بعد مرور ٤٠ عامًا على معركة خلدة النوعية أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان في العام ١٩٨٢ لا يزال لها حضورها في اللاوعي الصهيوني، ما يدل على مدى أهميتها والأثر الذي تركته في العقيدة العسكرية للعدو.
وبهذه المناسبة اجتمع عدد من المحاربين الصهاينة القدامى الذين شاركوا في تلك المعركة ليستعيدوا ذكرياتهم ويكشفوا بعض التفاصيل الجديدة. وبالاستناد الى هذا اللقاء والى بعض المقالات المنشورة في إعلام العدو ولا سيما على موقع جيش العدو وموقع لواء غولاني المعادي يمكن تكوين صورة لمعركة خلدة كما ترويها مصادر العدو.
سير المعركة
تكاد تجمع مصادر العدو على إيراد مقولة أن معركة خلدة هي “المعركة الأصعب في حرب لبنان الاولى ١٩٨٢”، كما وصفها رافائيل ايتان رئيس أركان جيش العدو اثناء الاجتياح الصهيوني للبنان في العام ١٩٨٢. وقد شاركت فيها قوات العدو بقطاعاتها كافة: مشاة، غولاني، مظليين، مدرعات، طيران، بحرية، استخبارات…الخ.
وتتابع مصادر العدو أن أهمية تلك المعركة تكمن في أنها جرت عند تلك القرية الاستراتيجية التي تشكل معبرًا ساحليًّا إلزاميًّا نحو بيروت ومطار بيروت الدولي وفيها تمركزت قوات اللواء ٨٥ السوري مع قوات من جيش التحرير الفلسطيني وقوى لبنانية أخرى، ما حال دون استمرار تقدم جيش الاحتلال على الخط الساحلي شمالًا، فكان لا بد من المواجهة.
قسمت مصادر العدو معركة خلدة إلى ثلاث مراحل أو ثلاث موجات من الهجمات الصهيونية التي تكسرت اثنتان منها وانهزمت أمام الدفاعات المقاوِمة لتعود وتتمكن الهجمة الثالثة من اختراق الخطوط الدفاعية وتتقدم نحو بيروت.
- الهجمة الأولى: جرت بتاريخ ٩-٦-١٩٨٢ ونفذها اللواء ٢١١ الصهيوني وانتهت بالفشل وسقوط خسائر بشرية كبيرة للعدو من بينها ٤ في عداد المفقودين وخسائر مادية وفقدان دبابة استولى عليها المقاومون واستعرضوها في شوارع بيروت كعلامة للنصر.
- الهجمة الثانية: تم تنفيذها في ١٠-٦ بعد السيطرة على بعض التلال المطلة وفهم أهميتها العملانية، ولكن كانت نتيجتها كسابقتها.
- الهجمة الثالثة: تنقل مصادر العدو أنه في يوم ١٠ حزيران تم تكليف كتائب عدة من لواء غولاني والمظليين بالمهمة بقيادة مائير داغان (رئيس الموساد لاحقًا)، وبخطة وضعها وأقنعه فيها عميرام ليفين (لاحقًا: قائد المنطقة الشمالية ونائب رئيس الموساد) عبر السيطرة على كل التلال المشرفة والتقدم من الدوحة نحو عرمون للالتفاف على الدفاعات الساحلية بمساندة قوات الانزال البحري مع تغطية جوية. ورغم شدة المقاومة وسقوط خسائر للعدو في اشتباكات عنيفة ومعقدة جدًّا إلا أنه تمكن من كسر خطوط الدفاع، وأصبح طريق بيروت ومطارها سالكًا امام قوات الاحتلال.
خريطة معركة خلدة كما نشرها موقع لواء غولاني الصهيوني
اسماء صهيونية من المعركة:
حفلت معركة خلدة بوجود اسماء شخصيات كبيرة من جيش العدو نظرًا لسعتها ومشاركة تشكيلات عدة من جيش الاحتلال فيها ما رفع احتمالية بروز نجم المشاركين فيها وظهور رموز صهيونية من بين القتلى والاحياء.
ومن هؤلاء نذكر، على سبيل المثال لا الحصر:
- الجنرال الصهيوني الكبير “يوكتوئيل آدم” الذي قتل في لبنان خلال اجتياح ١٩٨٢ وكان يومها يشغل منصب نائب رئيس الأركان الصهيوني، ليكون بذلك القتيل الصهيوني صاحب الرتبة الأعلى الذي يسقط في معركة ميدانية للكيان. وتذكر مصادر العدو أيضًا أنه كان يتم إعداده لتولى رئاسة الموساد.
