قبل أيّام قليلة أحيا الفلسطينيون الذكرى الخمسين لعملية «مطار اللّد» بتل أبيب، إحدى أهمّ العمليات العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي، التي جرى تنفيذها في 30 مايو (أيار) 1972، والتي أسفرت عن مقتل 26 إسرائيليًا، وإصابة حوالي 80 آخرين.
وكانت العملية من إشراف وتخطيط «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، لكنّ المنفّذين الثلاثة للعلمية لم يكونوا فلسطينيين، بل مواطنين من اليابان، وفي حين أسفرت العملية عن استشهاد كل من «تسويوشي أوكاديرا»، و«ياسويوكي ياسودا»، فقد بقي العنصر الثالث المشارك في العملية «كوزو أوكاموتو» على قيد الحياة.
وكان الثلاثة أعضاء في تنظيم «الجيش الأحمر الياباني» الذي قاده الإيمان بالثورة الاشتراكية الأممية في مطلع سبعينات القرن الماضي إلى مخيمات الفلسطينيين في لبنان لينضمّ أعضاؤه إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، ويصبحون جزءًا مدهشًا ومثيرًا للخيال من تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي.
الجيش الأحمر الياباني.. «الثورة الأممية» من بوابة فلسطين
يشير مصطلح «الجيش الأحمر الياباني» الذي ظهر للوجود في أواخر الستينات إلى ثلاث فرق مرتبطة ببعضها، فالتنظيم الأصلي الذي يُدعى «فصيل الجيش الأحمر» الذي قاده «شيومي تاكايا» كان وليد الاحتجاجات الطلابية لسنة 1968، بالإضافة إلى مجموعة ثانية اتحدت مع مجموعات يسارية أخرى وسمّت نفسها «الجيش الأحمر المتّحد» سنة 1971 بقيادة «موري تسونيو»، أما الفصيل الثالث فهو الذي تبنّى النضال من أجل القضية الفلسطينية بعد انتقال أعضائه إلى لبنان في سنة 1971 بقيادة «أوكودايرا تاكيشي»، و«شيجينوبو فوساكو»، وعُرف هذا التنظيم في اليابان أيضًا باسم «الجيش الأحمر العربي (Arabu Sekigun)».
في دراستها حول «الجيش الأحمر الياباني»، سلّطت «باتريشيا شتاينهوف»، أستاذة السوسولوجيا، ومديرة «مركز الدراسات اليابانية» في جامعة هاواي، الضوء على ملاحظة مثيرة للاهتمام حول طبيعة الأفراد الذين انخرطوا في هذا التنظيمي الماركسي، وعن خلفياتهم الاجتماعية والتعليمية.
إذ تشير «شتاينهوف» إلى أنّ التنظيم الأصلي لـ«الجيش الأحمر» استقطب أصحاب المستويات العلمية العليا من أبناء النخب اليابانية الميسورة؛ أولائك الذين كان يُتوقّع لهم أن يسلكوا مسارات مهنية ناجحة في الشركات الكبرى أو في الطب أو الأكاديميا، وتقول: «لو لم ينخرطوا في (الجيش الأحمر) لكانوا اليوم جزءًا من القيادات العليا في اليابان المعاصرة».
ويمكن القول إن تاريخ الحركات اليسارية في اليابان هو تاريخ الانشقاقات وتأسيس كيانات جديدة من رحم التنظيمات القديمة، سواء بسبب خلافات تنظيمية أو أيديولوجية حول مستقبل «الثورة اليسارية» ووسائل تحقيقها، فـ«الجيش الأحمر الياباني» هو تنظيم منشقّ عن التنظيم الأمّ المسمّى «عصبة الشيوعيين» الذي بلغ أوجّ نشاطه في آخر الخمسينات، و«عصبة الشيوعيين» هي الأخرى فصيل منشقّ عن «الحزب الشيوعي الياباني».
ومثل كل التيارات اليسارية في العالم، شهد اليسار الياباني انشقاقات تلو الانشقاقات عقب كل حدث سياسيّ هام، خصوصًا بعد المظاهرات المطالبة بعدم تجديد الاتفاقية الأمنية» مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1960، وقد شهد هذا التيّار الذي سيطر على النشاط السياسي الطلابي في البلاد أكثر من 50 انشقاقًا، ونشأت عشرات المجموعات اليسارية التي اختلفت في تكتيكاتها وأفكارها حول مستقبل الحراك الطلاّبي.
