إن الصاروخ الذي أُطلق الشهر الماضي على “إسرائيل” من لبنان وانفجر في منطقة شلومي هو تذكير بأن حماس منذ سنوات توسع أنشطتها خارج الحدود الشمالية تحت رعاية حزب الله وبموافقة إيران بالطبع.
وتعمل حماس على تطوير قدرات عسكرية في جنوب لبنان، تسمح لها بفتح جبهة أخرى ضد “إسرائيل” أو الرد من ساحات أخرى خارج غزة، كتلك التي ستحد من الرد “الإسرائيلي” وتحافظ على الهدوء في قطاع غزة.
تحاول المنظومة الأمنية معالجة المشكلة في الخفاء وهو مالا يكبح هذا التعاظم، ومن الواضح للجميع وجود احتمالية عالية جدا أن المعركة القادمة ضد غزة ستمتد إلى ساحات أخرى، بما في ذلك الجبهة الشمالية.
ومن المفترض أن تكون الأحداث التي وقعت مؤخرًا قد شكلت إشارة تحذير “لإسرائيل”: أولها: إطلاق صواريخ (ليست المرة الأولى) من قرية رأس العين، جنوب صور في جنوب لبنان. والحادثة الثانية: هي انفجار وقع بسبب خطأ في كانون الأول 2021 – في مسجد في مخيم البرج الشمالي للاجئين، والذي انفجر في المسجد كان مستودعا للذخيرة أقامه فرع لبنان التابع لحركة حماس حيث يتم فيه من بين أشياء أخرى، تخزين القذائف الصاروخية.
حماس فرع لبنان
في “إسرائيل” يراقبون نشاط حماس في لبنان ويتابعون ما يجري هناك منذ سنوات عديدة، رغم ذلك وبعد إطلاق الصواريخ من لبنان باتجاه “إسرائيل”، فضلت المنظومة الأمنية الحديث عن إطلاق الصواريخ من قبل “تنظيمات فلسطينية”، دون توجيه أصابع الاتهام لمن ينبغي؛ لماذا؟ تشير التقديرات إلى أنهم تصرفوا بهذه الطريقة كما في الحوادث السابقة لتجنب رد فعل؛ من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد الوضع في الشمال أو في قطاع غزة.
نشاط حماس في لبنان ليس قصة جديدة، بل هو عملية مستمرة منذ سنوات. وتشير التقديرات إلى أنه قد تقرر إنشاء “الفرع” هناك كجزء من الدروس التي استخلصتها المنظمة بعد عملية “الجرف الصامد” في غزة في عام 2014، حينها كانوا يعملون بالفعل ضمن ما يُعرف بغرفة العمليات المشتركة، أيضا مع حزب الله بالإضافة إلى نشطاء حماس في جنوب لبنان.
وقال العقيد احتياط “أ” الذي عمل حتى الفترة القريبة كمسؤول رفيع المستوى في ركن الاستخبارات لـ “ماكو”: إلى أن التقديرات تشير إلى أن أي مواجهة مستقبلية مع غزة ستؤدي إلى إطلاق صواريخ وإطلاق طائرات مسيرة من لبنان”.
وهذا سيحدث في الحدود التي سيقررها حزب الله وحسب مصالحه، لكن فيما يتعلق بحماس، فقد نجحوا بالفعل في بناء جبهة أخرى ضد “إسرائيل” بهدف تعزيز قدراتهم العملياتية من لبنان”.
يوضح “يورام شفيتسر” الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي ورئيس برنامج “الإرهاب” والحرب بوتيرة منخفضة، أنهم “في حماس شعروا في عملية الجرف الصامد أنهم كانوا يقاتلون بمفردهم على عكس “عملية حارس الأسوار” التي حينها شعروا خلالها أنهم مدعومون، وأشار أيضاً إلى نشاطات حماس في لبنان على أنها جزء من الدروس المستفادة بعد عملية الجرف الصامد.
الذي يقود هذا الخط في حماس هو صالح العاروري العضو البارز في الحركة الذي كان أسيراً سابقًا في “إسرائيل”، في لبنان نفسه من يدير الأمور هو أسامة حمدان الذي نجا على ما يبدو من عدة محاولات اغتيال من قبل “إسرائيل”.
وزُعم أيضًا أن كبار مسؤولي حماس الذين يتواجدون في تركيا في السنوات الأخيرة يشاركون أيضًا في الأنشطة في لبنان. وأفُيد مؤخراً أن السلطات التركية تعتزم طرد ممثلي التنظيم من البلاد بضغط “إسرائيلي”، ومن المتوقع أن تكون وجهتهم التالية هي شمال لبنان.
