أطلق الرئيس الأَمريكي بالأمس مواقف خرجت عن السياق المألوف في الدعم المطلق لــ”إسرائيل” ولحكومة نتنياهو في حربها على غزة منذ انطلاقة الشرارة الأولى لها، عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر
جملةٌ واحدة لم تتغير في تصريح الرئيس بايدن بين زيارته الداعمة لحكومة نتنياهو في الاسبوع الأول للحرب، وبين الأمس وهي “أنه لو لم تكن هناك “إسرائيل”، لأوجدنا واحدة “، وهذه الجملة بالذات هي التي تحدد المنطلق والمرتكز في التصريحات التي لا يمكن أن تكون إلا في سياق حماية “إسرائيل”، وتعكس الحرص الأمريكي عليها، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي بأن “مصير اليهود وسلامة الشعب اليهودي على المحك، وبأن “إسرائيل” بدأت تفقد الدعم في كل أنحاء العالم”.
لذلك عندما يطالب بايدن بتغيير حكومة نتنياهو لإيجاد حل طويل الأمد للصراع الصهيوني – الفلسطيني، وعندما يسمي وزراء في الحكومة الإسرائيلية كبن غافير ورفاقه بأنهم لا يريدون أي شيء له علاقة بحل الدولتين، يريدون الانتقام فقط ومن جميع الفلسطينيين، وعندما يتحدث بايدن عن القصف العشوائي لأول مرة كسبب لخفض الدعم الأمريكي والأوروبي لــ”إسرائيل” وهو موضع سخرية، لأن الأهداف الإسرائيلية في القصف منذ اليوم الأول كانت منازل وأبنية سكنية مدنية وكانت الأطفال والنساء الأعلى نسبة في أعداد الشهداء، وعندما يتحدث الرئيس الأمريكي عن خوفه من أن تخسر أمريكا مكانتها الأخلاقية في العالم بسبب دعمها لـ”إسرائيل”، فهي محض أكاذيب وقحة ومحاولة أمريكية لتجميل وجهها القبيح من جديد، وقد تكون، وهو الأقرب للمنطق، محاولة لإيجاد مخرج لــ”إسرائيل” بعد فشلها في تحقيق أي أهداف عسكرية في حربها على حماس، أو تهجير الشعب الفلسطيني وإفراغ غزة من أهلها من خلال سياسة الأرض المحروقة وأطنان القنابل الأمريكية
لم تستطع حكومة نتنياهو بعد أكثر من شهرين من القصف العشوائي المستمر والقتل للأطفال والنساء واقتحام المستشفيات واقتياد الأطباء واذلالهم القضاء على حماس ولا حتى القبض على يحيى السنوار كما وعد نتنياهو ووزير حربه.
لم تتمكن قوات النخبة الأمريكية من تحرير الرهائن ولا حتى من بلوغ فتحة نفق واحدة في غزة
بل على العكس، أصبحت غزة مقبرة للميركافا، وجهنم للجنود الصهاينة.
من البديهي القول إن الميدان هو الذي فرض على بايدن قواعد الخطاب، وإعادة الصياغة وتوجيه اللوم لنتنياهو وحكومته المتطرفة كما وصفها، وقد طالب بعدم تكرار خطأ الإدارة الأمريكية عقب أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر وأن لا يكون هناك “حماسان”، أو فتحستان.
هذه المراجعة في المواقف الأمريكية والتي سنرى كيف ستترجم في الأيام القادمة مع المبعوث الأمريكي إلى ”إسرائيل” وهو المستشار للأمن القومي جيك سوليفان، لا تنطلق من صحوة ضمير أو رغبة في عدم تحمل الأبرياء معاناة ما اقترفته حماس وفقًا لتعبير الرئيس الأمريكي، بل هي محاولة لحماية “إسرائيل” من طيش حكومة نتنياهو وتهوره والذي قد يقود إلى مصير أسود لليهود مستقبلًا
بايدن الذي كان قد أعطى نتنياهو مهلة زمنية لتحقيق انتصار عسكري على حماس، بات مقتنعًا أنه لن يتحقق أمام الخسائر العسكرية واللوجستية والبشرية في الميدان ول ايمكن أن يغير الوقت من هذه النتيجة، لذلك الحديث الآن عن مرحلة ما بعد الحرب، التي لا يتفق حولها بايدن ونتنياهو، الأمر الذي جعل هذا الخلاف يظهر للعلن بعد يأس الادارة الأمريكية من قدرة نتنياهو وحكومته على احراز أي نصر أو تقدم على الرغم من حجم الدمار الذي خلفه العدوان على غزة.
لذلك قد تكون الأيام القادمة هي أيام حاسمة في عمر هذه الحرب، وفي عمر حكومة نتنياهو أيضًا لأن الضرورة تقتضي حكومة جديدة للتفاوض على حل سياسي يتمثل بحل الدولتين وفقًا للرؤية الأمريكية وهو ما لا تقدر حكومة نتنياهو على احتماله لأنها حُكمت بأهداف لم تستطع تحقيقها، والفضل يعود للمقاومة المتمثلة بالقسام والسرايا وصبر الشعب الفلسطيني وصلابته النادرة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.