أحد أبرز هذه الحركات اليسارية التي قادت الانتفاضة الطلاّبية هو «فصيل الجيش الأحمر»، والذي نال أعضاؤه خبرة هائلة في الحشد، والتنظيم، والدعاية، والنشاط الميداني، من خلال توزيع العرائض وتأطير المظاهرات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية؛ ورغم أنّ نشاط هذا التنظيم إلى غاية ذلك الوقت كان قانونيًا بصورة تامّة، إلا أن هذا لم يمنع الشرطة اليابانية من محاولات اختراقه، والتجسس عليه، واعتقال أعضائه، والتضييق عليهم بشتّى الوسائل؛ وهو ما دفع هذا الفصيل شيئًا فشيئًا نحو العمل المسلّح والصدام بصورة أكبر مع الشرطة والدولة في اليابان بصورة عامة.
ففي أكتوبر (تشرين الأول) 1969 حاول «الجيش الأحمر» إطلاق شرارة انتفاضات عنيفة في ثلاثة مدن رئيسة، وقد سُميت هذه الانتفاضات بـ«حرب طوكيو»، و«حرب أوكازا»، و«حرب كيوتو»، ومنذ هذا التاريخ المبكر تظهر النظرة العالمية الأممية لأهداف وتصوّرات التنظيم «الجيش الأحمر».
إذ إن هذه الانتفاضات كان من المزمع أن تتزامن مع مظاهرات تنظيم «الفهود السوداء» الأمريكي المُدافع عن حقوق السود في مدينة شيكاجو الأمريكية، ومظاهرات تنظيم «ويذرمان» اليساري الراديكالي الناشط آنذاك في الولايات المتحدة واضعًا هدف القضاء على الإمبريالية الأمريكية عنوانًا لنشاطه السياسي.
إلا أن هذه الانتفاضات لم تكن بالفعالية التي رجاها الجيش الأحمر الياباني، وقد ردّت قوات الشرطة باعتقال العشرات من أعضائه واكتُشف مقرّ سريّ تابع للتنظيم كان يجري فيه صناعة القنابل التقليدية؛ وهو ما ضيّق الخناقة بصورة أشدّ على التنظيم، وقد كان السبيل الوحيد لفكّ هذا الحصار الأمني الشديد هو التفكير في نقل النشاط خارج اليابان.
اعتبر فصيل الجيش الأحمر الياباني أنّ «الثورة الإشتراكية العالمية» قد بدأت بالفعل في مختلف مناطق العالم مثل فُقّاعات محليّة سرعان ما ستوحّد جهودها، وأنّ دور الجيش الأحمر يكمن في نقل هذه الثورة إلى الداخل الياباني وربط تطلّعات الحركة الطلاّبية ومطالب اليسار في اليابان بهذه الثورة العالمية وعدم اختزالها في مجموعة مطالب محليّة خاصة باليابان وحده، ولذلك فإنّ من الضروري للجيش الأحمر الياباني أن يساند الحركات الثورية في الخارج.
وقد كانت الانطلاقة في مارس (آذار) 1970 من خلال عملية اختطاف طائرة يابانية كانت متّجهة إلى كوريا الجنوبية وإجبارها على الهبوط في كوريا الشمالية، وكان جزء آخر من تنظيم الجيش الأحمر بقيادة «فوساكو شيجنوبو» مسؤول العلاقات الأممية في التنظيم، اتّجه إلى العاصمة اللبنانية بيروت من أجل توحيد الجهود الثورية بين الفصائل اليابانية والفلسطينية.
في تلك المرحلة بدأ الاهتمام بالصراع العربي الإسرائيلي ينتشر في اليابان بصورة واسعة من خلال المجلّات والجرائد اليسارية التي دافعت عن القضية الفلسطينية على النقيض من موقف الحكومة اليابانية التي تظاهرات بـ«الحياد».
