مقدمة
يقع اليمن بين السعودية وسلطنة عمّان ويطل على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر المائية في العالم. ويتمتع اليمن بأهمية جيوسياسية تتجلى بالموقع الجغرافي، وما يختزنه هذا النطاق الجغرافي من ثروات وموارد طبيعية هامة (فوق الأرض وتحتها) لأجل ذلك أصبح اليمن ساحة صراع محلّي ودولي.
يمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر، ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي، وهو عبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة، ويتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا، كما أن اليمن وبمساحته الجغرافية وكتلته البشرية يعد عمقاً وامتداداً أمنياً وسياسياً لدول الخليج، وأي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة في أمن واستقرار دول الخليج.
بالإضافة إلى موقع اليمن البحري، يمر عبر باب المندب يومياً ما نسبته ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف برميل نفط، بما نسبته 4 بالمئة من الطلب العالمي على النفط، وتمر عبره إحدى وعشرون ألف سفينة سنوياً، أي أن الشحنات التجارية التي تمر عبر الممر تعادل عشرة بالمئة من الشحنات التجارية العالمية.
هذه الخصائص الجغرافية جعلته يتمتع بأهمية عالية على الصعيد الإستراتيجي الأمر الذي يسمح للجهة المسيطرة على المنطقة التحكم بمدخل أحد أهم المعابر المائية في العالم.
بدأت السعودية الحرب على اليمن إبّان الحكومة الديمقراطية للرئيس الأسبق باراك أوباما، أي «بضوء أخضر» من أمريكا وكان للضوّء الأخضر مسار تنتهجه الولايات المتحدة لخوض أشرس حرب.
بعد السماح للسعودية بشنّ الحرب على اليمن جاء الدعم الأميركي المباشر والغير المباشر بغية استسلام الشعب اليمني خلال مدة زمنية قصيرة فأصبح اليمن مسرحاً لقراءة التحول السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط.
في هذا البحث سنقدم الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية على عدّة أصعدة في الحرب على اليمن.
التدخل الأميركي على الصعيد السياسي
“يو.إس. إس كول” مدمرة أمريكية دخلت الخدمة في البحرية عام 1996، تعرضت لهجوم في 12 أكتوبر من عام الفين ثم وقع انفجار في ميناء عدن في اليوم الذي يلي حادثة المدمرة الأميركية وقع انفجار داخل أسوار السفارة البريطانية في صنعاء على إثر هذين الحادثين تصاعدت الضغوط الأمريكية، وأصبح الرئيس علي عبد الله صالح السابق لليمن مجبراً على القبول بالشروط المفروضة عليه من قبل واشنطن. هكذا، تمّ في نوفمبر 2000، توقيع اتّفاق تعاون في مجال محاربة الإرهاب بين صنعاء وواشنطن، من هنا بدأت الاستباحة الأميركية للسيادة اليمنية.
بدأت المرحلة الأولية للسيطرة الأميركية على اليمن من عام 2001 إلى عام 2011بحيث تمكنت الولايات المتحدة من التغلغل السياسي والعسكري والأمني والإخضاع السياسي لليمن، وتمكنت من الوصول إلى الاعلام وتحكمت به وأيضا بالخطاب الديني وعملت على تغيير المناهج التعليمة واتخذت قرار تعيين المسؤولين.
مع بدء ثورة 2011، كانت واشنطن تدير الأحداث عن كثب وتوجد هوامش للأطراف التي انخرطت في أحداث الثورة باحثة عن كيفية تشكيل مشهد جديد بعد الرئيس علي عبد الله صالح لكي تتمكن من خلاله فرض نفوذ أكبر على اليمن، وفي تلك الفترة كانت الولايات المتحدة تدير اللعبة وتتحكم في مجريات الصراع السياسي الحاصل بين السلطة والمعارضة، كان أمناء الأحزاب المعارضة يلتقون بالسفير الأمريكي باستمرار، وكان السفير جيرالد فايرستاين يوجّه صالح بالأوامر، وفي نهاية العام 2011 وافقت واشنطن على إزاحة علي عبدالله صالح من منصبه بعد تنازلات أكثر قدمها عبد ربه منصور هاديللولايات المتحدة، وكان إعلان هادي في 25 فبراير من عام 2012 أثناء تأديته لليمين الدستوري أمام البرلمان اليمني استمرار ما أسمي بالحرب على القاعدة.
