على الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة لنزع فتيل الأزمة الحالية بين أوكرانيا وروسيا، فإن المجتمع الدولي يشعر بقلق متزايد بشأن تحرك القوات العسكرية الروسية عند الحدود الأوكرانية. وفي هذا الإطار، يستهدف هذا التحليل الوقوف على التداعيات المحتملة على كل من الأسواق الزراعية والأمن الغذائي في العالم، وذلك في حالة حدوث اجتياح روسي للأراضي الأوكرانية.
ويرجع التركيز على ملف الأمن الغذائي إلى أن أوكرانيا هي مورد عالمي كبير للأغذية، وأن الزراعة تساهم بشكل ملحوظ في اقتصاد هذه الدولة. علاوة على ذلك، فإن كلاً من روسيا وأوكرانيا تُشكّلان معاً نحو 25% من حجم صادرات الحبوب في العالم. وعليه، فإن أي نزاع مسلّح بين البلدين، وما قد ينشأ عنه من فقدان للسيطرة الأوكرانية على بعض المناطق، ومن عقوبات اقتصادية مُحتملة على روسيا؛ من شأنه أن يتسبب في الإضرار بتجارة وإنتاج الغذاء في العالم، واتجاه الدول إلى المبالغة في تراكم المخزون من المنتجات الغذائية تحسباً للتقلبات المُحتملة في الإنتاج والتصدير، خاصة ما يتعلق ببعض السلع الحيوية مثل الحبوب وزيوت الطعام. كذلك يُتوقع أن يُسفر ما تقدّم عن مزيد من الضغوط التضخمية في أسعار منتجات الغذاء في العالم.
تحسن محفوف بالمخاطر:
أدى نقص المخزون العالمي للعديد من المحاصيل، والاضطرابات المستمرة في سلاسل التوريد، خلال العامين الماضيين، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم. وبلغ مؤشر الغذاء الصادر في عام 2021 عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أعلى مستوى له في عشر سنوات.
لكن بصفة عامة، ثمة مؤشرات على اتجاه الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية للتراجع قليلاً خلال العام المالي الحالي والذي يليه اعتباراً من النصف الثاني من عام 2022، وذلك في حالة عدم تطور الأزمة الروسية -الأوكرانية إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق. ومن أبرز العوامل المؤدية إلى كبح التضخم في المنتجات الزراعية الأساسية في العالم، ما يلي:
1- تشديد السياسة النقدية الأمريكية: من المرجح قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة القياسية من 3 إلى 5 مرات خلال عام 2022، مما سيخلق بيئة انكماشية في الأسواق السلعية.
2- توقعات بتراجع أسعار القمح عالمياً: من المرجح أن يصل هذا التراجع إلى نحو 288.4 دولار للطن المتري خلال مارس المقبل، مقابل 297.7 دولار للطن في ديسمبر الماضي، وذلك بعد أن سجل القمح أعلى سعر للتداول متجاوزاً حاجز 330 دولاراً للطن. وعلى الرغم من تراجع أسعار القمح عالمياً، فإنه مازال أعلى بنحو 40% عن معدلاته خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
3- انتعاش الإنتاج العالمي لعدد من المحاصيل الزراعية: وفي مقدمتها البذور الزيتية مع تحول ظاهرة “النينيو” إلى الحياد خلال 2022/ 2023، مع توقع ظروف مناخية مُواتية أو عادية. كما تشير التوقعات إلى ارتفاع المعروض العالمي من السكر للدول الكبرى المُنتجة بمقدار 0.55 مليون طن متري ليبلغ الإنتاج العالمي الإجمالي 123.75 مليون طن متري للعام 2022. علاوة على زيادة رصيد مخزون السكر في نهاية المدة (2021/ 2022) بمقدار 0.61 مليون طن، ولكنه لا يزال أقل من موسمي 2019/ 2020، و2018/ 2019.