العلاقة بالحرس الثوري
يقول يورام شفيتسر: “مما نعرفه بدأت حماس في بناء الجبهة الشمالية بطريقة منتظمة. علاقة حماس بحزب الله والحرس الثوري كمضاعف للقوة ليس قصة جديدة، إنه شيء بدأ في التسعينيات.
حماس تبحث عن عناصر قوة “في المنطقة” على أساس الفهم بأنهم لا يستطيعون وحدهم، وأن لدى هؤلاء الشركاء فائدة كبيرة. كما ترى حماس فائدة هذا الارتباط من خلال حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المقربة جدًا من الإيرانيين “.
مع ذلك، يؤكد شفيتزر والعقيد أ. أ على أنه على عكس الجهاد الإسلامي تحافظ حماس على استقلاليتها قدر الإمكان.
فلا تزال حماس تعتبر نفسها حركة سنية مستقلة لا تخضع لإيران الشيعية، إنه تعاون من منطلق متساوٍ؛ لأن ذلك مجديا لهم أن يتعاملوا مع جهات قوية.
من جهته، قال العقيد “أ”: “إن “اللواء قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الذي اغتيل عام 2019) أدرك أنه رغم كونهم من السنة إلا أن له مصلحة في التعاون مع حماس بسبب قدراتها العسكرية، وبقدر ما يتعلق الأمر بسليماني وهذا هو الوضع حتى يومنا هذا، فإن مثل هذا التعاون يمنح الحرس الثوري قوة عسكرية إضافية في ساحة أخرى مقابل “إسرائيل”، إيران تبذل الكثير من الجهد في تسليح حماس ونقل المعلومات الاستخباراتية والتدريب، لكن بالنسبة لهم يحدث ذلك بتكاليف منخفضة نسبيا؛ لأن حماس أصبحت كيانا قويا بشكل مستقل”.
وأوضح: “لقد أدركت حماس الميزة والفائدة الكبيرة في علاقاتها مع حزب الله والإيرانيين، وهو الأمر الذي سيمنحها من الوصول إلى لبنان، وفي الواقع إلى جبهة أخرى ضد “إسرائيل”.
ويوضح شفيتسر أن “عملية حارس الأسوار” بدأت بنيران صواريخ تجاه القدس، ضمن ما يعرف بالمعركة على الوعي، وتطورت إلى عملية عسكرية لم يريدوها ولم يتوقعوها.
يقول: “في هذه الحادثة كان التعاون في غرفة العمليات المشتركة تعبيرا عن العلاقة المتزايدة بين حزب الله والحرس الثوري، الذين ساعدوا دون أن يتورطوا في العملية، باستثناء ما يسمى تنقيط صواريخ، وحصلت حماس على معلومات استخباراتية عملياتية ومساعدة إضافية كانت مفيدة للغاية لها والتي شكلت قوة كبيرة لها”.
يوضح شفيتسر أن “لبنان بالنسبة لحركة حماس هو الأضعف في ساحاتها، وهناك إمكان لتجنيد ناشطين من مخيمات اللاجئين وهي موقع يمكنهم من خلاله إنشاء بنية تحتية. والإيرانيون وحزب الله يدربونهم ويسلحونهم في لبنان”.
ويقول شفيتسر: “حماس تريد أن يكون لها قدرات في جميع الساحات (الفلسطينيون في الداخل المحتل والقدس والضفة الغربية وكذلك لبنان)؛ استناداً إلى الأحداث الماضية مثل إطلاق الصواريخ أثناء عملية “حارس الأسوار” وبعدها، بما في ذلك الإطلاق الأخير، من الواضح تماماً أن الساحة اللبنانية لن تبقى هادئة”.
ومع ذلك، يعتقد شفيتسر أنه يجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار أن الحزب يدير الأمر بطريقة لا تشعل الجبهة الشمالية بشكل مخالف لمصالحه.
وأشار: “أفترض أن هناك تفاهمات بين الطرفين عندما يكون هناك من يقول إن حزب الله له حق الاعتراض أو أنه مسموح له بالتدخل إذا بالغت حماس”.
وأضاف: “لا شك في أن هناك قيودًا على حرية حركة حماس في لبنان من جانب المضيفين هناك”.
معضلة “إسرائيل”
“إسرائيل” تواجه معضلة أكبر بكثير في لبنان بالمقارنة بالمعضلة التي تواجهها في غزة، كون أن القتال في الشمال سيكون أشد قوة بكثير من غزة، ومن هنا ينبع شكل رد الفعل على “الهجمات الإرهابية” وإطلاق الصواريخ من لبنان، حتى لو كانت حماس هي من يطلق الصواريخ فمن الواضح أن هذا يحدث بعلم وموافقة حزب الله.
