واشنطن تسلّح جيشًا تُحلِّق فوقه طائرات العدو دون حسيب
في لحظة يشتدّ فيها الخناق على لبنان من حدوده الجنوبية إلى عمقه المدني، تصادق الولايات المتحدة على صفقة تزويد الجيش بمركبات تكتيكية بقيمة 90.5 مليون دولار. صفقة تُقدَّم على أنها دعم للقدرات العسكرية، لكنها في جوهرها جزء من معادلة تريد واشنطن تثبيتها: جيش مضبوط ضمن السقف السياسي الذي ترسمه هي وحلفاؤها، لا أكثر ولا أقل.
تقول الإدارة الأميركية إن المركبات الجديدة ستُعزّز قدرة الجيش على مواجهة “التهديدات الحالية والمستقبلية”، لكن التهديد الفعلي واضح تمامًا: الطائرات الإسرائيلية التي لا تغادر سماء لبنان، تخترق وتهاجم وتتمادى في الجنوب والضاحية والبقاع، بينما يُطلب من هذا البلد أن يتلقى الاعتداء بصمت. لذلك كان موقف الرئيس اللبناني جوزيف عون أمام وفد مجلس الأمن صريحًا: الدعم الحقيقي يبدأ من الضغط على “إسرائيل” لوقف خروقاتها، لا من شاحنات مدرّعة تُسلّمها واشنطن بجرعات محسوبة.
فالجيش الذي تُزوّده الولايات المتحدة بالمعدات هو ذاته الجيش الذي تُحلّق فوقه المقاتلات الإسرائيلية يوميًا، من دون أن يجرؤ أحد على مساءلة المعتدي. وهذه مفارقة يعرفها اللبنانيون جيدًا: كيف يُطلب من الجيش أن يحمي الحدود فيما القوى الكبرى تغضّ النظر عن خروقات العدو، بل وتبررها أحيانًا تحت عناوين “الاستقرار”.
ولأن اللبنانيين يعرفون تاريخهم، يدركون أن حماية هذا البلد لم تأتِ يومًا من دعم خارجي، بل من الإرادة التي صمدت في وجه كل حصار وتدمير وحرب. الأمن لم يُصنع في مكاتب البنتاغون، بل على تراب الجنوب وفي وجدان الناس ودماء الشهداء الذين صنعوا معادلة الردع حين كان العالم كلّه يدير ظهره للبنان.
اليوم، قد يأتي الدعم الأميركي في شكل معدات، لكن الحقيقة أبسط وأقسى: قوة لبنان ليست في شاحنة مدرّعة، بل في قدرة هذا الشعب على حماية نفسه حين يتخلى عنه الجميع. ومع كل اختراق إسرائيلي جديد، يكبر السؤال في ذهن اللبنانيين: هل يمكن لأي صفقة سلاح أن تعوّض غياب إرادة دولية توقف العدو عند حدّه؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.