احتفل المجتمع السعودي منذ أيام بما يسمى “الهالوين” أو كما يطلق عليه “عيد الهلع”، وغزت مشاهد الاحتفالات وسائل التواصل الاجتماعي على نحو شاسع، بحكم أنها ظاهرة جديدة في السعودية، تنضم إلى غيرها من الظواهر التي كانت فيما مضى “محرّمة” على السعوديين.
هذه الاحتفالات التي جاءت تحت عنوان “الترفيه” بعد أن كانت فيما مضى تخضع لأحكام “التجريم”، تطرح العديد من الأسئلة حول هذه النقلة الهمجية التي مارسها النظام السعودي ومعه المجتمع السعودي، في ظل تطورات إقليمية وعالمية جذرية.
مملكة الإجرام والأمر بالفحشاء والمنكر
جسّد السعوديون منذ أيام، عبر احتفالهم بـ”الهالوين”، وجهًا جديدًا للمملكة، وجهًا من الانفتاح الهمجي السطحي الأعمى، الذي اقترن مع وجه القتل والإجرام الذي قدمته السعودية على مدى أعوام ولا زالت، إن كان عبر ارتكابها المجازر في بلاد اليمن وشعبه، أو عبر التنظيمات الإرهابية الوهابية التي كانت “مملكة الخير” الممول والمحرّك الأول والداعم الأساسي لها.
في السابق، حظر النظام السعودي السحر والشعوذة مع محاكمة بعض الممارسين المتهمين، وقطع رؤوسهم من قبل الدولة، وكان الاحتفال بأعياد غير إسلامية – مثل عيد الحب وعيد الميلاد وعيد الهالوين – من المحرمات. بالإضافة إلى ذلك، كانت السعودية تمنع النساء من القيادة، وكان يُطلب منهن ارتداء عباءات طويلة تصل إلى الأرض، مع صراخ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهن لتغطية شعورهن ووجوههن.
هذه العادات والتقاليد المحافظة، بدأت تدريجيًّا بالتغيّر والاختفاء، مع وصول محمد بن سلمان إلى الحكم عام 2015 – والذي أصبح الآن وريث العرش ورئيس الوزراء – وإعلانه عام 2016 عن خطة تنويع اقتصادي، دعت إلى تحويل المملكة إلى قوة استثمارية ومركز أعمال عالمي، و”عيد الهالوين” هو مشهد من مشاهد هذا التغيير، فهذا العيد الذي كان يُنظَر إليه بشكل مختلف، على أنه عيد أجنبي وثنيّ، أو على أنه إثم وغريب وغير ضروري، في “المملكة المحافظة”، بات اليوم شكلًا من أشكال الترفيه والاسترخاء والاحتفال ضمن الفعاليات التي أطلقتها السعودية للسنة الثانية على التوالي.
سعودية ابن سلمان.. الإسلام بريء منها
شكل المشهد العام للواقع السعودي علامة صارخة على التغييرات التي مزقت السعودية، منذ أن بدأ ولي العهد محمد بن سلمان في الصعود إلى السلطة في عام 2015، وبدأ في التخلص من القيود الاجتماعية واحدًا تلو الآخر. ومع هذه المشاهد يسود الغموض الاستراتيجي حيث تجتاح التغييرات الاجتماعية جميع أنحاء البلاد. وعمليًّا لم يكن هذا الحدث الذي ترعاه الحكومة، بالمعنى الدقيق للكلمة، مجرّد مهرجان للهالوين. فسياسة ابن سلمان في الوصول الى رأس الهرم في المملكة، وتعزيز حظوظه بهذا الشأن، والحصول على المباركة الأميركية، دفعته ولا زالت للقيام بكل ما يلزم لبلوغ مراده.
هذا الأمر يظهر جليًّا على الساحة السعودية، ان كان عبر محاولات ابن سلمان المكثفة والمدروسة لإظهار السعودية بوجهها الانفتاحي لا الإرهابي الإجرامي، أو إعطاء الفرصة للشعب السعودي لممارسة أنماط حياتية بأساليب غربية وذلك عبر تطوير خيارات الترفيه لديه، والاحتفال بالأعياد الأجنبية، وإعادة فتح دور السينما، وإقامة هذه الفعاليات لأشهر متسلسلة، وغيرها من التغيرات الجذرية في التقاليد والأعراف، لا سيما وأن العديد من الـ 58% من السعوديين الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عامًا، يقولون إنهم كانوا يتوقون للترفيه قبل التغييرات.
وتجدر الإشارة إلى أن تخفيف بعض القيود الاجتماعية ترافق أيضًا مع زيادة ملحوظة في القمع السياسي، مع حملة قمع ضد المعارضة المحلية أدت إلى سجن مئات الكتاب والناشطين وأصحاب النفوذ على “سناب شات”، إلى جانب المليارديرات ورجال الدين وأفراد العائلة المالكة. وقد استخدم النظام السعودي على وسائل التواصل الاجتماعي، مزيجًا من التلاعب والسيطرة، مما أدى إلى خطاب موحد يُبجّل ولي العهد وخطته: “رؤية 2030”.
من ناحية أخرى يرى العديد من السعوديين أن “الدفع نحو الترفيه يبدو وكأنه إلهاء عن التحديات الاقتصادية، مثل: ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، والتحديات السياسية، مثل: الافتقار إلى حرية التعبير”. هذه الحقائق التي تسود الواقع السعودي، تظهر اذًا حقيقة ما يطمح له ابن سلمان، لا سيما وأن النظام السعودي يصور نفسه دائمًا بمثابة “قدوة” للشعوب الأخرى، وهو في الحقيقة لا يمت للإسلام ولا للأمة الإسلامية بصلة، بل إن الأمة بريئة منهم تمامًا، من فسادهم وإجرامهم ووحشيتهم وجهلهم، وما نراه اليوم هو خير دليل على تخلفهم ووقاحتهم، وعلى رأسهم أميرهم ابن سلمان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.