عماد خشمان* – خاص الناشر |
“إبراهيم حطَّاب” مواطنٌ جنوبي من بلدة “حبّوش”، صمدَ وعائلته 33 يومًا من عمر الحرب والعدوان على لبنان في تمّوز وآب من العام 2006، وكان يتنقل بأطفاله من زاوية إلى أخرى أكثر أمنًا في الدار والحي المجاور، يحنو عليهم ويحتضنهم محاولًا توفير إحساس آمن لهم مما يسمعونه من أصوات قصفٍ عنيف وانفجاراتٍ مدويَّة يهتز معها البيت والحارة بأجمعها، وغارات طيرانٍ مرعبة لم تترك شيئًا من بشرٍ وحجرٍ لم تستهدفه في البلدة والقرى المجاورة.
ينهزم العدوان وينكفئ خاسئًا ويجبرُ على وقف إطلاق النار في صبيحة الرابع عشر من آب 2006، ويستعيد إبراهيم أنفاسه واطمئنانه لانتهاء الحرب بسلام وقد آن أوان الخروج نحو ضوء الشمس بعد انحباس طويل في الأقبية والغرف المظلمة اتقاء للقصف، ولم يكن يعلم ما تركه العدو من مفاجآت مؤلمة للصامدين بوجه طغيانه وحقده.
كان محيط المنزل في حبّوش قد استُهدف وعلى مدار الأيام الأخيرة من الحرب بالقصف والتدمير ونثرٍ القنابل العنقودية بكل أنواعها واشكالها والتي كان المواطنون الجنوبيون حديثي المعرفة بها، ولم يكونوا قد اعتادوا رؤيتها عن قرب بالشكل الذي كان صبيحة وقف العدوان الغاشم.
وفي حادثٍ مأساوي تنفجر عدة قنابل منها في باحة المنزل، فيستشهدُ أحد إخوة إبراهيم، شابٌّ في العشرينات من عمره، ويستشهدُ ايضًا أحد أبناء الأخوة ” هادي –11 عامًا ” ويجرحُ إبراهيم وطفلٌ وأخٌ آخر وإحدى الزوجات بجروح بليغة وخطيرة ألزمتهم بالعديد من العمليات الجراحية وأقعدتهم لشهورٍ طويلة. وما زالت آثار الجراح بادية عليهم جسديًّا ونفسيًّا.
يطالعك إبراهيم بوجهه البشوش المبتسم دائمًا والمحتسب لله أمره، يستقبلك بودٍّ ظاهر وبقلبٍ نقي تعبِّرُ عنه كلماته القرويّةُ اللطيفة المحببة، وهو منذ نعومة أظفاره كان وما زال راعيًا للماشية يجوب بها التلال والوديان والحقول المحيطة بالبلدة، يعرفُ تفاصيلها بدقَّة، ولطالما عمل على إبلاغ المعنيين عن وجود قنابل عنقودية غير منفجرة بعد تحديد أماكنها بأسلوبه البسيط (مجموعة حجارة متكومة فوق بعضها بعضًا للدلالة على المكان وللفت الانتباه)، ولتعمل لاحقًا الفرق الخاصة على إزالتها وتعطيلها.
يتحدّثُ إبراهيم عن معاناته مع الإصابة وعن جرحه العميق والأليم بفقده ابن أخيه “هادي” واستشهاد أخيه الأصغر “موسى”، ويؤكّد على أنَّ العدو الإسرائيلي هو عدوٌّ حاقد ومجرم يتحمّل المسؤولية الكاملة عن العدوان وتدمير القرى والبلدات وقتل المدنيين الآمنين العزّل وتعطيل حياة الناس برميه هذه القنابل القاتلة في جنوبنا الحبيب، ويشدّد على ضرورة تدفيعه الثمن عبر المحافل والمحاكم الدولية وإلزامه بالتعويض على الضحايا والمتضررين، مناشدًا الجهات الدولية والرسمية لمزيد من الجهد لإنهاء هذه المعاناة وللالتفات إلى حاجات المصابين والمعوقين.
ستة عشر عامًا مرَّت على انتهاء العُدوان وما زال إبراهيم يخرجُ كلّ صباحٍ باكرٍ نحو الحقول والأودية يسيرُ أمامه قطيع الماعز بهدوءٍ واطمئنان. وإبراهيمُ خيرُ راعٍ ودليل وهو ابن هذه الأرض وحبيبها ولن يسير بقطيعه إلّا نحو الأمان، يلوِّحُ لك مودِّعًا بنظرةٍ من عينيه الزرقاوين اللتين ملؤهما المحبة والمودة راجيًا لك السلامة.
تغادر ذاك الحي الهادئ في “حبّوش” الذي يعيشُ فيه إبراهيم حطَّاب وأخوته وعائلاتهم وفي قلبك غصّةٌ لما رأيته من معاناة وآلام ما زالت قائمة وبعد تلك السنوات الطويلة لم تشفَ أبدًا بل هي غائرةٌ في القلب والوجدان، على أحبة رحلوا وآخرين ما زالوا طي المعاناة والأوجاع.
*كاتب لبناني
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.