة “ليبرتي” لحقوق الإنسان ومقرها المملكة المتحدة بأن الأحكام الواردة في مشروع القانون ستؤثر على الجميع وستفكك “الحقوق المُتحصل عليها بشق الأنفس التي نعتز بها بشدة في التجمع والتعبير عن المعارضة بحرية”.
التراجع الناجح واستراتيجيات الدفاع
تشكل هذه المناورات القانونية جهدا واضحا لإحداث تأثير مخيف من أجل ردع النشطاء المتضامنين مع فلسطين والحركات المتحالفة معها عن التنظيم. مع ذلك، استمر النشطاء في التصدي لقمع الدولة البريطانية – وقد نجحوا في الكثير من الحالات في ذلك. وفيما يلي بعض الأمثلة والإمكانيات لبناء المزيد من الإجراءات.
كافح الاتحاد الوطني للطلاب، بدعم من أعضاء هيئة التدريس المتحالفين، تاريخيًا بإستراتيجيته الخاصة المتمثلة في التصدي لبرنامج “بريفانت” وشجع الجامعات على إطلاق حملات تحت عنوان “الطلاب غير مشتبه بهم”. ويعارض هذا الاتحاد رسميا ما يسمى باستراتيجية “بريفانت” كسياسة حكومية ويدعم المُستهدفين منها. وعلى نطاق أوسع، ندد الأكاديميون وغيرهم من المهنيين علنًا “بريفانت”، حيث انتقدت إحدى الرسائل العامة هذه الاستراتيجية باعتبار أنها تفتقر إلى “قاعدة الأدلة في العلوم”.
وبالمثل، تمثل المؤسسات الأكاديمية فضاءً لمعارضة تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمفهوم معاداة السامية. وفي أوائل سنة 2021، نشر أكاديميون في كلية لندن الجامعية تقريرًا مفاده أن “تعريف العمل المحدد لا يعد مناسبا للغرض في هذه البيئة الجامعية وليس له أساس قانوني للتنفيذ”. بعد هذا التقرير، حث مجلس أكاديمي داخلي الجامعة على رفض استخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وأجبر الجامعة على مراجعة قرار اعتماده.
في نفس الوقت تقريبًا، نشرت الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط بيانًا أكدت فيه أن هذا التعريف ينزع الشرعية عن أولئك الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية، ولا يساهم بشكل جوهري في مكافحة العنصرية. وتلى ذلك تصريحات وتحرّكات أخرى بما في ذلك رسالة من مجموعة من 135 أكاديميا إسرائيليا يرفضون التعريف، ورسالة من أكاديميين ومثقفين فلسطينيين وعرب نُشرت في صحيفة الغارديان. ومثّلت هذه الحجة ضد التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست دافعًا بالنسبة للعديد من الجامعات إلى الوقوف بثبات في وجه الضغط الذي تسلطه الحكومة لتبني هذا التعريف.
تشكيل تحالفات الطلاب والموظفين الأكاديميين أمرٌ أساسي لمحاربة السياسات الجامعية القمعية، حيث يتمتع كلاهما بقوة جماعية كبيرة. وبشكل حاسم، يمكن للموظفين الأكاديميين – ويجب عليهم – رفض المشاركة الجماعية في التجسس الذي تفرضه الحكومة على الطلاب، ذلك أن المؤسسات التعليمية لطالمات كانت موقعا للرفض ومقاومة السياسة القمعية بما في ذلك إسكات نشاط حملة التضامن مع فلسطين، وهو ما يجب أن يستمر.
كانت المعارضة القانونية ضد نزع الشرعية عن حركة المقاطعة فعالة بشكل خاص. ومنذ سنة 2017، حاربت حملة التضامن مع فلسطين، إلى جانب الحركات الحليفة، محاولات الحكومة البريطانية لإسكات حركة المقاطعة في المحاكم. وفي نيسان/ أبريل 2020، هزمت حملة التضامن مع فلسطين حكومة المملكة المتحدة في قضية تاريخية في المحكمة العليا. وحكمت المحكمة ضد التوجيهات الحكومية المذكورة أعلاه، التي قيدت قدرة أنظمة التقاعد الحكومية المحلية على سحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة مع النظام الإسرائيلي في انتهاك الحقوق الأساسية للفلسطينيين.