وهنا تشير تقديرات 2022/ 2023 إلى بلوغ محصول قصب السكر في البرازيل (المُنتج الأكبر للسكر) حجم 565 مليون طن متري بزيادة نسبتها 7.6% عن العام السابق. كما يُتوقع زيادة إنتاج السكر في تايلاند بنسبة تتراوح بين 30 إلى 35% في الموسم القادم، ولكن يظل الإنتاج أقل كثيراً من موسم 2018/ 2019 ما قبل الجائحة.
4- تحسن في بيئة الإنتاج: يُتوقع أن تتم معالجة أزمة العمالة في ماليزيا بعد فتح الحدود للعمالة الأجنبية اعتباراً من مارس 2022، وهو ما يُخفض من تكلفة الإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي في إحدى الدول المهمة لتحقيق الأمن الغذائي العالمي.
ويُضاف إلى ذلك، الانحسار النسبي للوضع الوبائي لـ “حمى الخنازير الأفريقية” في العالم والصين، وهو ما يُتوقع أن يساهم في تحسن الطلب الصيني على لحوم الخنازير، وزيادة وارداتها. ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن تشهد الأرجنتين والبرازيل تراجعاً في إنتاج وقود الديزل الحيوي المُستخلص من المنتجات الزراعية مثل زيوت النخيل وقصب السكر، ما يعني زيادة المعروض العالمي من تلك المحاصيل في العام الجاري.
وفي مقابل ما سبق، يوجد عدد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها أسواق المنتجات الغذائية في العالم متمثلة في الآتي:
1- التغييرات الحادة في السياسة التجارية لدول التصدير، ووجهات الاستيراد الرئيسية.
2- الظروف المناخية غير الطبيعية التي تسبب أضراراً في الإنتاج الزراعي.
3- استمرار أسعار النفط الخام فوق 80 دولاراً للبرميل منذ أواخر العام الماضي، وقد بلغت أسعار خام برنت في منتصف فبراير 2022 نحو 95 دولاراً للبرميل.
4- الأزمة الحالية المُرتقب تفاقمها في سوق الغاز الطبيعي؛ على خلفية الشتاء شديد البرودة، والتلويح بمقاطعة الغاز الطبيعي الروسي ضمن بعض العقوبات الاقتصادية بسبب الأزمة الأوكرانية.
5- تضخم الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف النقل.
6- التوترات الجيوسياسية المختلفة مثل النزاع بين روسيا وأوكرانيا، وقضايا بحر الصين الجنوبي، وصراعات الشرق الأوسط، إلخ.
تداعيات ضخمة:
عُرفت أوكرانيا تاريخياً بكونها “سلة خبز أوروبا”، ويوجد بها ما يقرب من 25% من التربة السوداء الخصبة في العالم. ولكن تسببت عقود من الممارسات الزراعية غير المستدامة والصراع العسكري، في تراجع إنتاجية الأراضي، خاصة في المناطق الشرقية وجنوب وسط البلاد. وحالياً، تساهم الزراعة بأكثر من 9% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وتمثل زراعة المحاصيل 73% من الإنتاج الزراعي للبلاد.
وتعتبر محاصيل الحبوب (مثل القمح والذرة والشعير) من أهم المنتجات في أوكرانيا، تليها البذور الزيتية (مثل عباد الشمس وفول الصويا وبذور اللفت). وتشمل القطاعات الزراعية الأخرى الأقل أهمية كلاً من البطاطس وبنجر السكر والمحاصيل المتخصصة الأخرى، فضلاً عن الإنتاج الداجني. وتساهم الزراعة بالنصيب الأكبر في الصادرات الأوكرانية بنسبة 45% من عائدات التصدير في عام 2020 وبقيمة بلغت 22.2 مليار دولار. وتشمل منتجات التصدير الرئيسية لأوكرانيا؛ الذرة وزيت عباد الشمس والقمح وفول الصويا وبذور اللفت.
