بلال عبد الساتر – خاص الناشر |
على هامش حفل الأمس في بيروت لا بأس بالإضاءة على جوانب وكواليس ما قيل بين مدافع ومهاجم ومتعاطف ومتحسر، وخصوصًا أن كل مواطن فينا هو معنيّ عندما ندفع ضرائبنا ثمن حضورنا أو عدمه فنحن ندفع رواتب كل موظف من أكبر وزير الى أصغر خفير لتجني الشركة المنظمة أرباحها على حسابنا نحن بكل اتجاهاتنا.
فهؤلاء المنظمون جماعة ثقافة الحياة بوجه ثقافة (الموت) “وما منشبهكم ولا بتشبهونا” هم من فرضوا اللباس الابيض للتمايز “عنصرية مبطنة”، هم من تركوا مخلفاتهم تلوث الجمال والحياة والبيئة وتهربوا من مسؤولياتهم وواجباتهم، هم أصحاب الربح السهل والسريع ليتقاسموه مع مطرب لم يرَ فينا إلا جيوبنا الرثة نجمع فيها أموال بؤسنا لترسل لاحقًا في صندوق الطائرة موضبة ومرتبة وغير خاضعة للضريبة.
ذات المنظمين أنفسهم ومن يدور في فلكهم تفلت علينا كلابهم وابواقهم الاعلامية والاعلانية ويرفعون شعار نحب الحياة يزايدون علينا بفوقيتهم الثقافية وطبقيتهم البغيضة، فبقدر ما نملك وندفع نكون من أهل معيارهم في انسانيتنا ورقينا وتفاعلنا وإحساسنا المرهف! فكلما أنفقت أكثر كلما وصلت الى محددات (انسانيتهم) وإن أكرمكم عند المنتج أكثركم دفعًا للكاش.
جني الثروات مسموح لكنه غير مشروع ما لم يقترن بالاخلاق وثقافة احترام البلد المضيف وأهله، ومن غير المسموح غياب الدولة والأجهزة المعنية بحفظ الحق العام وواجباتها اتجاه المواطن وموطنه فلا المنظمون يمتلكون أخلاقيات العمل فيراعون قوانين البلد بل همهم جمع المال والانتقال الى مشروع آخر، أما الجمهور “اللي عاوز كده” فحدث ولا حرج!
عندما يشكو الوزير المسؤول (وزير البيئة) عن مشهد اليوم فاعلم بأن من أتى به الى سدة المسؤولية هم هؤلاء البسطاء من هذا الجمهور الذين التزموا بمعايير شروط المنظم والمطرب المشترط ماذا يجب عليهم أن يلبسوا ليسمعوا بعضًا من تفاهة يمكنك أن تتلقاها عبر أي وسيلة أو تطبيق، ثم أليس فرض لون اللباس تقييدًا للحرية الشخصية؟! وعليه هؤلاء أنفسهم من الجمهور لم يلتزموا باحترام الحرية الشخصية وإلزام الشركة المنظمة أن تحترم حريتهم وعلى المطرب احترام ثقافة وطنهم بل خضعوا لشروط كأنهم رهينة ملذات شخصية على حساب كرامة الوطن. ويضاف الى ذلك مشهد النظافة الشخصية لكل فرد رمى قاذوراته ولم يحفظ الحق العام وما يترتب من تأثير بيئي واقتصادي وسمعة سيئة على البلد ومواطنيه.
كانت الساعة الثانية ظهرًا بُعيد مسيرة عاشوراء وشوارع الضاحية تتلألأ بنظافتها كما قبل المسيرة وكأن الناس لم تخرج عن بكرة أبيها، وكانت كل وسائل الاعلام مجهزة ومسلطة وعلى اتم الاستعداد لايجاد ثغرة ينفذ منها هذا الاعلام المسموم ليفاجؤوا بأكبر فعل اجتماعي بشري من ناحية التنظيم والنظافة قبل وخلال وبعد، فأطفؤوا كاميراتهم وولوا الدبر خائبين، ومع ذلك صدرت تقارير عدة كاذبة لينعت بها أهل الضاحية بأبشع التوصيفات والتنميط الذي يلاحقهم ولا يتوقف.
نعطي الحياة ونحبها ليلًا ونسلبها من الآخرين وعلى المواطن أن يدفع ثمن عدم حضوره، فالمنظم والمطرب يجني (والدفع على سمعان). حبذا لو يخبرنا أهل الاختصاص مَن جمع البيانات والاستطلاعات والرصد عن مجمل الكلفة الفعلية للحفل؟ فلو أضفنا استخدام الموارد المستهلكة من نقل وطعام ومياه وتسخير كل امكانات الدولة واستنفار القوى الأمنية والحماية ناهيك عن المنشآت والكهرباء فكم ستكون الكلفة؟
بكل بساطة هي مفارقة وليست للمقارنة بين فئة تتمايز بعنصرية بياض الشكل يمتلكها الجشع فاقدة للأخلاق تأخذ ولا تعطي بمقابل فئة أعطت وتعطي للحياة ولا تأخذ سوى الحب والتضحية والتفاني في سبيل حياة كريمة.
بين سواد ثوب وبياضه ثقافة حياة… وبكرامة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.