صنعت الأحداث والمواقف والمستجدات والأخبار المنهمرة كسيل جارف في هذا البلد، صنعت من نفسها مادة دسمة للقنوات الاعلامية اللبنانية، وفي أحيانٍ أخرى لغير اللبنانية؛ فهذا البلد الصغير في رقعته الجفرافية، المحدود بتعداده السكاني، يكاد يشغل الكوكب بما لديه من أحداث ومستجدات وكوارث، قد تظن للوهلة الأولى أنها قادرة على تغيير وجه الكوكب، وربما قد حدث ذلك فعلًا.
ولأن بعض القنوات اللبنانية لها صفة “القنوات المأجورة” لما تتلقاه من أموال ودعم مادي غير محدود، فقد كان عليها أن تؤدي واجبها اللامهني على أكمل وجه، والمقصود هنا هو وجه العمالة والخيانة والفتنة.
الإعلام المأجور وجه من وجوه الفتنة
عبّر المنظّر الإستراتيجي الأميركي جوزيف ناي يومًا قائلًا: “ان أفضل الناطقين باسم الأفكار والأهداف الأميركية هم غير الأميركيين، أي الوكلاء المحليون”.
ولأن أميركا هي دولة فارضة نفسها على السيادة اللبنانية، فإنه لا بد لها من وكلاء محليين قادرين على العبث بالسيادة الداخلية اللبنانية وتحقيق أهدافها الشيطانية، وهذا الأمر ليس بجديد على الشعب اللبناني، اذ لطالما تعددت الوسائل والوكلاء، وانتقلوا من جيل الى جيل، إلا أن الإعلام اللبناني المتمثل بشكل خاص بالقنوات التلفزيونية شكل ولا زال احدى أهم الوسائل التي تعول عليها الادارة الأميركية لتحقيق أهدافها.
وإن راودك أيها القارئ سؤال عن نماذج أو أشكال لهذه الأدوات، فلك أن تراقب يومًا عينات من أخبارها اليومية، ليتضح لك بعد ذلك كيف تروج هذه القنوات علنًا لمادة الفتنة بين الرأي العام، وكيف تفبرك الأخبار وتصنع من أي حادث عابر سببًا للاستفزاز والتحريض الطائفي، و”ربطة الخبز” التي اقتحمت مناطقهم في الأيام الأخيرة هي خير دليل على موجة السخافة والحقد والتفاهة التي يخوضها هؤلاء ومن ورائهم من يمثلون من أسيادهم.
هذه الحملة على بيئة المقاومة تتم بطريقة مدروسة وممنهجة ومنظمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي دراسة أجراها الباحث السياسي الدكتور حسام مطر ونشرها في 16 آذار 2021، تم التوصل الى نتيجة مفادها أنه بعد رصد 23 موقعًا إلكترونيًا لبنانيًا لمدة أسبوعين فقط، تم رصد ما يقارب الـ 480 مستندًا معظمها تشن هجومًا على بيئة المقاومة مع تنوع الخطابات والمواضيع والاتهامات.
يا أبواق الفتنة: لا تراهنوا على بصيرتنا
لطالما سعت أميركا إلى توطيد سياسات الحرب الناعمة في كل أرض تسعى للسيطرة عليها ونهب ثرواتها، ان كان عبر تدخلها المباشر أو عبر وكلائها.
إحدى هذه السياسات تمارس وبشدة في بلدنا، بأدوات واضحة الهوية والمعالم، تتمثل بوسائل إعلامية تعمل دون توقف على توجيه الاتهامات والتحريض وإجراء التحقيقات الخزعبلية والنقاشات العقيمة إقناعًا منها للرأي العام بأن كل ما هو خارج عن نطاقها الجغرافي هو خطر عليها، لا بد من مواجهته والحذر منه، ومن ناحية أخرى فإن الكم الهائل من الدعم الأميركي بأشكاله المختلفة يجعلها خاضعة وبقوة لسلطة أسيادهم الأميركيين وعملائهم في لبنان والمنطقة.
وأمام هذا الواقع، فإن الفئة المستهدفة المقاوِمة لها الحق كل الحق في الرد والمواجهة الإعلامية والدفاع، بل وجب على كل من هو أهل لذلك، أن يكون صوت الحق ومنبر الحقيقة وأن يوضح لشركائه من الرأي العام حقيقة الأمور في محاولة لرؤية الواقع من منظار آخر وزاوية أخرى.
عواقب هذه الحملات الممنهجة خطيرة ووخيمة على الرأي العام، إذ انها تسعى بكل الوسائل المتاحة إلى شد انتباه الناس وتضليل رؤيتهم وتحريف الحقائق في محاولة لإحداث التفرقة والشروخ الطائفية وإيقاد شرارة الفتنة التي يسعون دائمًا لإشعالها.
والمطلوب منا كما في كل مرة، المزيد من الوعي والدقة والتحلي بالصبر عند كل حادث وموقف وتصريح لأن الأمر اليوم أكثر دقة وحساسية من أي وقت مضى.
راهن الأميركيون يومًا وعملاؤهم على الحرب العسكرية على شعبنا ففشلوا، ثم لجؤوا من بعدها للحصار الاقتصادي وسياسة الفقر والتجويع، ففشلوا مجددًا، وها هم اليوم يسعون كما سعوا مسبقًا لطرح آخر أوراق فتنتهم لعلهم يخرجون من خرابهم ومستنقعهم هذا بحفنة من الإنجازات والانتصارات، ولكن هؤلاء الحمقى نسوا أو تناسوا أننا أمة لا يقتلها فقر ولا جوع، أمة راهنت وستبقى، على رجل ما تركها يومًا أو تخلى عنها، بل أمسك بزمام أمرها ومضى وسيمضي بها دائمًا نحو طريق العز والنصر.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.