يتواجد النفوذ السياسي ويتغلغل في البلدان التي تعاني سلطاتها من فقدان المشروعية الشعبية والمشروع الوطني. حرصت الولايات المتحدة على إبقاء النظام في اليمن مجرّد من أي مشروعية وانتماء وطني وشعبي، حتى تبقي السلطات دائما في حاجة للاحتماء بها، وكانت الحكومات والسلطات المتعاقبة في اليمن أيام صالح وما بعده حتى عام 2014 حاكمة بأمر السفير الأمريكي وقائد القوات الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط، وخاضعة بشكل مطلق للأوامر والتوجيهات الأمريكية.
كان السفير الأمريكي فايرستاين يجري لقاءاته بالمسؤولين وبقيادات الأحزاب السياسية ويوميا يصدر التوجيهات والقرارات كان السفير كل شيء هو الرئيس وهو القائد العسكري وهو المسؤول الأمني الأول، يلتقي بالقادة العسكريين يلتقي بالمسؤولين والأحزاب والمنظمات والعملاء والجواسيس، أصبح الإعلام اليمني وسيلة أميركية بحيث الصفحات والنشرات الإخبارية تتحدث عن السفير وبحث في أرشيف صحيفة “الثورة” الرسمية من تاريخ 1 يناير 2010، تجد أن أخبار السفير الأمريكي منذ 2010 حتى بداية سبتمبر 2014 كلها نشرت في الصفحة الأولى للصحيفة و بلغت 336 خبرا.
التدخل الأميركي على الصعيد الإعلامي
تحتاج أيةُ حرب قذرة إلى إعلام يماثلُها، وهذا ما جرى في اليمن، حيث انخرطت وسائل إعلامية في الدعاية للحرب والتدخل العسكري، تحت مبرّراتٍ واهيةٍ، أمكن وسائلِ إعلام تحالف العدوان من تضخيمُها وتقديمها كحقيقة لا تقبل الشك، وكل ذلك بهَدفِ تجميل صورة التحالف، وشرعنة الحرب والتدخل العسكري في اليمن، والقبول بالأخطاء والتجاوزات وتبريرها. كان الكذب والتضليل أسلوب طغى على الرسالة الإعلامية وحشد لهذا التضليل الكثير من المحللين السياسيين المخضرمين بغية إقناع المتلقي أن ما يحدث في اليمن ليس إلا “انقلاب الحوثي” على “الرئيس الشرعي”.
من هنا برزت قناتا العربية والحدث السعوديتان بدور محامي الشيطان. واختراع شرعية لجرائم القتل العلنية التي تقوم بها صواريخ التحالف وغاراته الجوية، دون احترام للقواعد المهنية، وظفت هذه الوسائل الإعلامية مفهوم “الأمن القومي العربي” في محاصرة “المد الإيراني”، واستحضرت الصراع التاريخي بين “السُّنة والشيعة”، وأطلقت العنان للمصطلحات الطائفية، في عملية قصف يومية للعقل اليمني.
عمد التحالف إلى محاصرة الإعلام اليمني واستهداف منشآته، عبر حجب أهم القنوات التلفزيونية الرسمية والأهلية، اذ أوعز التحالفُ إلى إدارة شركة عربسات بإيقاف بث قناتَي اليمن والمسيرة الفضائيتين، وكذلك فعلت إدارة شركة نايلسات. وأقدم التحالف على حجب الموقع الإلكتروني لوكالة سبأ الرسمية التي تعتبر أهم مصادر الأخبار في اليمن. وفي خطوات لاحقة اتجه التحالف وأدواته المنضوية تحت ما يسمى بالحكومة الشرعية، إلى استنساخ قناتي اليمن والمسيرة وموقع وكالة سبأ وإدارة هذه الوسائل من داخل الأراضي السعودية.
تعمد التحالف استهداف المنشآت الإعلامية بالغارات الجوية، معرضاً عن المعاهدات والقوانين الدولية التي توجب التعامل مع الإعلاميين والمؤسّسات الإعلامية كأعيان مدنية لا يجوز استهدافها في زمن الحرب أَو السلم على حَــدّ سواء بل أصبح التعامل مع المنشآت الإعلامية في اليمن كأهداف عسكرية.