العهد الذهبي لليسار.. يابانيون في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»
ما الذي قد يدفع طلابًا يابانيين في عمر الشباب لترك بلادهم والسفر آلاف الكيلومترات إلى لبنان، حيث اختلاف اللغة والثقافة والطعام، ليتدرّبوا في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ لفهم دوافع هؤلاء الشباب تنبغي الإشارة إلى الظروف التي كان يشهدها اليسار في العالم بصورة عامة واليابان بشكل خاص.
خلال منتصف خمسينات القرن الماضي كان شبح الشيوعية ينتاب أغلب دول أوروبا، بالإضافة إلى صعود الحركات التحرّرية في العالم الثالث، وبدا للكثيرين أن الرأسمالية في طور الاحتضار، وأنّ تحقّق نبوءة كارل ماركس في نجاح الثورة الشيوعية العالمية مسألة وقت فحسب.
أما النظرة إلى الاتحاد السوفيتي فكانت مليئة بالمثالية والشاعرية باعتباره النموذج الشيوعي الناجح الذي يقود العالم نحو تحقيق قيم العدالة والمساواة، لكن خروتشوف، زعيم الاتحاد السوفيتي آنذاك كان له رأي آخر؛ إذ أدلى بخطاب مزلزل في فبراير (شباط) 1956 خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي لا يزال يُسيِل الكثير من الحبر، إذ اعترف خوروشوف بـ«الجرائم البشعة التي ارتكبها سلفه جوزيف ستالين»، وأشار إلى أن 70% من أعضاء الحزب قد جرت إبادتهم خلال العهد الماضي، وتبرّأ الزعيم السوفيتي من الستالينية وندّد بـ«عبادة الأشخاص».
ورغم أن خروتوشف كان يسعى من خلال ذلك الخطاب إلى بدء صفحة جديدة في تاريخ الاتحاد السوفيتي والتطهّر من خطايا الماضي، فإن انعكاسات ذلك الخطاب كانت صادمة في صفوف اليسار حول العالم، إذ ساد الشكّ والقلق والإنكار لدى اليساريين، فها هو رئيس الاتحاد السوفيتي نفسه يُؤكد ما كان تردّده «البروباجندا الرأسمالية» حول فضائح العهد الستاليني ومعسكرات «الجولاج» وغيرها من الجرائم، ليبدأ عهد المراجعات والتبرّؤ من الستالينية الذي وصل حدّ هدم تمثال ستالين واستعادة المدن السوفيتية لأسمائها الأصلية، فجرت مراجعة اسم مدينة ستالينجراد إلى فولجوجراد.
أما في اليابان فقد كان الغضب العارم يسود صفوف الحركات الطلاّبية اليسارية من الوجود الأمريكي في البلاد، كما رفضت الحركة الطلابية قرار الحكومة بتمديد الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، ناهيك عن تورّط اليابان في الدعم اللوجيستي للولايات المتحدة في حربها في فيتنام (1955-1975).
وتوج هذا الغليان بتأثير انتفاضة مايو التي انطلقت من فرنسا سنة 1968 والتي سرعان ما انتقل صداها إلى العالم، وهو ما جاء بالتزامن مع ما يحدث في الجارة الصين، إذ كان ماو تسي تونج قد بدأ لتوّه ثورته الثقافية على البرجوازية، بالإضافة إلى بروز العديد من الحركات اليسارية حول العالم مثل «الفهود السوداء» في الولايات المتحدة التي دافعت عن حقوق الأمريكيين السود من منظور يساري.
هذا الترابط في الاهتمام وتقاطع القضايا والروح اليسارية الأممية، هو ما جعل انتقال الجيش الأحمر الياباني إلى الخارج ممكنا، ويمكن تحديد ثلاثة دوافع رئيسية لتوجّه أعضائه آلاف الكيلومترات من اليابان إلى معسكرات التدريب في لبنان، وهي: أولًا، الابتعاد عن تضييق الشرطة اليابانية التي جعلت النشاط في الداخل أقرب إلى المستحيل بسبب التجسس والاعتقالات، وثانيًا هو الدافع الأيديولوجي والإيمان بأنّ الثورة ضد الإمبريالية، وأنّ نضالات الحركات اليسارية غير محصورة بالحدود السياسية أو القومية، وثالثًا وهو الهدف الرئيس، فهو استخدام هذا الكفاح خارج اليابان والمهارات التدريبية وخبرة العملية في القتال العسكري من أجل الدعاية والإشهار للتنظيم داخل اليابان وتحريض الداخل الياباني على الثورة.
