منذ ثلاثين عامًا، بالتحديد، شهد شهر شباط حدثين لا يزالان يتركان بصماتهما على مسيرة الصراع مع العدو الصهيوني، وكانا بمثابة منعطف في تاريخ هذا الصراع، وهما حدثان مترابطان تمثلا في اغتيال السيد الشهيد عباس الموسوي، أمين عام حزب الله، وفي مواجهات محور كفرا – ياطر التي تلت الاغتيال ببضعة أيام.
تزعم مصادر العدو أنه في سياق البحث عن الطيار الصهيوني المفقود في لبنان، رون آراد، تم وضع خطة لاختطاف قيادات في حزب الله بهدف مزدوج: الاستفادة مما بحوزتها من معلومات، واتخاذها كرهينة وورقة ضغط للمبادلة بها مقابل إطلاق سراح آراد أو كشف مصيره.
وكان الأمين العام للحزب السيد عباس الموسوي واحدًا من الخيارات التي بحث الصهاينة في اختطافها، فتم وضع خطة لهذه الغاية أطلق عليها العدو اسمًا رمزيًّا وهو “ساعة الليل”، وكما يدل اسمها فهي خطة تهدف إلى محاولة لاختطافه تحت جنح الظلام. ولكن لمّا كانت إجراءات الحماية مشددة حول سماحته، ولما كانت زيارته إلى جبشيت حصلت في ذكرى شهادة الشيخ راغب حرب، والتي تم إحياؤها بحضور حشد جماهيري كبير، ما وضع العوائق في طريق مخطط العدو، تحولت محاولة الاختطاف إلى عملية اغتيال عبر إطلاق صواريخ على موكبه من سرب طائرات الأباتشي الذي كان دخل الخدمة الفعلية في جيش العدو منذ مدة وجيزة بعد تسلمه من الأميركيين. وطبعًا كل ذلك بحسب مزاعم الوثائق الصهيونية التي تتابع أنه حصل سجال بين قيادات العدو حول من حوّل العملية من اختطاف إلى اغتيال لتكون أول عملية اغتيال مباشرة ينفذها الكيان ضد قيادي رفيع في حزب الله.
وقال منظرو فكرة الاختطاف إن “خطر الاغتيال يفوق الفوائد، وقد تم تمريره عبر عملية دجل مخادعة أدخلت الكيان في نفق من ردود الفعل والعمليات الثأرية، واستبدل بالموسوي “المعتدل نسبيًّا” خلفه “حسن نصر الله الأكثر تشددًا وحنكة”.
وقد فتحت شعبة الاستخبارات العسكرية تحقيقًا في الأمر. لكنه تاه في زوايب اللجان والروتين الإداري ولم يصل الى أية نتيجة. حتى أن تسجيلات العملية اختفت “وكأنها دُفنت في مكان بشكل غامض، ولا أثر لها اليوم”، كما أدلى أحد الطيارين المشاركين في الهجوم منذ سنوات في إعلام العدو من دون الكشف عن هويته، واكتفى بالاشارة إلى نفسه باسم (أ)، وهو لفتنانت كولونيل متقاعد.
لم يطل رد الفعل من المقاومة التي أمطرت مغتصبات العدو الشمالية الحدودية بعشرات الصواريخ، واستهدفت بخاصة كريات شمونة والجليل الغربي المحتل. واستمرت عمليات الإطلاق لأيام عدة ما اضطر المغتصبين الصهاينة للهروب إلى الملاجئ والأماكن المحصنة، وبالتحديد في كريات شمونة، حيث أصيبت محطة الحافلات المركزية، وسقط صاروخ فيها بعد لحظات من إقلاع حافلة مكتظة.
طبعًا رد الفعل الأولي هذا لم يرق للعدو الذي اعتقد أن ضربة بحجم اغتيال (أمين عام) ستكبح المقاومين وخاصة أمام الرأي العام الصهيوني، فكان لا بد له من تحرك يعيد الأمور الى روتينها أو على الاقل يطمئن الصهاينة.
تقول مصادر العدو إنه حدد قواعد إطلاق صواريخ استهدفت مغتصباته قرب بلدتي كفرا وياطر اللبنانيتين المحررتين والمحاذيتين للشريط المحتل، فأصدر الأمر لقواته من المظليين وفي سلاح المدرعات بالتحرك ضد منصات الصواريخ المزعومة استنادًا الى معلومات شعبة الاستخبارات العسكرية. وكانت (كتيبة الأفعى) من وحدات العدو الخاصة رأس الحربة في هذا الهجوم.
ولكن ما جرى على الأرض لم يكن في حسبان الصهاينة.
يكشف أحد قادة المواجهة وهو المقاوم (أبو صالح) أن غرفة عمليات المقاومة أبلغت المقاومين في المنطقة المذكورة عن ضرورة الاستعداد بعد رصد حشود العدو الآلية في المواقع المحتلة المقابلة، فتم نشر مجموعات المقاومين وتوزيعها على كمائن عند النقاط الحساسة. ولدى محاولة قوات العدو التقدم أمطرها المقاومون بنيرانهم من حيث لم تحتسب لتنقلب حسابات المحتل رأسًا على عقب.
تقول دراسة صهيونية* : “كان الهدف من عملية كتيبة الأفعى بمساعدة سلاح الهندسة والقوات المدرعة هو مداهمة تلك القرى عن طريق البر لضرب الارهابيين وتدمير منصات الكاتيوشا، لكن تم التعرف على القوة أثناء تحركها نحو الهدف فتعرضت لنيران مضادة للدروع وقصف بعيد المدى ما أدى إلى سقوط مقاتلين اثنين وإصابة ثلاثة بجروح”.
تتابع الدراسة مستخلصة النتائج والعبر: “منذ ذلك الحين، وحتى الانسحاب من لبنان، امتنع الجيش (الصهيوني) عن القيام بعمليات برية واسعة”، في المناطق اللبنانية المحررة.
أطلق العدو على عمليته المذكورة في محور كفرا – ياطر اسمًا رمزيًّا وهو “نيف مدوفار” أي “اللهجة المحكية”، وكأنه يريد من خلالها توجيه رسالة إلى المقاومة “بالعربي المشبرح”، لكن رد المقاومة غير المتوقع قلب السحر على الساحر ووجه للعدو رسالة عكسية بترت يده العدوانية وكوت لا وعيه الذي بات مثقلًا بالهزائم والصدمات.
- الدراسة حول مرور ٣٠ عامًا على ملحمة ميدون النوعية وضمن فقرة النتائج واستخلاص العبر يتم الحديث عن مواجهات كفرا وياطر. أعدها الصهيونيان:
غال بيرل فينكل: باحث ومنسق برنامج الجيش والاستراتيجيا في المعهد الصهيوني للإحصاء.
افراييم رينغ: باحث في العلوم السياسية وهو مقدم احتياط كان قائدًا للواء ٢٦١ الصهيوني.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.