طوال خمس سنوات من العدوان ارتكب التحالف السعودي عشرات الجرائم والانتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين في اليمن، حَيثُ قتل نحو 45 إعلاميا يعملون في المؤسّسات الإعلامية الوطنية، وأُصيب 25 إعلامياً بجروح، واستهدف التحالف بغاراته الجوية 30 مركزَ إرسال وبث إذاعي وتلفزيوني، وتعرضت نحو 23 منشأة ومؤسّسة إعلامية للتدمير الكلي والجزئي، إضافة إلى 6 حالات استنساخ لقنوات ومواقعَ إلكترونية، و8 حالات إيقاف بث لقنوات تلفزيونية، و7 حالات تشويش على هذه القنوات، وثلاث حالات اختراق لمواقع إلكترونية، وحالتا توقف لصحف رسمية، بالإضافة إلى إيقاف عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، تويتر، يوتيوب.
وكجزءٍ من استراتيجية حملة العلاقات العامة الدولية، اتجهت الرياض إلى مخاطبة الغرب بنحو مختلف، وتحاشت وسائل الإعلام السعودية الناطقة باللغة الإنجليزية، الخوض في الحجج الأيديولوجية والدينية مِن أجلِ شرعنه الحرب في اليمن، وركّزت بدلاً عن ذلك على الأبعاد السياسية والأمنية، والخطر الذي يتهدّد المملكة جراء ما يحدث في اليمن بسَببِ الانقلاب على الشرعية، بحسب زعمهم.
كما كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية عن دورٍ لعبته شركاتُ العلاقات العامة للدعاية الأمريكية الممولة سعودياً، والتي كان من مهامها التواصل مع صحف وقنوات تلفزيونية أميركية كبيرة، إضافة إلى التواصل مع أعضاء في الكونغرس ومجلس النواب وأحزاب ومراكز أبحاث وحتى جماعات الضغط الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلكانساقت وسائلُ إعلام غربية وصحف بريطانية وأمريكية كبرى خلف الرواية السعودية للحرب على اليمن، وقاربت المشهد من زاوية داعمة لسردية التحالف المدعوم أمريكياً، وحتى عند كشفت الجرائم والانتهاكات المتوالية بحق المدنيين، ظهرت أصوات خجولة تدعو لإيقاف الحرب، وإغاثة اليمنيين، فقد لزمت الصحافة أَو “الإعلام الحر” في الغرب الصمت المريب، حتى أطلق عليها البعض تسمية “حرب اليمن المنسية”، من منطلق أن الرأي العام الدولي لم ينجذب إلى أحداث اليمن.
التدخل الأميركي على الصعيد الدبلوماسي
كانت حرب اليمن منذ اللحظة الأولى لانطلاقها مرتبطة بالعلاقات السعودية-الأمريكية وتطور الأحداث داخل السعودية فالمملكة قررت قيادة التحالف العربي في 26 مارس/ آذار 2015 استجابة لطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بعد انقلاب حركة أنصار الله، إلا أن الإعلان جاء من واشنطن بواسطة سفير المملكة آنذاك عادل الجبير الذي أخبر بانطلاق أولى العمليات العسكرية باسم عاصفة الحزم، ليعقبه بعد ساعات قليلة بيان من البيت الأبيض يؤكد فيه دعم إدارة الرئيس أوباما للتحالف العربي.
لا يستبعد أن التصنيف الأميركي لأنصار الله ورفعهم على قائمة ما يسمى “الجماعات الإرهابية” من أساسه مجرد تكتيك سياسي رأته الإدارة العميقة في أمريكا لتعبيد الطريق أمام الديبلوماسية المقرر أن تحكم.. هذا يعني أن التصنيف الأمريكي لأنصار الله ثم التراجع عنه هو في حقيقة الأمر غطاء لحرب الديبلوماسية الأمريكية.
إن النتائج المتوخاة من التصنيف الأمريكي (لأنصار الله) حاصلة، وأن اليمن منذ سنوات مضت لم يكن بمنأى عن ذلك وقد مس الشعب ضر ذلك وتداعياته بعد أن عملت القوى المعادية لليمن وعلى رأسها أمريكا على تطويق البلاد اقتصادياً، فعمدت لاستهداف مقدراته الاقتصادية ومختلف قطاعاته الإنتاجية والخدمية والبنية التحتية وذلك من خلال العدوان والحصار.