وقد أُعلن هذا التوجّه بصورة صريحة من خلال الفيلم الدعائي المعنون بـ«الجيش الأحمر، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: إعلان الثورة العالمية» من إنتاج «أداشي ماساو» و«واكاماتسو كوجي» والذي يرصد يوميات المقاومين اليابانيين في معسكر الجرش بالأردن في سنة 1971، وقد جرى تداول الفيلم في داخل اليابان على نطاق واسع لأغراض الدعاية والإشهار لأهداف التنظيم، وهو ما ساهم في جلب العديد من الداعمين والمتطوّعين اليابانيين لصالح القضية الفلسطينية، أغلبهم من الممرضين والأطباء.
أحد الأعمال التي وثّقت لتجربة الجيش الأحمر الياباني ودور أعضاءه داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان كتاب «الربيع الأحمر.. كنت فدائيًا فلسطينيًا» لصاحبه «هاروأو واكوه» الذي انتقل إلى معسكرات جنوب لبنان في سبتمبر (أيلول) 1973 وكان شاهدًا حيًّا على هذه التجربة.
إذ يحكي في هذه المذكّرات الأسباب الفكرية والسياسية التي دفعته إلى خوض التجربة، كما يعطي لمحة عن الاختلافات الثقافية بين لبنان واليابان من ناحية اللغة والعادات والطعام وكيف تأقلم اليابانيون معها ومحاولاتهم تعلّم اللغة العربية.
وشارك «هاروأو واكوه» في العديد من العمليات العسكرية التي قادها الفرع الخارجية «للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» خلال فترة السبعينيات، من بينها علمية «لاجو» بسنغافورة التي استهدفت إمدادات النفط الأمريكية في جنوب فييتنام بالإضافة إلى «عملية كوالالمبور» في سنة 1975 التي استهدفت السفارتين الأمريكية والسويدية في العاصمة الماليزية.
وفي الوقت الذي كانت فيه اليابان مسرحًا لانتفاضات طلاّبية تقودها الحركات اليسارية ضد تمديد الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الستينيات، كانت الساحة الفلسطينية والعربية مصدومة على وقع هزيمة الجيوش العربية أمام اسرائيل في حرب 1967، وهو ما دفع اليسار الفلسطيني للانشقاق عن حركة القوميين العرب.
وفي 11 ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام اندمجت ثلاثة فصائل فلسطينية مقاومة وهي: «شباب الثأر» و»أبطال العودة» و«جبهة التحرير الفلسطينية» في تنظيم واحد: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عنوان العمل الفلسطيني المقاوم خلال السبعينات والثمانينات، والتي ألهمت تجربتها العديد من الحركات اليسارية حول العالم، وأضحى الفدائيّ الفلسطيني عنوانًا للتضحية، والنضال، والشجاعة، والكفاح ضد القوى الإمبريالي العالمية في مخيال حركات اليسار الجديد.
مُتخذةً «العنف الثوري» سبيلًا للنضال من أجل تحرير فلسطين، ومنتهجةً الماركسية اللنينية أيديويوجية لها، أكّدت الجبهة الشعبية منذ البداية طابعها وكفاحها الأمميين غير المحدود بالجغرافيا، وإن كان هدفها الرئيس هو تحرير فلسطين فإن قائمة أعدائها شملت «الحركة الصهيونية العالمية، والإمبريالية العالمية، والرجعية العربية».
وقد خلق وديع حدّاد مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الشعبية نسيج علاقات مع العديد من التنظيمات اليسارية حول العالم من بينها «الألوية الحمراء» الإيطالية ومجموعة «بدر ماينهوف» الألمانية»، بالإضافة إلى الجيش الأحمر الياباني، وقد أسفر هذا التعاون عن عملية مطار اللّد الشهيرة، ولاحقًا جرى فصل وديع حدّاد من الجبهة بسبب إصراره على مخالفة قرار الجبهة الشعبية بوقف العمليات الخارجية، والذي جاء بضغط من الاتحاد السوفيتي.