وتابع: “حتى عندما أطلقت حماس الصواريخ بعلم حزب الله أو موافقته – وهو أمر غير واضح حتى يومنا هذا – ردت “إسرائيل” بنيران المدفعية وحتى استخدموا سلاح الجو، حيث ترد حسب طبيعة إطلاق النار ومدى الضرر الذي يحدث”.
ويفترض شفيتسر أنه “لو كان الصاروخ الذي أطلق من لبنان قد أصاب وأحدث أضراراً لكان رد “إسرائيل” مختلفا؛ فهي متيقظة لما يحدث في لبنان، وتراكم المعلومات والأهداف وتدرس ردها وفقا للظروف وكما هو الحال دائما وفقا للنتائج”.
ويقدر العقيد احتياط “أ” من جهته أن العلاقة بين حماس وحزب الله والحرس الثوري ستزداد “ومعها التحدي العملياتي الإسرائيلي”، ويوضح أنه “اعتباراً من اليوم أصبح واضحا تماماً أن هناك قيوداً كثيرة على حماس في لبنان من قبل نصر الله، وهذا صحيح إلى اليوم، لكن تجدر الإشارة إلى أن حماس تعتبر نفسها مساوية أو ندا لحزب الله.
ويتابع موضحًا أنه من ناحية حزب الله هناك معضلات بسبب الميزات التي تتمتع بها حماس: “لقد أظهر العام الماضي أن حماس قادرة على إشعال عدد من الجبهات وإثارة الضفة الغربية والقدس وحتى فلسطينيي الداخل المحتل، وحزب الله لا يملك هذه القدرة على الرغم من سنوات من الجهود لتطويرها، نصر الله يعرف ويفهم أهمية ذلك”.
هل يعني ذلك أنه في حال اندلاع الحرب على غزة سيكون هناك تصعيد في الشمال أيضا؟ حاليا تقدير الجهات الأمنية أن الأمر ليس كذلك، وما سيحدث بالفعل سيذكرنا بأحداث “حارس الأسوار”، ما يسمى بـ “إطلاق نار كتضامن”، وهذا يعني أنه في العملية ضد غزة سنشاهد عمليات إطلاق متفرقة للصواريخ والطائرات المسيرة من لبنان، وربما من سوريا أيضًا.
ومع ذلك، وفقًا للعقيد احتياط “أ” في حالة اندلاع حرب في الشمال سيكون الوضع أكثر تعقيدًا.
يقول: “من المحتمل جدًا في مثل هذه الحالة أن يحاول الجهاد الاسلامي فتح جبهة غزة وجر حماس إلى القتال حتى لو لم ترغب في ذلك”.
لكن كل هذه تعتبر أخطر السيناريوهات للوضع، في نهاية الأمر، تريد حماس إنتاج قدرة “متعددة الساحات” ضد “إسرائيل” إلى جانب جعلها في استنفار وتوتر دائم وتوتر ومخاوف أمنية. بالنسبة لقيادة حماس فإنهم مهتمون بتطوير قدرة تسمح لهم بالقتال ضد “إسرائيل” حتى من دون أن يكون من الممكن ربط ذلك بهم مباشرة، وهو الأمر الذي سيحد أو سيقيد من الرد “الإسرائيلي”.
“التنظيم الإرهابي” في غزة يتعاظم ويستعد للحرب مع “إسرائيل” في الوقت الذي ينقل فيه القتال من ساحة إلى ساحة أخرى.
هذا الأسبوع، أجريت نقاشات بين المستويين السياسي والأمني، حيث ادعى الجيش من بين جملة أمور أن حماس لا تقود الموجة الحالية من الهجمات في “إسرائيل” بل “تركب الموجه”، وقيل كذلك إن حماس غير معنية بالتصعيد، هذه الرسائل من المنظومة الأمنية محيرة وتثير التساؤلات.
يضاف إلى كل ذلك حقيقة أن قوات الأمن بقيادة جهاز الأمن العام “الشاباك” تحبط كل عام عشرات العمليات التي يحاولون تنفيذها بتوجيهات ومساعدة مباشرة من حماس.
لذلك، فإن موقف الجيش في هذا السياق من الفصل بين حماس في غزة والوضع على الأرض غير واضح في هذه المرحلة. على ما يبدو ليست حماس وحدها غير معنية بالتصعيد، أيضا “الجيش الإسرائيلي” كذلك، ويفضل تهدئة وتيرة الأوضاع.
بمعنى آخر: الردع مع غزة متبادل – ويبدو أن الجيش ليس لديه نية لكسر هذه الحلقة. ومع ذلك يجب القول إنه منذ سنوات ويعاني الجيش من غياب المستوى السياسي الذي لديه استراتيجية واضحة فيما يتعلق بقطاع غزة، وهذا أيضا يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار قبل أن نلقي باللوم على الجيش.
شاي ليفي – موقع ماكو
ترجمة الهدهد
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.