سورية بعيون الطامعين: فتنة أم محنة؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لماذا سورية تلك المسافة الجغرافية الصغيرة في الحجم مقارنة مع الحدود الممتدة للدول الطامعة تبقى الشغل الشاغل لهم في الحاضر والماضي؟
لماذا أنهت الدول الكبرى صراعاتها واتفقت فيما بينها على قضايا استراتيجية ومصيرية ومعقدة جدًا كجدار برلين، والمنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين الشمالية والجنوبية بينما لم تتمكن إلى الآن من إيجاد صيغة تفاهم تحد من نزاعاتها الدامية المستمرة في التنافس على منطقة الشرق الأوسط؟

فتنة الشرق الأوسط بالنسبة للدول الكبرى
بعد انتهاء الحرب الباردة في أوروبا تحولت أنظار العالم الغربي إلى منطقة الشرق الأوسط باعتبارها:
أولًا: منطقة تهدد سيادتهم على العالم وتفوقهم الحضاري إذا ما اتحدت دول تلك المنطقة وانفتحت على بعضها بعضًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا بسبب نموذج الحضارة الإسلامية الذي كان سائدًا ومنتشرًا بشكل كبير حتى وصل إلى الأندلس وتفوقه على باقي الحضارات آنذاك.
ثانيًا : منطقة غنية بموارد الطاقة والثروات كالنفط والغاز اللذين ما زالا من أهم أسباب الصراع في العالم لكونهما مطمعًا أساسيًا للدول الصناعية من أجل تأمين احتياجاتها في ظل تسارع وتيرة الإنتاج والاضطرابات المالية التي تصيب الاقتصاد العالمي نتيجةً للسباق على حجز مواقع متقدمة في السوق الدولية.
ثالثًا: الموقع الجيواستراتيجي لدول الشرق الأوسط الذي يتحكم بمجموعة من القنوات والبحار والممرات المائية الاستراتيجية الضرورية لإيصال الموارد الأساسية كالنفط الخام والغاز إلى كامل المساحة الجغرافية للدول الكبرى في الشرق والغرب.

سورية حورية القارات الثلاث
سورية التي تقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في نقطة التقاء الشرق بالغرب وصلة الوصل بين قارات العالم الثلاث (آسيا وأوربا وأفريقيا).
كما تقع سورية على طريق التجارة العالمية وتعتبر بوابة بحرية للدول الأوربية للنفوذ إلى آسيا ومنطقة الخليج الغنية بالنفط، وبوابة أيضًا لتركيا على دول الشرق الأوسط ، والمنفذ الوحيد لروسيا على المياه الدافئة.
كل تلك الامتيازات في موقع سورية الجغرافي جعلها مطمعًا على الدوام وساحة تنافسٍ مصيرية بالنسبة للدول الكبرى حيث يعني لهم احكام قبضة السيطرة عليها امتلاكًا لزمام أمور التجارة العالمية والتحكم بالاقتصاد العالمي الذي هو عصب التطور وحجر أساس في بناء القوة.

سورية مقابل حلم “إسرائيل
رسم الاحتلال الإسرائيلي حلمه التوسعي على أساس استغلال أكبر قدر ممكن من الموارد في منطقة الشرق الأوسط والتي تكفل له امتلاك القوة والقدرة والتفوق في التطور العلمي والتكنولوجي الضروري لزعامة المنطقة وإدارة شؤون دولها والتحكم بسياستها، وبالتالي ضمان أمنه واستمرار وجوده؛ فهذه الاجراءات تساعده على تأقلم البيئة مع وجوده وبالتالي تساعده على البقاء أطول مدة ممكنة لاعتباره جسمًا غريبًا عن المنطقة.

ولأن احتلال الكيان المباشر لكامل منطقة الشرق الأوسط الذي يتيح له اغتنام ثرواته أمر مكلف جدًا له وامتداده بجسمه غير المتناسق مع طبيعة وبيئة المنطقة يعرضه لمخاطر أكبر عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى اتباع سياسة السيطرة غير المباشرة مستفيدًا من تحالفاته العميقة مع دول العالم الغربي وخاصة أميركا لإقامة أنظمة حكم صديقة تضمن تحقيق مصالحه وتمده بمقومات البقاء والقوة كمصادر الطاقة والمال، وتمنع شعوبها من الوقوف في وجه ممارساته الإجرامية بحق أشقائهم الفلسطينيين.

إلا أن سورية الدولة الجارة لفلسطين ظلت تغرد خارج سرب الإرادة الأميركية والإسرائيلية وشكلت خطرًا وجوديًا على الاحتلال الإسرائيلي لكونها خط الجبهة الأول في مواجهة مشاريع توسعته وسرقته لمقدرات شعوب دول الشرق الأوسط، وإلى الآن لم يستطع الكيان الإسرائيلي إيجاد حل لا للتخلص من خطر سورية على أمنه وبقائه ولا التمكن من استنزاف ثرواتها وخيراتها ولا من اخضاعها لسياساته وهيمنته كالدول الأخرى بسبب عدم قدرة أميركا الحليفة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي على إيجاد نظام حكم صديق لها كما فعلت في باقي الدول ولا إسقاط النظام الحالي المعاند لسياساتها وإبقاء سورية في حالة فوضى اللادولة واللاحكم كما فعلت في بعض الدول أيضًا.

الخلاصة
إن الحرب التي فرضتها الدول الطامعة على سورية وفي مقدمتها أميركا والتي دامت أكثر من 10 سنوات طاحنة ولا زالت مستمرة إلى اليوم لم تزد سورية في عيون الطامعين إلا فتنةً رغم كل ما حلّ بها من دمار وخراب وانهيار في الاقتصاد والبنى التحتية وغيرها، وذلك لسببين:
الأول: أن هذا الدمار يُسيل لعاب الشركات الأجنبية في الاستثمار للدخول في صفقات مربحة لها لإعادة الإعمار.

الثاني: إن موارد دول الخليج التي استنزفتها الشركات الأجنبية في استخراج النفط واستجرار الغاز قد بدأت تجف منابعها وتنضب، فيما ظلّت الكنوز الباطنية في الأرض السورية دفينة محميةً بجدارٍ من الحصانة حتى تتعافى سورية وتبلغ أشدها فتستخرج كنزها، وهذا ما لا تريده أميركا أن يحصل، وهذا ما جعلها تحتل أجزاء من الأراضي السورية الغنية بحقول النفط تنهب منه كما يحلو لها وعيونها مسمرة باتجاه كنوز الأرض المخفية وهي على علم أن ما خفي هو الأعظم.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد