سارة خريباني – خاص الناشر |
تستمر الشركات الأميركية والغربية في دعم الكيان الإسرائيلي المؤقت. وهي لا تتراجع أمام التهديدات من قبل منظمات وحركات إسلامية وعربية وبعض الحركات الغربية التي تهدد بمقاطعة هذه الشركات إن استمرت في دعم الكيان وجيشه.
عبر موقعها الالكتروني، وثقت “الجزيرة نت” تصريحات نقلت عن صفحات هذه الشركات عبر مواقع التواصل والتي جاهرت فيها بدعمها الماديّ والمعنويّ لـ “جيش الدّفاع الاسرائيليّ” وأفراده عبر تأمين احتياجاتهم من خدماتها:
“أعلن وكيل سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأميركية للوجبات السريعة في إسرائيل، عن دعم جيش الاحتلال بنحو 4 آلاف وجبة يوميًّا”.
بينما نشر حساب برغر كينغ في “إسرائيل” صورًا لتوزيع وجبات مجانية على جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكتب على المنشور باللغة العبرية، قائلًا، “خرجنا لتقوية الأمة. فرقنا تعمل بجد لمواصلة التبرع بآلاف الوجبات لأبطالنا، برغر كينغ يرسل التعازي إلى عائلات الضحايا”.
ومن جانبها نشرت دومينوز بيتزا مقاطع مرئية لعلم “إسرائيل” علّقت عليه باللغة العبرية، “من يستطيع أن يهزمنا”؟، ونشرت -كذلك- مرئيات لتوزيع البيتزا على جنود الاحتلال.
“بيتزا هت” ومتاجر كارفور في تل أبيب قدمتا -أيضًا- الدعم للجيش الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا”.
ومع انتشار صور ومقاطع دعم الوكلاء للجيش الإسرائيلي، بدأ رواد العالم الافتراضي في العالم العربي بنشر العلامات التجارية التي يجب مقاطعتها، والبدائل عنها في الأسواق المحلية.
وحتى أصحاب الشركات والمقاهي المحلية بدؤوا بالبحث عن بدائل للمنتجات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي.
يقود كل ما تقدم إلى التساؤل: ما هي المقاطعة؟ وهل تستطيع حركات المقاطعة ترك الأثر الاقتصادي والثقافي الفعال في واقع تملؤه الحروب، أم أننا في دوامة من فورة الأفعال ولن نلمس النتائج على أرض الواقع ؟
نطرح هذه التساؤلات وأكثر على كلّ من المحلل السياسي كريم شرارة، والمحلل الاقتصادي زياد ناصر الدين.
ما هي المقاطعة؟ وما هي أشكالها وصورها؟ وهل تعتبر جميعها فعالة؟
يرى المحلّل الاقتصاديّ الاستاذ زياد ناصر الدين أنّ المقاطعة عنوانٌ كبير، مرتبطٌ بشكلٍ أساسيٍّ بوجود توجّهٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ لمواجهة عدوٍّ مستفيدٍ ماديًّا بدعمه من خلال سلعةٍ تباع في أسواقنا.
وللمقاطعة أشكالٌ عديدة، والتي ترتبط حكمًا بالتوجّه السياسيّ والبدائل التي تكون حاضرةً لتستطيع تغطية الأسواق بما تحتاجه.
أمّا بالنّسبة لأشكال المقاطعة وصورها، فنحن نتحدّث عن أنواعٍ متعدّدة منها الاقتصاديّ، المرتبط بالأمن الغذائيّ وأمور اقتصاديّة وشركات، ومنها الثّقافيّ، وهناك جزءٌ تعليميٌّ أيضًا. النقطة الأهم اليوم ترتبط بالواقع الاقتصاديّ، فمن خلاله ينتج المردود الماليّ الذي يتمّ ارساله مباشرةً لدعم الكيان، وبذلك حين نتحدّث عن المقاطعة، يجب أوّلًا التّركيز على مقاطعة الشّركات الدّاعمة حكمًا لقيام هذا الكيان المؤقّت على حساب البلدان المحيطة به.
ولتفعيل حقيقة المقاطعة، وهي نقطة هامّة يجب الالتفات لها، ضرورة إجراء إحصاءاتٍ دوريّةٍ لأسماء الشّركات التي تدعم العدوّ، ذلك أنّ الأمن الغذائيّ – الاجتماعيّ في بلادنا مرتبطٌ بشدّةٍ بتلك الشّركات، في حين أنّنا نجهل الكثير منها.
أمّا من منظور التّحليل السياسيّ، فيحدّد الأستاذ كريم شرارة هذا السّياق بكَون المقاطعة حركة متعددة الأسطح، فهي ليست أحادية البعد، وفي التعريف الاصطلاحي المتعارف عليه هي قيام طرفٍ من بين أقطابٍ متعدّدةٍ بإيقاف التّعامل على أحد تلك الأسطح مع طرفٍ ثانٍ من تلك الأقطاب، أفرادًا كانت أو جماعات. ولأنّ أشكال المقاطعة مختلفة، (اقتصاديّة، اجتماعيّة…) فهي تأخذ بحسب محورها أبعادًا متعدّدة، فتنطلق من تحديد محور المقاطعة، إلى استهداف عدوٍّ مستفيد، ثمّ تأخذ المقاطعة أبعادها المحتّمة، منها الأثر الاجتماعي – السياسي، مثالًا، فلا تكتفي الفئة المقاطِعة بقطع التعاطي والعلاقات السّياسية مع العدوّ المستهدف، بل وحتى قطع الروابط الاجتماعيّة بأشكالها المختلفة.
أمّا على صعيد الصّورة المصغّرة لواقعنا الحاليّ، وبالنّسبة لحركات المقاطعة ضدّ “اسرائيل”، فهي تشمل جميع الأبعاد المتاحة للمقاطعة، وأوّلها والأهمّ هي المقاطعة الاقتصاديّة، وذلك لا يقتصر على منع التّداول بالبضائع الاسرائيليّة، بل يشمل أيضًا كلّ شركةٍ داعمةٍ للعدوّ. ومعنى الدّعم في هذا السّياق لا يشمل مجرّد التّعامل السّطحيّ الآخذ شكل التّعاطي الدّوليّ كأيّ دولةٍ وأخرى، بل هو أخذ هذه الشّركات دورًا في تقوية الإرادة العسكريّة وتثبيت السّلطة العليا لهذا الكيان، في مقابل تثبيط المجتمع الفلسطينيّ وإضعاف دعائم القضيّة، كالمقاومة المسلّحة.
إنّ تأثير المقاطعة مرتبطٌ بشكلٍ أساسيّ بالفئة المقاطِعة (من يقاطع هذا العدوّ) والاستجابة العامّة للمقاطعة. فإذا ما اتّخذت الدّول الدّاعمة للقضيّة، كدول العالم الاسلاميّ مثالًا، قرارًا جماعيًّا بمقاطعة الشّركات التي تخدم العدوّ الاسرائيليّ، فذلك يشكّل أثرًا كبيرًا واضح الأبعاد ومقاطعةً حقيقيّةً فعّالة.
تجدر الاشارة أنّه ليست كلّ مقاطعةٍ فعّالةً وذات أثر، تِبعًا لما قدّمناه سابقًا، فإنّ المقاطعة تتأثّر بالأعداد والمراكَمة، فلو أدّى فردٌ أو مجموعةٌ قد تصل إلى بضعة ملايين من النّاس حركةً ضدّ شركةٍ عالميّةٍ لمقاطعة بضائعها، فإنّ الهدف المرجوّ قد لا يتحقق باللّحظة الآنيّة.