يرتبط التصنيف بتقييد قدرة القوى المستهدفة على الاستمرار في المواجهة والصمود ورفع كلفة ذلك في أدنى تقدير من خلال الإمساك بأوراق قوة ضد البيئة الحاضنة للقوى الثورية وتعريضها لشتى أنواع الضغوط على المستوى المعيشي لخلق حالة من الارتداد الشعبي عن خيارتها الثورية المستقلة بشكل عام والحد بشكل خاص من قدرتها على التحرك حول العالم على المستوى السياسي والدبلوماسي في سبيل ذلك ترتب واشنطن إجراءات عدائية تجاه الدول والقوى المناوئة لسياستها والمواجهة لنفوذها، لا بل وصولا للأفراد ومن هذه الإجراءات العدائية:
أولا: تطويق المالية العامة للدولة وعزلها عن مصادر التمويل.
ثانيا: الإطباق على القطاع المصرفي وتحويلات المغتربين.
ثالثا: تعريض العملة الوطنية للانكشاف أمام العملة الصعبة.
رابعا: مرافق حيوية معطلة وعلى رأسها المنافذ الدولية الرئيسية للبلاد (موانئ الحديدة مطار صنعاء). إذا إنّ الديبلوماسية الأمريكية محاطة بالحصار المفروض على اليمن واستمرار العدوان عليه لقي بثقله عليها وهذا يعني أن تصريحات وقف مشاركتها في العدوان على اليمن ورغبتها في إحلال السلام لا يحظى برافعة تعزز الدبلوماسية الأمريكية المعلنة، وتوفر مدخلا نحوها بل محاصرة بإبقاء الحصار على اليمن وهو ما يؤكد أن أمريكا تسعى لإنجاز أهدافها المرسومة ناحية اليمن تحت ضغوطها العسكرية (العدوان الحصار).
التدخل العسكري المباشر
بادئ ذي بدء السيطرة على الأجواء والسواحل والمياه اليمنية، ثم إنشاء قواعد عسكرية في عدن وصنعاء وفي العند، كان قائد الأركان العامة يتلقى التوجيهات من قائد القوات المركزية في الشرق الأوسط، أصبح سلاح الجو اليمني في مرمى الاستهداف، صواريخ الدفاع الجوي ومنظومات سام دمرت بتوجيهات أمريكية مباشرة، القوات البحرية سرحت واستبدلت بقوات أمن وشرطة بحرية، يليه تحول اليمن إلى ولاية أمريكية تخضع لحكم السفراء من أدموند هول وجيسكي وجيرالد، حتى تولر.
كان انتشار جنود أمريكيين في مدينة عدن بعد أسابيع من حادثة المدمرة كول، مؤشراً يكشف أن الأمريكيين قد قرروا احتلال اليمن فعليا، وحين وجدوا أن الحرب ليست مطلوبة لاحتلال اليمن وأن من الممكن احتلال اليمن والسيطرة عليه، لم يلجؤوا لشن الحرب بل فرضوا وجودهم وسيطرتهم الكاملة على اليمن بواسطة النظام اليمني نفسه.
منذ البداية اتخذت أمريكا مساراً في السيطرة العسكرية على اليمن، كامتداد للهيمنة السياسية والنفوذ على النظام. وكان التواجد العسكري في البدء يأخذ اذن النظام الحاكم، لكن الولايات المتحدة عملت على تجريد الجيش اليمني من السلاح وتفكيك العقيدة القتالية وضرب الهوية الوطنية وتغيير الثقافة والسلوك من خلال الإعلام والخطاب الديني والتوجيهي والتربوي.
نفذت أمريكا عام 2002 أول غارة جوية على اليمن مستهدفة من قالت إنه المسؤول عن تدمير المدمرة كول أبو علي الحارثي، لم تتوقف الغارات الأمريكية والتحليق والاستطلاع منذ ذلك الحين، وصلت إلى أكثر من خمسين ضربة معلنة في العام 2013، و13 إنزالاً برياً، أما الاستطلاع والتجسس فكان حدثا يوميا مشهودا.
في 17 ديسمبر 2009 قامت بوارج أمريكية بقصف قرية المعجلة في محافظة أبين بصواريخ كروز من نوع توماهوك كروز BGM” 109D-”، وقتلت 41 من المواطنين اليمنيين بينهم 14 من النساء و21 طفلاً، قال الأمريكيون لصالح أوعزوا لوسائل الإعلام أن تعلن أن العملية نفذها الجيش اليمني على إرهابيين، في صباح اليوم الثاني كل وسائل الإعلام الرسمية والأهلية التي كانت تدار من السفارة تعلن أن العملية نفذها الجيش اليمني ضد إرهابيين…تكشف وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية أن صالح قال للأمريكيين «أنتم نفذوا الضربات واحنا نقول إننا من نفذناها».