ومن هذا المنطلق، يمكن تناول تأثير النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، في حالة حدوثه، على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في أوكرانيا، وكذلك أسواق الغذاء العالمي، وذلك على النحو التالي:
1- التأثيرات المُتوقعة على الأمن الغذائي في أوكرانيا: يعتمد قياس تأثير الصراع العسكري على إنتاج الغذاء والأمن الغذائي في أوكرانيا، على افتراض أساسي مفاده أن القوات الروسية ستغزو وتحتل جميع المناطق الأوكرانية شرق نهر “دنيبرو” باستثناء العاصمة كييف، وفقاً لدراسة حديثة صادرة عنCivil Affairs Association لكل من جوستافو فيريرا، وجيمي كريتيلي. وباستخدام بيانات وزارة الزراعة الأمريكية حول حصص إنتاج المحاصيل في جميع المناطق الأوكرانية المختلفة، تشير التقديرات إلى أن الاحتلال الروسي لكامل مناطق شرق أوكرانيا سيؤثر سلباً وبشكل كبير على إنتاج الغذاء المحلي، بما يزيد عن 40% من ناتج محاصيل عباد الشمس والقمح والذرة؛ وهي المنتجات الأكثر استهلاكاً لسوقي التصدير والغذاء الحيواني.
وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن تبلغ المساحة الإجمالية لزراعة محصول عباد الشمس في أوكرانيا في عام 2022/ 2023 ما يقرب من 6.5 مليون هكتار أي ما يعادل مساحة العام الماضي تقريباً. ومن المرجح أن يصل الإنتاج إلى 16.58 مليون طن متري مع زيادة في المحصول. كذلك يُتوقع تحسن الإنتاجية من 2.52 طن متري/ هكتار إلى 2.55 طن متري/ هكتار في حالة الطقس الملائم. ومن ثم، من المتوقع زيادة الإنتاج بنسبة 1% على أساس سنوي. وعليه، فإنه يُرجح أن يبلغ إنتاج زيت عباد الشمس في أوكرانيا خلال عام 2022/ 2023 ما يقرب من 7.03 مليون طن متري. ومن المرجح أيضاً أن تزيد الصادرات حتى 6.5 مليون طن متري، بزيادة قدرها 2.4% على أساس سنوي، وذلك كله في حال عدم تطور النزاع مع روسيا إلى السيناريو العسكري الأسوأ.
وبالنسبة للأمن الغذائي، فعلى الرغم من كون أوكرانيا مُصدراً للحبوب والبذور الزيتية، وتحقق اكتفاءً ذاتياً في إنتاج البروتين (مثل لحوم البقر والدواجن ولحم الخنزير)؛ فقد احتلت المرتبة الـ 58 في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021، أي بعد المغرب (57)، وقبل باراجواي (59). وتعكس هذه النتيجة الصراع العسكري في منطقتي دونيتسك ولوهانسك والذي اندلع منذ عام 2014.
فالمناطق المتضررة من النزاع في دونيتسك ولوهانسك قد شهدت اضطرابات اقتصادية كبيرة، ونزوحاً للسكان على نطاق واسع، وتدميراً للبنية التحتية، وانخفاضاً في إنتاج الغذاء. ونتيجة لذلك، هناك ما يقرب من 1.5 مليون فرد يعيشون في ظروف اقتصادية سيئة في شرق أوكرانيا. ويعتمد هؤلاء السكان على المساعدات الإنسانية الدولية، على الرغم من أن هذه المساعدات مُقيّدة بشدة في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية. وبالتالي فإن الظروف الاقتصادية الصعبة، والأمن الغذائي المتردّي، وتأثر حركة التجارة سلباً في هاتين المنطقتين؛ تعد مؤشراً لما قد يكون عليه الوضع في جميع أراضي أوكرانيا شرق نهر دنيبرو إذا ما وقع الغزو الروسي.
