هاني العبندي* – خاص الناشر |
قبل نحو أسابيع قليلة استمعت إلى حوار عبر إذاعة ثمانية على منصة اليوتيوب في بودكاست وكان الضيف الباحث د. عبد الله السفياني وعنوان الحلقة “نقد الخطاب الديني”، والممتدة نحو ساعتين وأكثر. ما لفت انتباهي هو حديثه عن كيفية التعاطي مع تراث وشخصية ابن تيمية بين التقديس الرافض للنقد بصورة مُطلقة وبين النقد الذي يصوره شخصية متطرفة دينيًا. هذا الأمر دفعني للتأمل في الكثير من الشخصيات والأحداث التي رافقتها وما نتج عنها بعد رحيلها من مواقف مُتصلبة مع أو ضد، وإذ أثناء البحث في أعماق التاريخ وجدت ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش في إحدى قصائده: “حياتنا عبءٌ على ليل المُؤرخ”. وقد أجاد الشاعر الراحل درويش الوصف بدقة مُتناهية.
ومما يؤكد لي أن أثقل وأصعب مهمة أن تكون مؤرخًا، وأن تكتب ما يُملي عليك الضمير، فيما تواجه ما يتشكل في الأذهان، وفي الطرف الآخر يأتي دور العقل بأن يكون أشبه بدور شرطي مرور يُنظم سير الأحداث في أبعادها الثلاثة الدين، والسياسة، والاجتماع باعتبارها مناطق التشكل التي تؤرق ليل المؤرخ بتعبير الراحل الشاعر درويش.
اليوم أعلن عن وفاة الشيخ يوسف القرضاوي مصري الجنسية والمقيم في قطر مُنذ سنوات طوال والذي برحيله بدأت تموجات الاستقطاب عبر مُختلف المنصات الاجتماعية وأبرزها منصة تويتر.
ثمة حاجة لتجاوز حالة الاستقطابات القديمة المُتجددة في عصرنا الحالي، فما أن ترحل شخصية عامة لها جمهورها وخصومها من المحيط إلى الخليج بتعبير الصحفي فيصل القاسم، لن تجد غير صورة ثنائية من أقصى اليمين حتى اليسار، مع حالات نادرة لمن يضع مشرط النقد التاريخي تحت مجهر الموضوعية والفعل الأخلاقي.
يبدو لي أن دوافع هذه الثنائية منبعها التراكمات النفسية التي تفوق التراكمات المعرفية التي تخض للعقل المُجرد إن صح توصيف ” العقل المجرد” لكل أطراف هذه الثنائية.
ولستُ بِحاجة للوقف على من يتصرف وكأنه يمتلك مفاتيح الجنة والنار وفق المعتقدات الدينية لأن هؤلاء يعيشون أزمة في فهم دور العقل وموقعه من النص، ولن أستغرق كثيرًا من الوقت مع من يشتم أو يمدح الشيخ القرضاوي أو غيره، إلا أنني أتفهم وأستطيع قرأءة السلوك المتناقض وهو نتاج عوامل عديدة منها تعدد واختلاف مصادر المعلومات، وتغليب الحالة العاطفية على العقل، والتوظيف السياسي.
برحيل الشيخ القرضاوي يُجدر بالمفكرين والكُتاب المنشغلين بحركة التنوير في المجتمعات التي تئن من أزمات عديدة في مختلف المجالات أن يجعلوا من رحيله جسر عبور نحو فهم أعمق لمعرفة كيفية تشكل التاريخ ودور التراث الديني المكتوب، والمرئي، والمسموع الذي يُلقي بظلالهِ على صورة الحاضر من أجل مستقبل الإنسان سواء كان عربيًا أو من أي قومية كان.
التاريخ ليس كهفًا نأوي له للبقاء فيه، ولا هو حالة استمرارية من أجل نقل الأزمات لحاضرنا، وحتمًا لن يكون المستقبل، وإلا أصبح هذا الوجد الإنساني حالة جامدة لا تخرج من عنق الصراعات والاستقطابات الثنائية القديمة المُتجددة في كل رحيل.
*صحفي سعودي
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.