الدعم العسكري عبر الأسلحة
تقول الإدارة الأمريكية إن تهديد إيران يبرر استمرار مبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف، عقدت الولايات المتحدة الأمريكية صفقات بقيمة عالية مقابل أسلحة ومتفجرات وأنظمة أسلحة وتدريبات عسكرية مع السعودية والامارات العربية المتحدة، منذ بداية حربهم مع اليمن، الصفقات التي عقدتها أمريكا أكثر بكثير مما تم الإعلان عنه.
في تقرير “للفورين بوليسي” يكشف بعض الجوانب المخفية من الحرب على اليمن.. 725 مليار دولار حتى عام 2019 أنفقتها السعودية.
نشرت المجلة في تقريرها بعض التفاصيل الدقيقة، إذ تحدث التقرير مثلاً عن تكاليف بارجتين حربيتين تتبعهما ست فرقاطات مرافقة موضحاً أن إيجار البارجة 150 مليون دولار يومياً، أي “300” مليون دولار يومياً للبارجتين وتوابعهما، والبارجة تحمل على متنها 6000 جندي بعدتهم وعتادهم، و”450″ طائرة بطياريها، وعليها أيضاً مدافع وصواريخ بعيدة المدى، أي إن إجمالي تكاليف البارجتين مع توابعهما بلغ 54 مليار دولار خلال 6 شهور.
تكاليف نفقات قمرين صناعيين للأغراض العسكرية: تكلفة الساعة الواحدة “مليون دولار”، وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن تكلفة القمرين في اليوم الواحد “48” مليون دولار، أي مليار و440 مليون دولار خلال الشهر الواحد، وفي حال ضربها بستة شهور يكون الناتج “8 مليارات و640 مليون دولار”، تحليل وعرض واستخراج المعلومات من الصور والبيانات التابعة للأقمار الصناعية العسكرية بتكلفة 5 ملايين دولار يومياً للقمر الواحد، أي 10 ملايين دولار يومياً، أي 300 مليون دولار شهرياً، ليصل المبلغ إلى مليار و800 مليون دولار خلال ستة أشهر.
تكلفة طائرة الأواكس 250 ألف دولار في الساعة، أي 6 ملايين دولار يومياً، ما يعادل 180 مليون دولار شهرياً، أي “مليار و80 مليون دولار” خلال ستة أشهر.
نفذ طيران العدوان السعودي على اليمن حتى الآن ما يقرب من 35 ألف غارة شنتها أكثر من 150 طائرة، ألقت خلالها “140 ألف صاروخ” على أهداف معظمها مدنية وآهلة بالسكان “بأشكالها وأنواعها ومنها المحرم دولياً”، 40 ألف صاروخ “حجم صغير” تبلغ تكلفة الواحد منها 150 ألف دولار، بإجمالي بلغ 6 مليارات دولار، و50 ألف صاروخ حجم متوسط، تبلغ تكلفة الواحد منها 300 ألف دولار، بإجمالي 15 مليار دولار، و50 ألف صاروخ حجم كبير تبلغ تكلفة الواحد منها 500 ألف دولار بإجمالي 25مليار.
التموين الجوي ووقود الطائرات، وتبلغ تكلفة الصيانة وقطع الغيار والكيروسين لكل طائرة في الغارة الواحدة 150 ألف دولار، وفي حال ضربها بعدد إجمالي الغارات، يكون الناتج 5 مليارات دولار.
صفقات الأسلحة: قام نظام آل سعود بشراء أسلحة أمريكية الصنع بقيمة 150 مليار دولار، مضافة إليها مصاريف تدريب وصيانة وقطع غيار لمدة خمس سنوات، وشراء طائرات من فرنسا بقيمة “36 ملياراً” “طائرات رافال”، كما تكفل السعوديون بدفع مبلغ 26 مليار دولار لشراء طائرات “رافال الفرنسية” المقدمة كهدية لمصر.
علاقة الولايات المتحدة مع تنظيم القاعدة
لم يَعُـــد خافياً الدعم المباشرُ الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية لتنظيم القاعدة في اليمن على مختلف الأصعدة ومدى الانسجام الكبير في تحَرّكات هذا التنظيم وسيره في خَطٍّ واحد مع العمليات العسكرية في العدوان.