وتظهر صور الأقمار الصناعية الحديثة لمنطقتي دونيتسك ولوهانسك، خسارة ما نسبته 22% من الأراضي الزراعية منذ بداية النزاع، وذلك في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة الأوكرانية. كما تظهر الصور خسارة 46% من الأراضي الزراعية في مناطق المواجهة الأمامية. ومن المتوقع أن يؤدي الغزو الروسي لشرق أوكرانيا إلى وقوع اضطرابات مماثلة في الإنتاج الزراعي لنصف أراضي أوكرانيا، والتي من الممكن أن تتسبب في وقوع صدمات اقتصادية خطيرة، ونزوح جماعي للسكان، ومستويات كارثية من تراجع الأمن الغذائي.
2- التداعيات المُحتملة على الأسواق الزراعية الدولية: تعد روسيا الدولة الأولى على مستوى العالم في تصدير القمح بنسبة تصل إلى 24% من إجمالي صادرات الدول العشرين الأكثر تصديراً، وبحجم صادرات بلغ في العام الماضي نحو 44 مليون طن. كذلك تعد أوكرانيا مصدراً مهماً لتجارة الحبوب والبذور الزيتية في العالم، وتنافس حالياً منتجي الأغذية الكبار مثل الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والأرجنتين.
وأوكرانيا هي المصدر الأول لزيت عباد الشمس في العالم، حيث تصدره إلى 160 دولة حول العالم، كما تحتل مراكز متقدمة بين الدول الخمس الكبار المُصدرة للقمح والشعير وبذور اللفت والذرة. وتشمل أسواق التصدير الرئيسة للمنتجات الزراعية الأوكرانية كلاً من شرق وجنوب شرق آسيا (مع الصين باعتبارها المشتري الأساسي)، وأفريقيا، والشرق الأوسط، وأوروبا.
وفي حال وقوع الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الاضطرابات المُتوقعة في الإنتاج الزراعي لأوكرانيا وحدها، من شأنها وضع مزيد من الضغوط التضخمية على أسعار المنتجات الزراعية. وستؤثر تلك الضغوط التضخمية بشكل كبير على الدول التي تعتمد في استهلاكها المحلي على الواردات الغذائية، وكذلك على السكان الفقراء الذين يعانون من تراجع مستويات الأمن الغذائي حول العالم.
من ناحية أخرى، من المُتوقع أن يستفيد المزارعون في الدول المتنافسة (مثل الولايات المتحدة والبرازيل) من ارتفاع الأسعار، وسيسعون جاهدين لسد أية فجوات في المعروض السلعي من المنتجات الأوكرانية. كما ستؤثر أسعار السلع المرتفعة على أسواق الطاقة العالمية، حيث يتم استخدام حصة متزايدة من إنتاج المحاصيل لإنتاج أنواع مختلفة من الوقود مثل الإيثانول أو الديزل الحيوي.
اختناقات تجارية:
يتعين الوقوف على تأثير النزاع المسلح في أوكرانيا على البنية التحتية للنقل. فوفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية، يتم شحن 95% من صادرات الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود. وتقطع المحاصيل التي تنتجها المزارع في جنوب أوكرانيا مسافات قصيرة، ويتم تسليمها إلى موانئ التصدير تلك عن طريق الشاحنات.
ومع ذلك، فإن المحاصيل المزروعة بعيداً عن الساحل يتم نقلها إلى ذات الموانئ عبر خطوط السكك الحديدية والصنادل النهرية. وطبقاً لتقرير وزارة الزراعة الأمريكية، فإن 68% من جميع الحبوب والبذور الزيتية المُصدرة من أوكرانيا يتم نقلها بالسكك الحديدية، و23% تُنقل بالشاحنات، و9% عبر النقل النهري، ويعد نهر دنيبرو الممر المائي الأهم المُستخدم لنقل الحبوب من الداخل الأوكراني إلى موانئ التصدير الرئيسية.