إذًا فلكي تصبح المقاطعة ذات أثرٍ وفعاليةٍ حقيقيّين، يجب تحقيق عنصرين أساسيّين هما المراكَمة الدّائمة وكِبَر حجم المقاطعة. وتعني المراكَمة استمراريّة حركة المقاطعة عبر السّنين ونشر فكرها بشكل متواصلٍ ودائم كي تصل بالنّتيجة مع مرور الوقت إلى مراكمة العديد من عناصر القوّة المادّيّة والمعنويّة، منها المواقف والمعلومات، والحضور السّياسيّ والاجتماعيّ وغيرها من مظاهر وفعاليات تثبّت فكر وقوّة أصحاب القضيّة.
ما هي آثار المقاطعة الفعالة؟ وهل تشكل هذه الآثار نتائج ثابتة ودائمة؟ وما هي جدوى هذه الحركات على المديين القريب والبعيد؟
يوضّح لنا الأستاذ زياد ناصر الدين المسألة من النّاحية الاقتصاديّة:
في بحثنا مسألةٌ جوهريّة: هل نحن قادرون على تفعيل مقاطعةٍ حقيقيّةٍ في الوقت الذي استطاعت فيه الشّركات المعادية دخول أسواقنا كي تصبح جزءًا أساسيًّا منها؟
يجب التيقّن من حقيقة قدرتنا، وأنّنا نعم نستطيع، وبالتّحديد أكيدًا من خلال البدائل القادرة يقينًا على أن تكون أفضل من سلع الشّركات المعادية، والتي ينقصها فقط التّسويق القويّ والسّليم لتستطيع مواجهة تسويق الجبهة المعادية؛ وتكمن هنا ضرورة الالتفات إلى تغلغل العدوّ في كلّ المفاصل التي يشعر أنّها ناجحة وقابلة لإنتاج ما يحتاج تحصيله من أموال، ومن تلك الصّور اعتماده على شركاتٍ عالميّةٍ كبرى والتي تقدّم جزءًا ثابتًا من أرباحها لدعم اقتصاده الغاصب، لذلك فإنّ المقترح الأهمّ في مسألة المقاطعة هو إيجاد البدائل اللّازمة لتغطية احتياجات أسواق جبهة المقاومة، كما يجب لهذه الشّركات البديلة أن تعتمد التّسويق لتعلن بنفسها دعمها المقاومة الفلسطينيّة والشّعب الفلسطينيّ في مقابل ما تجاهر به الشّركات المعادية. نحن لدينا حقيقةً القدرة على الاستغناء التّامّ عن الكثير من الشركات الخارجيّة والعيش بدونها، والقدرة أيضًا على خلق بدائل أفضل أكثر فائدةً وصحيّة للمستهلك المحليّ، وأكثر تناسبًا مع الدّخل الفرديّ، وتشكّل دعمًا للقضيّة الفلسطينيّة بما هو مفيدٌ لها.
لذلك فإنّ استبدال مصطلح المقاطعة بالبدائل اللّازمة يعطي نتائج أفضل، وبالتالي فإن إمكانية نجاح المقاطعة أمر أكيد، لكن، نكرّر ضرورة تحقيق توجّه سياسيّ وتكاتف بين الأفراد والجماعات المعنيّة، إضافةً إلى العمل على إظهار مساوئ الطّرف الدّاعم للاحتلال.
وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ البدائل المذكورة لها القدرة على خلق فرص عمل جديدة، حيث تعمل بعض الأطراف على تشكيل عامل ضغط باللّعب على الوتر الحسّاس في مسألة اليد العاملة التي ستغدو عاطلةً عن العمل بعد مقاطعة الشّركات الدّاعمة لأعداء القضيّة.
وبذلك، وحين إيجاد البدائل المناسبة التي تسعى إلى الاستفادة من هذه الخبرات من اليد العاملة، فإنّ النتيجة المرجوّة تصبح أكثر متانةً بحيث تخلق لدى المجتمع المقاطِع طمأنينةً من ناحية وجود بدائل ذات ركائز قويّة ونافعة.
ورغم أنّ أثر المقاطعة في وقتنا الحاليّ يظهر بشكلٍ غير مباشرٍ، إلّا أنّه، على المدى البعيد، وحين تصبح المقاطعة جزءًا من السّياسة المعتمَدة، فستكون تأثيراتها مباشرةً وكبيرةً وجليّةً.
أمّا سياسيًّا، فيؤكد الاستاذ كريم شرارة أنه:
لا تُلمس النتائج الثابتة للمقاطعة على أرض الواقع إلا عن طريق ما تحدّثنا عنه في مصطلح “المراكمة”. فإنّ الدّوافع العاطفيّة التي تنطلق من خلالها أغلب تحرّكات المقاطعة، والنّاتجة عن التّعاطف مع أصحاب القضيّة المجنيّ عليهم، لا تكفي لتحقيق ثباتٍ على الأمد البعيد، ما لم تفعّل خواصّ الوعي الكافية لاستكمال هذه المقاطعة واجراءاتها بعد انتهاء الحرب.
فعلى سبيل المثال، لمسنا جميعًا مواقف الحميّة التي اتُّخذت اتجاه منتجات “مكدونالدز” و”ستارباكس”، كردّة فعلٍ انسانيّةٍ لما تعرّض له الشّعب الفلسطينيّ من مجازر في الآونة الأخيرة. لكنّ احتماليّة تراجع أعداد المقاطعين أمرٌ بديهيٌّ ما لم يكن هنالك من يأخذ على عاتقه مسألتين:
التوّعية خلال فترة المقاطعة وما بعدها، واتّخاذ الإجراءات الخاصّة على صعيد سيّاسة الدّولة المعنيّة أو الشرائح الاجتماعية بشكل عام.
ولتحقيق التّأثير المُرتجى سياستان قابلتان للتحقيق بحسب الفئة التي تأخذ على عاتقها عمليّة الحراك والتّوعية:
إمّا Top bottom أي من الدّولة إلى الشّعب فالأفراد، أو Bottom Up أي من الأفراد إلى المجتمعات فالشعب فالدّولة. وبعدم اتّخاذ الخطوات المطلوبة في أحد الاتّجاهين فلا وصول تحديدًا للنتائج المرجوّة.
ما هو الأثر الثقافي والاجتماعي للمقاطعة؟ وما مدى فعاليته على كل من الأمن الاجتماعي والسياسي في البلدان المقاطِعة والمقاطَعة؟
يتحدّث الاستاذ كريم شرارة عن هذا التفصيل شارحًا:
إنّ الالتفات إلى الحيّز الذي تلعب فيه المقاطعة دورها يؤدّي إلى فهم الأثر الثّقافيّ والاجتماعيّ لها بشكلٍ أدقّ: تدفّق حركات المقاطعة في مجمل صعيد بلدٍ واحدٍ أو عدّة بلدان، وتخصيص الصّعد الدّاخليّة والخارجيّة، وإن اختلفت في سيّاساتها، نتيجته اجتماعٌ على رفضٍ مشتركٍ بين تلك الفئات لموجودٍ آخر؛ ثمّ يتولّد تقاربٌ بين هذه الفئات ناتجًا عن عمليّة الرّفض، ليخلق ذلك اشتراكاتٍ في الهويّة وتنسيقًا يشدّ أواصر الأفراد ذوي الهويّة الموحّدة، ليفصل بين أصحاب هذه الهويّة الرّافضة والأخرى غير الرّافضة، كمثالٍ من واقع التّحالف بين كوبا وفنزويلا وإيران وأميركا اللّاتينيّة، وصعود فكر العالم متعدّد الأقطاب.
ويدعم الاستاذ زياد ناصر الدين الفكرة قائلًا:
يشكّل الأثر الثّقافيّ لأيّ قضيّةٍ ذات أهميّة العامل الأخطر والأكثر هيمنةً وتأثيرًا بين المفاهيم المتفرّعة عن هذه القضيّةٍ، حيث أنّ فهم القضيّة يبدأ بفهم البعد الثقافي فيها، كالقضيّة الفلسطينيّة، وفهم فكرة الاحتلال؛ وهو نقلٌ للحقيقة، فالحديث عن الثّقافة يشمل التّاريخ والأرض والجغرافيا والكتابات والمقالات والدّراسات والكتب وحتى الأفلام، ويحمل في طيّاته حقيقةَ وواقعَ هذه القضيّة، لذلك فهو الأخطر من ناحية الأثر كونه ينطوي على المفهوم والمنظور الشّامل لتفاصيل القضيّة، وهو سلاحٌ ذو حدّين، ذو قدرةٍ على ترك آثارٍ وتبعاتٍ أكبر بكثير ممّا يتوقعه العدوّ.