آدم من أصول قوقازية وعائلته الأصلية (آداموف)، يحمل اسم جده الذي سقط في معركة مع العرب في مغتصبة بيتاح تكفا عام ١٩١٦.
ابنه أودي آدم شغل منصب قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو خلال حرب تموز وكان اول ضحايا صراع جنرالات العدو حول من سيدفع ثمن فشل تموز فكان أن قدم استقالته بعد الحرب بفترة وجيزة.
الصورة الاخيرة له (مرفقة بالمقال) التقطت في فيلا قرب الدامور، وقد استولى عليها العدو وحولها إلى غرفة عمليات ميدانية لقيادة معركة خلدة. وبعد لحظات من التقاطها انهمرت قذائف الهاون لتصيب تلك الفيلا فانتقل المحتلون إلى الطوابق السفلية للاحتماء لكن الموت كان أسرع. وتتحدث بعض مصادر العدو عن حصول اختراق كبير مع وجود مجموعة مقاومة تكمن في الملجأ فاستقبلتهم بنيرانها ليسقط آدم ومن معه.
- العقيد حاييم سيلع: الذي سقط برفقة يكتوئيل آدم.
- مائير داغان: الذي تنقل من قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال منذ العام ١٩٨٠ ليشارك في اجتياح لبنان وفي معركة خلدة بالتحديد، ليصبح لاحقًا الرئيس العاشر لجهاز الموساد الصهيوني ويخطط لاغتيال الشهيد عماد مغنية ويستقيل بعد تداعيات اغتيال الشهيد المبحوح في العام ٢٠١٠.
- اميرام ليفين: الذي شارك في معركة خلدة قائدًا لكتيبة مدرعات حيث أصيب بجروح. لاحقًا تم تعيينه قائدًا للمنطقة الشمالية في جيش العدو وقاد حرب نيسان ١٩٩٦. وصل إلى مركز نائب رئيس الموساد قبل تقاعده.
- جيوري عنبار: شارك في معركة خلدة ليقود وحدة من قوة شلداغ الخاصة. وتزعم مصادر العدو أن قوة كانت تحت إمرته قضت على الخلية التي قتلت آدم وسيلع. شغل لاحقًا منصب قائد وحدة الارتباط الصهيونية في لبنان في تسعينيات القرن الماضي، ونجا من محاولات اغتيال عدة.
- دانيال عطار: شارك في معركة خلدة، وكان قائد سرية في الكتيبة ١٣ من لواء جولاني. وشغل لاحقًا منصب رئاسة الصندوق القومي اليهودي وعضوية كنيست العدو.
صدمة ذاكرة العدو
يأتي لقاء قدامى جنود العدو بعد مرور ٤٠ عامًا على المعركة ليبين مدى البصمة والصدمة التي تركتها تلك اللحظات فوق ذاكرتهم؛ فتحدثوا لمدة ثلاث ساعات عن قتال لا زال ماثلًا امام عيونهم: من شارع إلى شارع ومن مبنى إلى مبنى، عن قتال دار وجهًا لوجه من مسافة تقلصت إلى حد ما بين خمسة وعشرة أمتار. ولا يزال يتملكهم “شعور غير عادي بعد ساعات رهيبة من القشعريرة”.
هي واحدة من الصدمات التي كوت لا وعي العدو فتجلت ذكرى معركة خلدة بمجموعة من النصب التذكارية وإطلاق اسماء قتلى العدو فيها على معالم داخل الكيان لتخليد ذكراهم، إضافة الى عشرات أو مئات الأبحاث والمقالات المنشورة وحلقات توثيقية وتحليلية على اليوتيوب، حتى أننا رصدنا فيلم “انيميشن” ينقل تفاصيل المعركة بعنفها وشراستها.
تأتي ذكرى معركة خلدة باجتماع مقاتلين صهاينة قدامى، ولا شك انهم قارنوا حال كيانهم خلال الأربعين عامًا هذه وكيف انتقل من الاحتلال والتوسع بسهولة إلى التراجع والتقوقع داخل أرض فلسطين التاريخية وانقلبت عقيدته من نشوات الانتصار وهزيمة النظام العربي الرسمي إلى قلق وجودي حاضر بكثافة في حياة الصهاينة بتوقيع حركات المقاومة الشعبية التي قلبت الموازين وبدلت صورة الصراع مع هذا العدو الزائل حتمًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.