وتجدر الإشارة إلى أن 4 موانئ فقط تستحوذ على أكثر من 90% من إجمالي شحنات الحبوب في أوكرانيا، هي: ميكولايف (34%)، وتشورنومورسك (25%)، وبيفديني (18%)، وأوديسا (15%). وقد يقع ميناء ماريوبول وميناء بيرديانسك (يمثلان 6.1% من الصادرات الزراعية الأوكرانية) تحت السيطرة الروسية في حال تفاقم الأزمة الحالية.
بيد أنه من المنطقي أن يفرض الأسطول الروسي في البحر الأسود حصاراً بحرياً لتعطيل التجارة الدولية لأوكرانيا، بما في ذلك الصادرات الزراعية. وفي ظل ذلك الحصار، سيكون من الصعب على أوكرانيا تسويق محاصيلها الزراعية، حتى تلك المُنتجة في المناطق التي تسيطر عليها القوات العسكرية الأوكرانية (غرب نهر دنيبرو). وهذا لعدم ثبوت الجدوى اللوجستية والاقتصادية لإعادة توجيه تلك الصادرات إلى قنوات داخلية بديلة. باختصار، من شأن الحصار البحري الذي قد تفرضه روسيا على أوكرانيا، حرمان الأخيرة من عائدات التصدير التي يرتفع الطلب عليها، خاصة الصادرات الزراعية؛ مما يقوّض بشكل خطير من قدرتها الاقتصادية لدعم المجهود الحربي.
استراتيجيات التعامل:
مع استمرار أزمات سلاسل الإمداد، وتراجع مخزون السلع الأساسية في عدد من الدول في العالم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل قياسي؛ فإن تعطيل أو اضطراب الإنتاج الزراعي في أوكرانيا إذا نشبت حرب مع روسيا، يُشكل تحدياً خطيراً للأمن الغذائي العالمي. كما يهدد الغزو الروسي للمناطق شرق نهر دنيبرو باضطرابات اقتصادية واجتماعية كبيرة في أوكرانيا، وبنزوح السكان، واضطراب حركة التجارة والملاحة في البحر الأسود الذي يعد الشريان الرئيسي لتجارة المحاصيل الزراعية بالنسبة لأوكرانيا.
ومن المهم هنا تذكر أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية أدى إلى الكثير من الاضطرابات السياسية في العالم خلال أزمة الغذاء في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ووصلت أسعار المواد الغذائية الحالية بالفعل إلى المستويات المرتفعة نفسها، وفي ظل سلاسل الإمداد التي لا تزال تكافح من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية، يمكن أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى أزمة غذاء عالمية ثانية وربما أكثر حدة. كذلك فإن العقوبات الاقتصادية التي يُتوقع فرضها على موسكو حال إقدامها على غزو أوكرانيا، من شأنها أن تحرم العالم من المنتجات الغذائية الروسية إلى حد كبير.
ومن المرجح أن تلجأ الدول الأكثر اعتماداً على المنتجات الزراعية والغذائية من كل من أوكرانيا وروسيا، إلى استراتيجية متعددة الآجال. ففي الأجلين القصير والمتوسط، ستلجأ الدول المُستوردة إلى تكوين احتياطي مناسب من السلع الغذائية لتلافي حدوث صدمات حادة في العرض. ويسمح هذا الاحتياطي بإمهال الدول المُستوردة لتوزيع المخاطر عبر تنويع مصادر الاستيراد. ويتضمن أيضاً التنويع في مصادر الاستيراد التحوّط ضد تقلبات المناخ والنزاعات وسائر أسباب نقص المعروض عبر شراء عقود الخيارات والعقود المستقبلية للمنتجات الزراعية. كما يتضمن الاتجاه بعيداً عن أوروبا نحو أسواق شرق آسيا وأمريكا الجنوبية في الأساس. أما في الأجل الطويل، فيمكن أن تلجأ الدول المُستوردة إلى زيادة حجم الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي للمنتجات الغذائية الرئيسية، مع العمل على تعديل أذواق المستهلكين وفقاً لطبيعة وظروف الإنتاج المحلي.
مدحت نافع – المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.