اقتحمت النائبة سينتيا زرازير يوميات اللبنانيين من باب لم يمرّ ببال أحد، أن يمكن لعامل في الشأن العام، أيًّا كانت خلفياته وتوجهاته، أن يعبره بكامل وعيه. بغضّ النظر عن كيفية حصولها على المقعد النيابي والتي شكّلت مشهدًا ساخرًا يعرّي القانون الانتخابي ويفضح لا عدالته في فرص المرشحين إلى النيابة، وبغضّ النظر عن شخصيتها البعيدة نسبيًا عن الرّصانة والأقرب إلى الاستعراضية التي بدأت في شارع الشعارات المتمحورة حول السبّ والشتم والألفاظ غير اللائقة، يبقى مطلوبًا أن يمتلك من يحمل صفة نائب الحدّ الأدنى من أدبيات التصريح.
وعلى ذكر التصريح، النقاش ليس حول صحة ادعاءاتها بخصوص المعاملة التي تلقاها في المجلس النيابي، فما تدعيه مدان إذا صحّ، ويدينها إن لم يكن كذلك. المسألة تكمن في كيفية تفاعلها العام مع تصريحها. وجدت السيدة زرازير أن ما قالته لاقى تفاعلًا بين الجمهور فتحمّست وألحقت تصريحها المنفعل بآخر أثار ضحك الناس وسخريتهم على مدى يوم كامل: سمعت أحدهم يقول لي “حقك رصاصة” فاستشرت قائد الجيش وسأذهب إلى المجلس بمسدّس!
الأمر بظاهره مضحك، يُنسي القارئ برهة كومة الأزمات التي تثقل كتفه. لكن بقليل من التدقيق، نكتشف أننا أمام “ولدنة” غير مقبولة من كلّ فرد تخطى الخامسة عشرة من عمره ودخل في طور التجهّز للشباب وبعض النضج، أو أمام رسالة ما، تحاول أن تقول فيها نائبة إنّ المجلس النيابي مكان غير آمن وإنّها ستكون مضطرة هناك للدفاع عن نفسها بمسدّس! حتى الآن، لا شيء يؤكد ما تقوله عن تواصلها مع قيادة الجيش كما لا شيء يؤكد ما ادعته عن نصيحة تلقتها من قائد الجيش حول حمل المسدس داخل المجلس. لكن إن صحّ هذا الادعاء فخطورته تكمن في الرسائل السياسية التي يحملها كما في احتمال أن يحمل شخص كسينتيا زرازير السلاح في أي مكان عام، بالأحرى في أي مكان خارج حلبات اللعب بمسدسات إطلاق فقاعات الألوان وما شابه.
على صعيد آخر، كان لافتًا بالأمس تغريد ايدي كوهين على موقع تويتر عبر نشر صورة لاقتحام مجلس النواب في العراق مرفقة بعبارة تدعو اللبنانيين إلى التعلّم! المسألة ليست في شدة وضوح الدور الصهيوني المباشر في إدارة وتوجيه “الثوار” على مسرحَي العراق ولبنان، فالأمر لم يعد خفيًّا على أحد، بل لم يعد أحد من مرتكبيه مهتمًا بإخفائه أو بتمويهه، على قاعدة “العمالة مش عيب” المحمية من بكركي وغيرها، لكن الشيء بالشيء يُذكر.
المجلس النيابي، بكل عديده، من كلّ الأطياف، في خطر حقيقي إذا حملت زرازير مسدسًا ودخلت. المشهد مفجع إذا ما تخيّله المرء! يبدو أنّ سينتيا الشهيرة على منصات التواصل لا تتابع جماعة التنمية البشرية الرائجة في لبنان، فلم تتعلّم كيفية التصرّف في حال التعرّض إلى التنمر الذي تدّعي حدوثه فقررت استخدام سلاحها، أو التلويح باستخدامه، وبموافقة قائد الجيش على حدّ قولها. يبقى أن ندعو الله أن “يجيب العواقب سليمة” وأن يلهم المشرّعين قانونًا انتخابيًا فيه من المعايير ما يكفل الحد الأدنى من النضج كشرط للترشح، وما يكفي لتحقيق فرص فوز متعادلة بين المرشحين. للتذكير زرازير عبرت إلى المجلس النيابي بعدد أصوات قليل إلى حدّ شكرهم اسمًا اسمًا في فيديو قصير!
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.