يتزامن نجاح حملة التضامن مع فلسطين مع غيرها من التدخلات القانونية الناجحة في جميع أنحاء أوروبا سعيًا وراء دعم حق المقاطعة. وفي سنة 2020، أقرّت حكمت محكمة دستورية إقليمية ألمانية حكمًا ضد اقتراح مناهض لحركة المقاطعة، مشيرة إلى مساسه بالحقوق الأساسية. وفي أيار/ مايو 2021، اعترفت محكمة جنائية فرنسية في ليون بشرعية شخصية دعوة المقاطعة.
إلى جانب حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، يعمل مركز الدعم القانوني الأوروبي، وهو منظمة مستقلة تأسست للدفاع عن مناصري الحقوق الفلسطينية وتمكينهم في جميع أنحاء أوروبا، على تعزيز حركة التضامن الفلسطينية من خلال الجمع بين “المراقبة والاستراتيجيات الدفاعية والتقاضي المؤثر والتدريب والدعوة”؛ كما يعمل على تطوير “الأدوات القانونية والمشاركة في التقاضي الاستراتيجي لدعم دعوة المجتمع المدني وحملاته”.
تخلق هذه التدخلات سوابق قانونية يمكن للنشطاء والحركات استخدامها في جميع أنحاء العالم. وفي الواقع، أشارت حملة التضامن مع فلسطين إلى هذه الأهمية بعد فوزها في المحكمة: “لعدة سنوات، انخرطت إسرائيل وحلفاؤها في معركة لنزع الشرعية عن النشاط الحقوقي الفلسطيني، وتحديدا، محاولة تجريم العمل الداعم للدعوة الفلسطينية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. يجب فهم خفايا محاولات حكومة المملكة المتحدة تقديم مثل هذه اللوائح في هذا السياق. وقد أعلنت الحكومة في خطاب الملكة عزمها تمرير المزيد من التشريعات المناهضة للمقاطعة. ويجب أن يكون انتصارنا في المحكمة العليا في هذا اليوم ضربة قاضية لهذه الجهود”.
بالإضافة إلى حقوق النشطاء المتضامنين مع فلسطين، يجادل مجلس السلم والأمن بأن قضيتهم تتعلق أيضا بتهديدات أوسع لحرية التعبير وتجاوزات الحكومة في الديمقراطية المحلية. وفي الواقع، لا تعد حركة التضامن مع فلسطين الهدف الوحيد لقمع الدولة البريطانية، مثلما يتضح من مشروع قانون الشرطة والجريمة والأحكام والمحاكم. ونظرًا لأن مشروع هذا القانون يستهدف مجموعة واسعة من النشطاء والحركات، فقد قاد الحشد ضده تحالف من الحركات، مع قيام مجموعات “حياة السود مهمة” البريطانية بدور القيادي.
منذ بداية سنة 2021، خرج الآلاف إلى الشوارع عبر المدن الكبرى في المملكة المتحدة في احتجاجات “إسقاط مشروع القانون”. وقد ساعدت الجماهير في دفع مجلس اللوردات إلى رفض مشروع القانون مرتين بسبب مخاوف كبيرة تتعلق بطبيعته القمعية. ومع ذلك، في تطور مقلق للناشطين السياسيين وحركات العدالة الاجتماعية، تم تمرير مشروع قانون الشرطة والجريمة والأحكام والمحاكم من خلال البرلمان في 28 نيسان/ أبريل 2022.
تؤكد كل من حملة “إسقاط مشروع القانون” والتدخلات القانونية للدفاع عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الحاجة إلى محاربة هذه المناورات القانونية على عدة جبهات لا تكتفي بممارسة ضغط أكبر على الحكومة بل تكون أيضًا متجذرة في الاقتناع بترابط قضايا النضال، فضلا عن الإيمان المشترك بمقاومة الاضطهاد.
كتب نائب مدير حملة التضامن مع فلسطين، ريفكا بارنارد، أن هذه القوة الجماعية “هي التي تخيف حكومتنا المتواطئة والشركات التي تتمتع بتفويض مطلق للاستفادة من الموت والدمار”. وبينما تواصل الحكومة البريطانية تبني سياسات الدولة البوليسية، فإن هذه الاستراتيجية الجماعية هي التي ستقاوم بشكل أكثر فعالية ضد القمع الحكومي المستمر وتضع الأساس للنضال في المستقبل.
يارا هواري – الشبكة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.