تتواصل التداعيات الدبلوماسية للهجوم على السفينة “ميرسر ستريت” في بحر عمان، الذي أسفر عنه مقتل شخصين من طاقهما أحدهما يحمل الجنسية البريطانية، بين إصرار غربي على توجيه أصابع الاتهام لإيران ونفي طهران مسؤوليتها عن الهجوم.
ووجدت بريطانيا نفسها في مقدمة الصف الغربي لمتابعة هذا الهجوم من كثب والوعيد العسكري تجاه إيران، ففي خروج إعلامي نادر توعّد قائد الجيش البريطاني -الجنرال نيك كارتر- طهران بالردع، ما فتح التكهنات عن احتمال التحرك العسكري البريطاني بالتنسيق مع دول غربية وخصوصا مع الولايات المتحدة.
ومن خلال اتصال الجزيرة نت بالخارجية البريطانية، يظهر أن لندن ما زالت مصرّة على مسؤولية إيران وضلوعها في الهجوم، رغم النفي الإيراني لهذه الاتهامات، وزاد من حدة الضغط على إيران نشر الجيش الأميركي صورا يقول إنها لطائرة مسيّرة إيرانية هاجمت السفينة.
الضغط الدبلوماسي
ففي حديثها للجزيرة نت عبر الاتصال، أكدت الخارجية البريطانية أنها لم تغير من تقييمها بأنه “من المرجح جدا أن إيران اعتدت على السفينة ميرسر ستريت في المياه الدولية قبالة سواحل عمان باستخدام واحدة أو أكثر من الطائرات المسيرة”.
وقالت الخارجية البريطانية إنها تعمل مع شركائها الغربيين من أجل البحث عن رد مشترك على هذا الهجوم، في المقابل تصرّ إيران على أنها غير مسؤولية عن الحادث وأن ما يحدث هو حملة ممنهجة ضدها “للإعداد لمغامرة غير محسوبة العواقب”.
وعن سقف الرد الغربي على هذا الهجوم، بين الضغط الدبلوماسي والرد العسكري، رجحت مصادر دبلوماسية في بريطانيا أن الأمر سيتوقف عند حدود الدبلوماسية، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، مستبعدة أي رد عسكري أو ضربة محدودة بتوقيع الغرب.
ويستبعد العضو في مركز الأمن والدراسات العالمية، البروفيسور طاهر عباس، لجوء بريطانيا إلى أي خطوة عسكرية للرد على الهجوم على السفينة ميرسر ستريت، ولا على حادث اختطاف سفينة أخرى قبالة سواحل الإمارات في خليج عمان.
وأكد البروفيسور البريطاني وخبير السياسات الدفاعية العالمية -في حديثه مع الجزيرة نت- أن بريطانيا “لا يمكنها التحرك عسكريا ضد إيران على نحو منفرد”، مقللا في الوقت ذاته من “إمكانية تحرك الغرب عسكريا ضد إيران ولو توفرت الأدلة عن تورط إيران في الهجوم”.
ويسوّغ البروفيسور عباس أن الغرب في الوقت الحالي، وبريطانيا خصوصا، يركز على روسيا، “فالمعسكر الغربي يريد التركيز على التحركات الروسية، وهناك رهانات أكبر من الصراع مع إيران تتعلق بالصراع على مناطق النفود في الشرق الأوسط وفي البحر الأسود وأيضا الصراع على مصادر الطاقة وخصوصا الغاز”.
ويتوقع البروفيسور طاهر عباس أن “يرتفع التوتر في خليج عمان والشرق الأوسط عموما، في انتظار السلوك الإيراني مع وصول رئيس جديد، ولكن عمليا هناك كثير من سوء الفهم بين الغرب وإيران لم يحل إلى الآن، ولا أعتقد أنه سيحل في المدى المنظور”.
ويتفق البروفيسور غيلبرت الأشقر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، مع توجه البروفيسور طاهر عباس، في استبعاد الخيار العسكري خصوصا من جانب بريطانيا، وأن “أي حركة عسكرية بريطانية ستكون ضربا من الجنون”، مشيرا إلى أن التحركات البريطانية سواء على الصعيد الدبلوماسي أو التصريحات العسكرية تدخل في سياق الاستعراض السياسي على الصعيد الدولي.
وأكد الأستاذ في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية أن غرض حكومة بوريس جونسون من كل هذه التحركات التي تقوم بها في هذا الملف “هو الترويج لكون بريطانيا عادت باعتبارها قوة دولية وقادرة على التأثير في الساحة الدولية بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي”.
ويلتقي الأشقر مع عباس، في توصيف ما يحدث في منطقة الخليج وحرب الناقلات بأنه “حرب منخفضة التوتر، ومن المتوقع أن تستمر على اعتبار أن إيران تريد الرد على الضربات الإسرائيلية التي توجهها لإيران في عمقها، في حين يبقى المجال البحري هو المكان المناسب للرد الإيراني ولكن من دون أن تتدحرج الأمور نحو الحرب”.
وتوقع البروفسور الأشقر أن يظل هذا التوتر قائما لأن “حكومة الاحتلال دخلت في مزايدة مع رئيس الوزراء السابق بينامين نتنياهو بشأن التشدد في التعامل مع الملف الإيراني، بل إنها تتهم نتنياهو بأنه أضاع الوقت من دون ردع إيران”، مضيفا أن “لدى تل أبيب تخوفا حقيقيا من تحقيق طهران أي تقدم في الملف النووي والحصول على السلاح النووي، وهذا هاجس حقيقي لدى الاحتلال”.
أما العامل الثاني الذي سيحدد مستوى التوتر فهو “سلوك الرئيس الإيراني الجديد (إبراهيم رئيسي) المعروف بتوجهه المحافظ والذي لن يمنح واشنطن مزيدا من المرونة في الملف النووي، في المقابل هناك إدارة أميركية تريد حل هذا الملف للتفرغ لملفات أكبر هي الصراع مع روسيا والصين”.
ويبقى الموقف البريطاني من التعامل مع إيران “رهينا بالموقف الأميركي أولا، وثانيا بكون أحد ضحايا الهجوم على السفينة يحمل الجنسية البريطانية، ومن ثم فكل تحرك هو لمحاولة تنفيس أي ضغط داخلي يحتج على مقتل مواطن بريطاني”.
الجزيرة
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.