أحمد الياباني ورفاقه.. كل هذا لأجلك يا فلسطين
قبل أيّام قليلة احتفل «كوزو أوكاموتو» ذو 74 عامًا، الناجي الوحيد من عملية «مطار اللّد» بالذكرى الخمسين للعملية في لبنان، في مقبرة الشهداء في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين ببيروت، حيث يتواجد قبر رفيقيه في النضال «تسويوشي أوكاديرا» و»ياسويوكي ياسودا».
وبعد القبض عليه في عملية 1972، أمضى «كوزو أوكاموتو» 13 عامًا في السجون الإسرائيلية ليطلق سراحه بعد عملية تبادل أسرى بين «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» والإسرائيليين في مايو 1985، لكنّ المتاعب لم تنتهِ بعد خروجه من السجن، فقد جرى توقيفه مع رفاقه في لبنان سنة 1997 بتهمة تزوير مستندات، وبضغط من الحكومة اليابانية رحّل لبنان أربع عناصر من الجيش الأحمر إلى طوكيو في سنة 2000، إلا أن ضغوط الفصائل الفلسطينية دفعت إلى إطلاق سراح أوكاموتو، ومُنح اللجوء السياسي في لبنان، ليكون أوّل وآخر لاجئ سياسي في تاريخ لبنان المعاصر.
وفي الوقت الذي كان فيه «كوزو أوكاموتو» (أحمد الياباني) منخرطًا في النضال من أجل فلسطين مع رفاقه، كان الجيش الأحمر الياباني يواجه عاصفة من الأزمات الداخلية والخارجية توحي بقرب نهايته، إذ تلقّى بالفعل ضربة قاصمة بعد تحصّن مجموعة من أعضائه في القاعدة الجبلية بجبل هارونا بمحافظة «جونما» في مطلع سنة 1972، وخطّطوا للصمود هناك والابتعاد عن حياة المدينة التي أصبحت مصدرًا للتهديد والانكشاف.
لكن الغموض يسود التفاصيل التي صاحبت تلك الفترة، فقد اكتشفت السلطات اليابانية وفاة 12 شخصًا من المجموعة اليسارية بسبب «نمط العيش» والاقتتال الداخلي بسبب الخلافات الأيديولوجية بين أعضاء التنظيم، أو بسبب البيئة القاسية ونقص المواد الغذائية.
ومنذ نهاية الثمانينات تراجُع المدّ اليساري حول العالم ومعه تراجعت عمليات الجيش الأحمر الياباني، وتفرّقت السبل بأهمّ رموزه، فعلى سبيل المثال أمضت إحدى مؤسّسات الجيش، «فوساكو شيجينوبو» الملقّبة بـ«الملكة الحمراء» التي أُطلق سراحها قبل أيّام 20 سنة في السجن في اليابان.
وذلك بعد أن قضت حوالي 30 سنة في لبنان وعادت إلى اليابان سرًّا سنة 2000 ليُلقى القبض عليها هناك بعد أن أدينت بتورّطها في عملية احتجاز رهائن في السفارة الفرنسية في هولندا سنة 1974 والتي جرى إطلاق سراح أحد أعضاء الجيش الأحمر الياباني المحتجزين في فرنسا في عملية تبادل للأسرى، كما اتُهمت بالتخطيط لعملية «مطار اللد» سنة 1972؛ ومن داخل المعتقل في 14 أبريل (نيسان) 2001 أعلنت «الملكة الحمراء» حلّ الجيش الأحمر الياباني.
وفي 2008 ظهر للعلن لأوّل مرة اثنان من المشاركين في عملية اختطاف الطائرة اليابانية وإنزالها في كوريا الشمالية، إذ أعرب هؤلاء العضوان المنتميان سابقًا إلى الجيش الأحمر الياباني رغبتهما في العودة إلى بلادهما، وقد أحدث خروجهما من الظلّ إلى العلن لأوّل مرة منذ 40 عامًا ضجّة إعلامية واسعة.
فقد أضحى شباب السبعينات الحالمين بالثورة الشيوعية العالمية التي لا تحدّها حدود، شيوخًا في السبعين من العمر، وقد انطلقت حينها عملية مفاوضات بين كوريا الشمالية واليابان حول عودتهما إلى بلادهما للمحاكمة، مقابل إسقاط بعض التهم.
يوسف كامل – ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.