على إثر شرحكم لأهميّة الأثر الثقافي للمقاطعة، هل لذلك فعالية، برأيكم في بناء المعتقدات لدى المجتمع كرأيٍ عامّ، وهل له تأثيرٌ على السياسات الكبرى للدول كالحروب مثلا؟
مسَلسِلًا جوانب خطوات المقاطعة وأبعادِها، يجيب الأستاذ كريم شرارة:
بفعل تراكم الخطوات الفعّالة للمقاطعة، واتّخاذ جوانبها المتعدّدة (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية) خطّ دفاعٍ، فإن هذه المقاطعة ستأخذ أحد أشكال المقاومة التي لا تنحصر بالفعل العسكريّ، فتولّد بذلك معتقدًا، تبعًا للبعد الثقافي، وبشكل اوتوماتيكي، لأن المعتقدات تدخل حيّز الثقافة المبنية لدى الأفراد، وبمراكمتها على المدى الطّويل تثبت هذه الأفكار لتشكّل بناءً اعتقاديًّا لدى الرأي العام، فتصبح مقاطعة الشركات المعادية موقفًا أساسيًّا ذا بعدٍ اجتماعي تتمسّك به الفئات المقاطِعة بشكلٍ بديهيّ بل ومتوهّجٍ أيضا.
أمّا بالنّسبة لقدرة المقاطعة في التّأثير على السيّاسات الكبرى فذلك يرجع أوّلًا إلى مدى حقيقة قدرة الفئات المقاطِعة، لا على الصّعيد الثقافي والاجتماعي فقط، بل على صعيد المباني السياسية والاقتصادية أيضا، وذلك بحسب متانتها، كالصين مثلًا، والتي بصفتها تشكّل قوّةً كبرى في العالم، وتأخذ دور لاعبٍ كبير يستطيع إحداث ضغطٍ على سياسات بلادٍ أخرى، فإنّ اتّخاذ دولة مثلها قرار المقاطعة (افتراضًا) سيؤدّي إلى زعزعة ميازين القوى.
ما هي امكانيات حركات المقاطعة في تغيير وجه الحرب الحالية على القطاع؟ وهل للمقاطعة دور ملموس في تفعيل الخطوات نحو بناء اقتصاد عالمي جديد؟
يحدّد الاستاذ زياد ناصر الدين تأثّر الاحتمالات المتوقّعة للنتائج بالأمور التّالية:
لا نستطيع في الوقت الحاليّ معرفة الامكانات وذلك لعدم توفّر قرار سياسيّ موحّد يجمع دول العالم الاسلاميّ في إطار المقاطعة، فالنتيجة تختلف بالتّالي بين قرار المقاطعة الجزئيّة وبين المقاطعة من دول العالم الاسلاميّ مجتمعةً، حيث إنّ قرار الاجماع بينها على مقاطعة عددٍ محدّدٍ من الشٌركات مقاطعةً تامّة يعني قرارًا سياسيا يؤدي إلى زلزالٍ اقتصاديٍّ غير مسبوق، إلا أنّه وللأسف لم يتّخذ هذا القرار حتى الآن في هذه المواجهة وبالتّالي يصعب تحقيق النتيجة المرجوّة.
ويعزّز الأستاذ كريم شرارة وجهة النظر من خلال:
العودة إلى البناء المطروح في تشكيل هويّةٍ مشتركةٍ من جهة، وشدّ الأواصر عبر توحيد عقيدة الرّفض من جهة أخرى، فإنه، وإلى الآن، لم يُلمس صنع ضررٍ لا عودة عنه على صعيد الساحة الداخلية الاسرائيلية، وإن شكّلت أغلب خطوات المقاطعة الاقتصادية ضغطًا ملموسًا على الشركات الداعمة للكيان.
