في وطنٍ أصبحت مقومات الحياة فيه شبه معدومة، وتأمين لقمة العيش مهمّة تعجيزية للكثير من أبنائه، وحصولهم على أبسط حقوق الإنسان حلم صعب المنال، في ظل هذه الأوضاع المريرة جدًا ينظر المواطن بنظرة رجاء وأمل إلى دولة منهوبة عاجزة، لعلها تخطو خطوةً نحو الأمام أقلّها على طريق رفع الحد الأدنى للأجور على نحو يجعله قادرًا على تأمين ما تيسر من قوته اليومي .
الحد الأدنى للأجور: الأدنى عالميًّا
في ظل الانهيار الاقتصادي الكبير الذي شهده لبنان منذ ثلاث سنوات تقريبًا، يقدر الحد الأدنى للأجور حاليًا بـ 25$ (657 ألف ليرة لبنانية) بعد أن كان يساوي الـ 450$ قبل الأزمة، إذ ومع تراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار فقدت رواتب اللبنانيين نحو 90% من قيمتها، الأمر الذي زاد نسبة الفقر حتى تجاوزت الـ 55% . وبذلك وبناءً على هذه المعطيات فإن الحد الأدنى للأجور في لبنان هو الأقل عالميًا وفقًا للبيانات الرسمية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعاناة تنطبق على موظفي القطاع الخاص والعام على حد سواء، لا سيما ممن يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية فقط.
وبالعودة الى الإحصاءات والدراسات الرسمية، فإن المعطيات تشير إلى أن آخر عملية تصحيح للحد الأدنى للأجور تمت في شباط 2012 وكان من المفترض أن يحصل إقرار للسلم المتحرك للأجور لكنه لم يتم. وعلى مقلب آخر وفي دراسة أجراها الاتحاد العمالي العام سنة 2021، تبين أنه لا بد من أن يصبح الحد الأدنى للأجور نحو 12 مليون ليرة للأسرة المكونة من 4 الى 5 أفراد على سعر 17 أو 18 ألف ليرة للدولار الواحد، وهذا ما أكدته بدورها “الدولية للمعلومات” منذ أسابيع بأن الحد الأدنى للأجور لأسرة من 4 الى 5 أِشخاص يجب ألا يقل عن 15 مليون ليرة (على سعر صرف 20 ألف ليرة للدولار الواحد) .
طريق الألف ميل يبدأ بـ “زودة”
في اطار المساعي والجهود المبذولة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وافقت لجنة المؤشر مؤخرًا على إعطاء مبلغ مقطوع للعاملين في القطاع الخاص في لبنان وقدره مليون و325 ألف ليرة يضاف إلى الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة). وقال وزير العمل الأستاذ مصطفى بيرم بعد ترؤسه لاجتماع اللجنة “مهما وصلنا الى اتفاقيات وزيادات يبقى الأمر قاصرًا لكن لا نستطيع الوقوف عند ذلك، ولا بد أن نخطو خطوة الى الأمام والمسار لم يقفل بعد بل هو مستمر”. وبذلك فإنه من المفترض ألا يقل الحد الأدنى لأجر أي عامل في القطاع الخاص عن مليوني ليرة لبنانية.
ومن ناحية أخرى، يطالب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر برفع الحد الأدنى للأجور الى 7 ملايين ليرة لبنانية، حيث يعتبر أن “المليوني ليرة التي تم الاتفاق عليها تعد جزءًا من الحد الأدنى للأجور، بانتظار استكمال المفاوضات إذ من المفترض أن يتم رفع رواتب القطاعين الخاص والعام تدريجيًا”.
من جهته يؤكد عضو مجلس إدارة “رجال الأعمال اللبنانيين” جان طويلة، أن “زيادة الرواتب تأتي في أوضاع صعبة جدًا رغم أن الزيادة ملحّة، إلا أنها تأتي في وقت يلفظ فيه القطاع الخاص أنفاسه في حين أن السلطة السياسية غائبة…”. وأضاف “إن زيادة الرواتب لا تصلح من دون تحريك العجلة الاقتصادية ومساعدة الاقتصاد اللبناني على النمو ..”
بين هذا وذاك، تقع مسؤولية التحكيم العادل على عاتق وزارة العمل ومن ثم الحكومة، والتي من شأنها تحقيق العدالة بين أصحاب العمل من جهة والعمال من جهة أخرى. وتجدر الإشارة الى أن العامل اليوم هو الحلقة الأضعف والأكثر تضررًا من أي طرف آخر في هذا البلد.
يتأرجح مصير العمال اليوم بين اعتراض وتذمر أصحاب العمل من جهة، وإرادة وحكمة وزير العمل من جهة أخرى، وكلنا أمل أن تسفر المرحلة القادمة عن نتائج إيجابية من شانها إنعاش واقع العامل اللبناني مجددًا وإعطاؤه دافعًا جديدًا للسعي والاستمرار في بلدٍ انعدمت فيه فرص النجاة وعاثت فيه مظاهر الفساد.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.