بالأمس، كانت تشغل العالم نبوءة “الشعب المختار”، وتعزِف لها أبواقٌ مهترئةٌ بملح الظّلم والاستكبار، هي الأبواق العظمى وكلّنا يعرف من هؤلاء.
هذا “الشعب المختار” حقًّا تمّ اختياره من شتّى دول العالم، ليكون من كلّ وادٍ عصا، وما وُعِدوا به، أنّهم من أصدق الخلق وأنبلهم ولا يستحقّون التّشرّد في أصقاع الأرض، لأنّ أرضهم المزعومة لن ترضى أن يعمرها غيرهم، فجاؤوا ليستعيدوها، ومَن منّا ينسى الاجتياح؟
منذ أن داست أقدامهم هذا التراب الأبيّ، صرخ الترابُ بوجههم: إنّ هذه الأرض مقدّسة لن تمسّها نار الذّل والخضوع. وكانت المقاومة ترجمان هذا الشّعار والرّوح الّتي بعثت الحياة في جسد الأمم الغافلة. يومها ومنذ الطّلقة الأولى سقطت إسرائيل.
صحيحٌ أنّ أجيال ما بعد “الثمانينيات” لم تشهد هذا الغزو المخزي، لكنّها عايشت طلقات المقاومة بكلّ أشكالها منذ الفجر الأوّل، فمن لم يشهد “وادي الليمون وصافي وما قبل صافي” أضحى اليوم بإمكانه أن يقرأ بعمق الأحداث الّتي مهّدت لتاريخ العزّة والنّصر بكامل تفاصيلها، إن على شاشات الإعلام المقاوم أو المساحات المتاحة على شتّى المواقع، أو يمكنه الاطلاع على الكتب والموسوعات الّتي تُؤرّخ العمل المقاوم منذ البدايات.
هذا النّفس الّذي يتنفّسه الأحرار لم يُسمَح بتلويثه، ومهما كان شكل الحرب ما خرج منها المقاومون إلّا بوصمة عارٍ إضافيّة على جبين كلّ الغاصبين والمتآمرين، من عمليّات التحدّي البطوليّ على تلال الجنوب، إلى التّحرير، ثمّ الدّفاع، بعدها معدلات الرّدع وحرب التكفيريّين، وحرب الجبال العالية والبيوتات المتقاربة، إلى ساحات الحرب الاقتصادية والأمنيّة والحرب الثّقافيّة المركّزة، والحرب الإعلاميّة والنّفسيّة، لم يترك الأعداء خيارًا إلّا وهم يتوغّلون فيه بقدراتهم المدعومة بالمال العالميّ، كلّ هذا ليحقّقوا بصيص أملٍ ضئيلٍ لبقاء هذا الكيان حيًّا ولو لأيّامٍ إضافيّة، فلا يجدون إلّا دروعًا مستعصية تُذيب حتّى تصفيحهم الفولاذيّ الّذي بات يرعبهم بعدما كان سرّ قوّتهم.
في كلّ الحروب قد يسقط شهداء وقد يسقط ضحايا وقد يستسلم آخرون. هذا الحدّ الأدنى من تداعيات المعارك الحقّة، لكن أن تصل إلى الحدّ الذّي يكسرك عنده العدوّ ويجعلك تتراجع لا من باب التّكتيك والتّخطيط فإنّ ذلك حتمًا يعني الهزيمة وهذا ما يعيشه ومنذ ولادته هذا الكيان المؤقّت.
إسرائيل حقًّا سقطت، والوهم هو أن تبني مستقبلًا لم يُرفع فيه بعد علم فلسطين فوق مآذن القدس، فإنّ لنا كلّ الحقّ بأن نبني مستقبلنا بعرق جهادنا ومقاومتنا، لا بما يخطّطه فلانٌ وفلان، فإنّ زمنًا يرسم فيه رجلٌ مستعمرٌ واحدٌ مصير شعوب العالم بأسره قد ولّى منذ الطّلقة الأولى، واليوم بات لكلّ مستضعفٍ الحقّ بأن يُشارك في إعمار العالم وأن يُساهم في إحقاق العدالة المشروطة بعزّته وعزّة كلّ حيّ حتّى خارج حدود البشر.
“إسرائيل سقطت”. قد قالها يومًا سيد شهداء المقاومة السّيد عبّاس الموسويّ ، وبذل دمه في سبيل عزّة الحقّ والعدل، ومن حينها تُرجمت حروف “مقاومة إسلاميّة”، ومُدّ لكلّ العالم جسر العبور إلى عالم التّحرّر من الاستكبار الشّيطانيّ، إلى العالم الّذي سيبني حضارة الإنسانيّة العظمى بقيادة العدل والحقّ، ونراه قريبًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.