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تنسج الخطط واحدة تلو الأخرى في مشروعها التوسعي، خاصة في المناطق الغنية بالثروات الطبيعية وتلك التي يمكن أن تمثل لها مركزاً للسيطرة العسكرية على مزيد من الدول، كان اليمن واحداً من أهم البلدان التي أرادت أمريكا احتلاله منذ مطلع القرن الجاري، وحتى قبل حادثة 11 سبتمبر 2001 (تفجير مباني التجارة العالمية)، فاتخذت من تنظيم القاعدة ذريعة للتواجد العسكري على الأرض، واستطاعت من خلال الضغوطات التي مارستها على النظام الحاكم آنذاك فرض سيطرتها على البلد وانتهاك السيادة اليمنية وتنفيذ هجمات عسكرية على عدة قرى في عدد من المحافظات.
بالعودة إلى البداية أيّ عندما استهدف قارب صغير المدمّرة العسكرية الأمريكية البحرية (يو إس إس كول) يعقبه بيوم واحد فقط انفجار داخل أسوار السفارة البريطانية في صنعاء، ومن ثم يخرج تنظيم القاعدة متبنياً الهجمتين، فتسارع أمريكا لإعلان ما تسميه «الحرب على الإرهاب» بعد تسخير عمل الآلات الإعلامية الدولية كافة لتهيئة المجتمع من أجل القبول بالتواجد الأمريكي.
على مدى سنوات التواجد الأمريكي في اليمن استمرت القوّات الخاصة الأمريكية بالمرابطة في قاعدة العند كما أُقيمت في اليمن محطّتان قادرتان على تحليل المعلومات المستقبلة وتوجيه ضربات الطائرات بدون طيار، إحداهما داخل مبنى السفارة الأمريكية ذاتها، والأخرى في مبنى سرّي في صنعاء، أكد تلك المعلومات تصريح هادي في العام 2013 والذي تحدث فيه عن «وجود غرفة عمليات مشتركة في صنعاء لمحاربة القاعدة تديرها أربع دول».
واستطاعت القوات الأمريكية اختراق جهاز الأمن القومي اليمني ووزارتي الدفاع والداخلية خلال الفترة التي عمل فيها مسؤولون في تلك الأجهزة مع القوات الأمريكية في وحدات إقرار تنفيذ الضربات الجوية بواسطة طائرات «بريداتور»، وهذا ما أدى في الأخير إلى وصول تنظيم القاعدة إلى صنعاء برعاية أمريكية وتواطؤ يمني من نظام هادي، واستطاعت القاعدة الاستيلاء على أبين وبعض القرى في لحج وحضرموت وشبوة، كما قامت بذبح العديد من الجنود اليمنيين.
استمر تنظيما القاعدة وداعش في إنشاء المعسكرات في محافظة البيضاء، وتلقي الدعم الأجنبي، وحظيا باهتمام واسع من قبل الحلفاء، وقد أجرت شبكة “سي إن ان” الأمريكية تحقيقاً استقصائياً في العام 2019، يكشف أن الأسلحة الأمريكية التي تبيعها واشنطن لتحالف العدوان وصلت إلى أيادي التنظيمات الإرهابية وسط وجنوب اليمن وهي عناصر موالية لدول العدوان، بحسب التحقيق الذي استند إلى أدلة تؤكد أن العتاد العسكري الذي باعته واشنطن للسعودية والإمارات تم توزيعه على الجماعات الموالية لتحالف العدوان، ولفت التحقيق إلى أن السعودية وحلفاءها نقلوا أسلحة أمريكية الصنع إلى القاعدة ومليشيات متشددة في اليمن لدفعها للقتال معها ضد أنصار الله.
كما كشف تحقيق القناة الأمريكية أن «الكثير من الأسلحة البريطانية والأمريكية وجدت طريقها إلى المجموعات الموالية للسعودية والإمارات في اليمن، وإلى مجموعات منشقة لدى بعضها علاقات مع تنظيمي القاعدة وداعش، فيما كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية في تحقيق لها أن السعودية والإمارات تسببتا بوصول بعض الأسلحة المتطورة التي تم شراؤها من الشركات الأوروبية والأمريكية مثل العربات المدرعة ومنصات الصواريخ والعبوات الناسفة والبنادق المتطورة إلى جماعات مسلحة في اليمن تنتمي أو ترتبط بالتنظيمات الإرهابية، بينما تحدثت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية في أغسطس من العام 2019، بالاستناد إلى وثائق سرية، عن عقد السعودية والإمارات اتفاقات سرية مع تنظيم القاعدة في اليمن.