وبما أنّ أغلب الدّول القويّة اقتصاديا لا دافع لديها في أخذ خيار المقاطعة، كونه ليس من مصلحتها أن تنهار اسرائيل، فإن رؤية خيار الرّفض منها صعب التحقّق، إلا أنّ تزايد بطش الأمريكيّ، واستهتار الاسرائيليّ بالقوانين الدولية، الأمر الذي يجعله منعزلا اكثر فاكثر على صعيد العالم، قد يخلق ردّة فعلٍ من تلك البلدان والتي تظهر بوادرها عبر زيادة الضّغط على سياسات الدولتين الداخلية.
تشكّل المقاطعة أضرارًا مكلفة على العدو والدول الحليفة له، وتكبده خسائر تدفعه لبذل جهدٍ كبير في تعويض هذا النّقص، خاصّةً إذا ما اتخذ قرار المقاطعة من شركات دول كبرى، واستطعنا لمس آثار الضغط على الصعيد الداخلي.
يجب فهم جوهر المقاطعة، ومسألة أنّها تخدم الدول المقاطِعة بشكلٍ أساسيّ، فإنه، وعلى الرّغم من قوّة الغرب الظاهريّة، وكونه ذا أسلوبٍ پراغماتيّ أيدلوجيّ سريع التكيّف مع الأمور، إلا أنه وبنظري، آخذٌ بنفسه نحو الزّوال لإتخاذه منحًى “متعجرف” في تعاطيه مع الأمور.
للمقاطعة هدفان جوهريّان وهما أساس كلّ الدّوافع العائدة بالفائدة على الدّول المقاطِعة، وهما: تأمين الساحة الداخلية للدول المقاطِعة وصناعة الضرر على الطرف المقابل، إضافةً إلى صناعة إنسانٍ مؤدلجٍ بالطريقة الصّحيحة، إنسانٍ إنسانيّ، إنسانٍ مسؤول، إنسانٍ عادل.
إنّ للمقاطعة قدرةً على تشتيت عناصر القوّة التي تبرز منها “هالة المجد” للجبهة المعادية، فهي بآثارها المختلفة، سوسة تنخر ظهر الاستعمار وتأخذ بمجامع قوّته تدريجيًّا نحو الهاوية. وفي المقلب الآخر، تلعب المقاطعة دورا في شدّ أواصر الفئات المتبنّية لجوهرها، وخلق هوية متلاحمة الأطر فتستثمر اجتماع عناصر القوّة لتجعل منه خطّ دفاعٍ نفسيّ قائمٍ بالدرجة الأولى على الاستغناء عن وجود المنتجات ذات الهوية المعادية، والذي يتحقق عبر انتاجنا الذاتي لبدائل فعالة عملية وحقيقية، ويستدعي كذلك مقاطعة “نمط الحياة” الذي دُسّ في هويّتنا، فصنع من إنساننا كائنًا محتاجًا مستهلِكًا لا يشبعه صنع كفّيه، مفتوح العينين على الكثير من السراب والوهم، في إناء طعامه كما في إناء روحه، والغارق في دوّامة محاولة حفظ وجوده، غافلًا عن الأسس الحقيقية التي قامت عليها كل الموجودات الخالدة منذ الأزل. تاريخنا، هويتنا، ثقافتنا، لنا ومنا وفينا، وهي نمط الحياة الذي يجب البحث فيه وايجاد جوهره الصافي لقيام حضارتنا الحقة، وعلى إثر ذلك نسأل: كيف ستكون ملامح الاقتصاد العالمي الجديد بعد التغير في البناء العقائدي والثقافي الذي تشهده الشعوب بسبب الدور الذي اخذته حركات المقاطعة إضافة إلى وسائل الإعلام والتواصل؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.