وفي فبراير 2016، قالت شبكة «بي بي سي» البريطانية، إن فريق التحقيق الوثائقي لديها حصل على أدلة تفيد بأن قوات من التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن قاتلت خلال إحدى المعارك الكبرى على نفس الجبهة مع مسلحين موالين لتنظيم القاعدة ضد أنصار الله، مشيرة إلى أن المعلومات التي حصلت عليها جاءت بعد زيارة الفريق للخطوط الأمامية قرب مدينة تعز حيث توجد قوات من الإمارات والسودان ومسلحين تابعين لتنظيم القاعدة يقاتلون ضد الجيش واللجان الشعبية.
مؤخرا كشفت قناة المسيرة اليمنية عن مكالمات هاتفية جمعت بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومدير ال CIA الأسبق جورج تينيت، أكدت قناة المسيرة أن احدى المكلمات الهاتفية تضمنت الحاحا أميركيا لإخراج أحد العناصر الاستخباراتية المعتقلة في سجن الأمن السياسي بالعاصمة صنعاء على إثر حادثة المدمرة “يو إس إس كول”، وتضمن الاتصال أيضا إقرار بالعلاقة المباشرة بين الاستخبارات الأميركية وعناصر تنظيم القاعدة.
مدى التنسيق الاستخباراتي وإدارة العمليات
منذ بدء العمليات العسكرية في اليمن دعمت الولايات المتحدة الأميركية الحرب ضد اليمن وجاء في حديث لجون كيري أن بلاده تدعم التحالف الذي تقوده السعودية من خلال مشاركة المعلومات الاستخباراتية والإسناد اللوجستي الى جانب المساعدة في عمليات التحديد والاستهداف.
أما على الصعيد اللوجستي والاستخباراتي فقد أنشأت الولايات المتحدة غرفة عمليات مع السعودية “خلية تخطيط مشترك” لتنسيق العمليات العسكرية والاستخباراتية في اليمن وتوفير الدعم الأميركي لتزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو والتبادل المحدود للمعلومات وربطت تلك المنظومة بالأقمار الصناعية الأميركية (التابعة للبنتاغون).
كما تولّت الولايات المتحدة المشاركة في اختيار الأهداف التي يقصفها التحالف السعودي – الإماراتي، والمشاركة البحرية في تفتيش السفن في بحرَي العرب والأحمر. كذلك، بدأت قوات أميركية تُسمّى مجموعة «القبعات الخضراء» عملها عام 2017 على الحدود السعودية – اليمنية، حيث تركّزت مهمّتها على عمليات «البحث والتدمير» المتعلّقة بالصواريخ الباليستية ومنصّات إطلاقها من داخل اليمن. وبحسب مصادر عسكرية في صنعاء تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن حجم التمكين الأميركي للطيران السعودي، من حيث الدقة والرؤية النهارية والليلية والقدرة التدميرية، بات مساوياً لنظيره في الكيان الإسرائيلي..
سياسة إدارة بايدن لإنهاء الحرب في اليمن
العنصر الجديد الوحيد مع اكتمال السنوات الست على اندلاع حرب اليمن، هو وصول إدارة بايدن للحكم، ضمن حديثه عن ملامح جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، قال بايدن: الحرب في اليمن يجب أن تتوقف وأعلن إنهاء دور أمريكا في العمليات الهجومية في اليمن، ووقف صفقات السلاح المرتبطة بتلك الحرب.
استخدم بايدن خطاباً حاداً في حملته الانتخابية، إلا أن إدارته، ليس في مقدورها الذهاب بعيداً في مسار “القطيعة الكاملة” مع سياسة إدارة ترامب…بحسب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن فإن الصراع في اليمن يتعلّق بالنسبة لإدارة بايدن بثلاث أمور هامة أولا انهاء الدعم للحملة العسكرية بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، ثانيا: تلتزم الإدارة الأميركية بشدة بالدفاع عن المملكة ضد ما تزعمه واشنطن “العدوان الموجّه من قبل أنصار الله” أما النقطة الثالثة وهي ذات أهمية عالية وتنص على أن أميركا تميل إلى لعب دور قيادي ونشط دبلوماسيا لمحاولة إنهاء الحرب وتأتي هذه الخطوة بعد الانتهاء من دعم المجهود العسكري.
قام بايدن بتعيين تيموثي ليندر كينغ (هو دبلوماسي مخضرم مرتبط بالخليج والملف اليمني)، هذا التغيّر يؤشر إلى أن إدارة بايدن تدرك أن وقف الدعم لتحالف العدوان ليس من شأنه ايقاف الحرب, فالهدف مع ليندر كينغ هو إيجاد حل بالتالي فقد منح الرئيس مزيدًا من الصلاحيات لـ”ليندركينغ” من أجل التوصل إلى صفقة تنهي الحرب, وقال متحدث باسم البيت الأبيض: “سيكون التركيز الرئيسي لجهودنا هو الجهد الدبلوماسي لإنهاء الحرب في اليمن من خلال العملية التي تقودها الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار، وفتح القنوات الإنسانية, واستعادة محادثات السلام الخاملة منذ فترة طويلة”. مضيفاً: “هدفنا الأساسي هو التقريب بين الأطراف للتوصل إلى تسوية تفاوضية تنهي الحرب ومعاناة الشعب اليمني”.
وفي فبراير 2018 عينت الأمم المتحدة البريطاني مارتن غريفيث مبعوثا خاصا إلى اليمن، وظلت الأزمة اليمنية تتعمّق خلال الفترة التي عيّن فيها غريفيث مبعوثا إلى أن أعلنت الأمم المتحدة رسميا، تعيين مبعوثها إلى اليمن، وكيلا للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ.
متغيرات أساسية
- انتهاء مهمة المبعوث الاممي مارتن غريفيث في اليمن، مع عدم تحديد موعد محدد لتعيين مبعوث جديد، والجدير بالذكر أن بريطانيا ترغب في تعيين مواطنها أليستر بيرت مكان غريفيث.
- سعي الولايات المتحدة وبريطانيا لإصدار قرار جديد يعدل العديد من النقاط الواردة في القرار 2216، والتي تعد معرقلة للسياسة الامريكية الحالية اتجاه اليمن، والتي تجري المداولات بشأنه بشكل أساسي بين الدول الخمس الدائمة في مجلس الامن، إذ لم يتضح بعد الموقف النهائي للصين وروسيا.
- العملية الهجومية الواسعة التي نفذتها قوات صنعاء، وأدت الى تحرير ما يقدر ب 150 كم مربع، داخل الأراضي السعودية في محور جيزان، والتي تسببت بفضيحة مدوية لأداء الجيش السعودي في الميدان.
أدت هذه المتغيرات والتي عززها الجوم الأخير لقوات صنعاء على محور جيزان الى الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها أنطوني بلينكن بتكليف سلطنة عمان بالتفاوض المباشر نيابة عنها، دليلا على مرونة موقفها الحالي اتجاه حكومة صنعاء، وعززت موقف مسقط بتقديم بعض الحوافز والتنازلات التي تعتبرها حكومة صنعاء أولوية. وذهب وفد من المكتب السلطاني العُماني إلى العاصمة اليمنية صنعاء، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سنوات.
الخاتمة
أصبح ما يجري في اليمن عصيّاً على التعريف السياسي والقانوني. هي حرب، لكنها غير قابلة للحسم، ولا للتوقف…تسبب العدوان الأميركي-السعودي في اليمن بأكبر أزمة إنسانية في العالم؛ بحسب “مشروع بيانات اليمن”، قُتل وجُرِح عشرات الآلاف من المدنيين منذ 2015، وربع المدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية كانوا من النساء والأطفال. يعاني أكثر من 20 مليون شخص في اليمن من انعدام الأمن الغذائي؛ منهم 10 ملايين معرضون لخطر المجاعة.
ومع حاجة الولايات المتحدة ووكلائها الشديدة لانهاء عدوانها على اليمن، بسبب التطورات الدولية المتمثلة في صعود الصين والتهديد الروسي للدول الاوروبية، بالإضافة لحاجة الشركات الامريكية المرتبطة بدوائر القرار السياسي في واشنطن الى الاستثمار في البنية التحتية للدول الخليجية بما فيها اليمن، وغيرها، من المتوقع أن تقدم المزيد من التنازلات لمصلحة حكومة صنعاء، والجدير بالذكر أن موقف صنعاء أقوى ويملك العديد من الأوراق السياسية والعسكرية القوية والمؤثرة على مستقبل الممالك الخليجية، مما يمكنها من انتزاع الكثير من المكاسب في هذا السياق.
هناك سيناريوهات عديدة يمكن أن يمر بها اليمن، ليصبح أكثر استقراراً أو أشد فوضى مما هو عليه الآن. رغم ما طرح وما سيطرح في وقت لاحق الثابت الوحيد والحقيقي هو أنّ هذه الحرب فشلت وفشلت بشكل مذهل.
مركز دراسات غرب آسيا
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.